رغم نزوحهم لـ "رفح".. لماذا تصر إسرائيل على استهداف المدنيين الفلسطينيين بالمناطق الآمنة؟

الفجر السياسي

المحللون السياسيون
المحللون السياسيون

علق عدد من الخبراء والمحللين السياسيين، على الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال على مدينة رفح الفلسطينية، مؤكدين أن إسرائيل تستمر في النهج الذي بدأته في عام 1948، والذي يحمل في طياته سجلًا طويلًا من المذابح التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين، موضحين أن السبب وراء استهداف المدنيين عرقلة نفاذ المساعدات الإنسانية، وتصفية القضية الفلسطينية والقضاء عليها من جذورها، من خلال تهجير الشعب الفلسطيني، وهو ما يعد انتهاكًا واضحًا لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ولقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

عرقلة المساعدات الإنسانية

الدكتورة نادية حلمي 

في هذا الإطار قالت الدكتورة نادية حلمى، أستاذة العلوم السياسية، إن إسرائيل تنتهك أحكام القانون الدولي الإنساني وقوانين الحرب، التي تحدد التزامات الأطراف المتحاربة تجاه المدنيين، مؤكده أن هذه الخروقات تتعارض مع مبادئ القانون الدولي الإنساني، الذي يهدف إلى حماية المدنيين وتقديم الرعاية للضحايا الأبرياء خلال النزاعات المسلحة.


وشددت "حلمي" في تصريح خاص لـ "الفجر" على أن الهجمات المحتملة على رفح تشكل تهديدًا خطيرًا على حياة السكان المدنيين، الذين يشكلون نصف سكان غزة، مما يبرز أهمية التحلي بامتثال الأطراف المتورطة للقوانين الدولية وضرورة حماية الحقوق الإنسانية.


وأشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي أصدر أمرًا لأكثر من نصف سكان قطاع غزة بمغادرة شمال القطاع في فترة وجيزة، استعدادًا لعملية برية عسكرية محتملة، على الرغم من انقضاء الموعد النهائي الأول، إلا أن أمر الإخلاء يثير مخاوف قانونية وإنسانية خطيرة، مع تزايد المخاوف بشأن سلامة المدنيين، حيث تطرح القوات الإسرائيلية مزاعم بأن غاراتها الجوية تستهدف قواعد حركة حماس وتنظيماتها العسكرية، ومع ذلك، يثير إسقاط الأسلحة المتفجرة الإسرائيلية على مناطق مكتظة بالسكان مخاوف من تكبد المدنيين الفلسطينيين لأضرار جسيمة ويزيد من خطر الهجمات العشوائية غير القانونية، لافته إلى أن هذه التطورات تأتي في سياق وجود أكثر من ٢ مليون شخص داخل قطاع غزة.


وأكملت "حلمى" إنه وفقًا للقانون الدولي الإنساني، يتعين على الأطراف المتورطة، وهم في هذه الحالة الإسرائيليون، إصدار تحذيرات جادة للمدنيين الفلسطينيين في حالة شن هجوم، ويُفترض أن تساعد هذه التحذيرات المدنيين على تجنب الأذى، ومع ذلك، فإن أمر إخلاء المدنيين الفلسطينيين، عندما لا يكون هناك مأوى آمن أو وسيلة آمنة للوصول إليه، لا يكفي ولا يقوي حقوقهم وفقًا لأحكام القانون الدولي الإنساني.

وتابعت: قوانين الحرب تحظر بشدة أي أعمال عنف أو تهديد بها تستهدف بشكل أساسي بث الذعر بين السكان المدنيين، موضحه أن أمر الإخلاء الإسرائيلي للسكان الفلسطينيين يهدد بالتهجير القسري، وهو أمر يشكل جريمة حرب إسرائيلية بمعنى أنها تنتهك أحكام القانون الدولي بشكل شامل، إصدار أوامر لمئات الآلاف من الأشخاص بالإخلاء في فترة قصيرة، عندما لا يكون هناك مأوى آمن، يمكن أن يؤدي إلى عواقب إنسانية مدمرة.

وأشارت أستاذة العلوم السياسية، إلى أن الرد المصري جاء باعتبار استهداف رفح واستمرار النهج الإسرائيلي في عرقلة نفاذ المساعدات الإنسانية يشكل إسهامًا فعّالًا في تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، وهو ما يعد انتهاكًا واضحًا لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ولقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة، وأن مصر جددت تأكيدها على رفضها الكامل لأي عملية عسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، محذرة من العواقب الوخيمة المحتملة. كما أعربت عن مخاوفها من تأثير أي تحرك إسرائيلي في المنطقة الحدودية على مستقبل العلاقات بين القاهرة وتل أبيب.

ومن وجهة نظري التحليلية، ينبغي على الحكومة الأمريكية، التي تقدم مساعدات عسكرية سنوية بقيمة ٣.٨ مليار دولار لإسرائيل، أن تصر بشكل عاجل على إلغاء الأوامر الإسرائيلية للإخلاء، وتسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وتحقيق التزاماتها الأخرى في حماية المدنيين، بما في ذلك الذين يقيمون في شمال غزة، وذلك بغض النظر عن ادعاءات الاحتلال الإسرائيلي بوجود عناصر من حماس وغيرها، حيث لا يوجد أي مبرر لتجريد المدنيين في غزة من الحماية المقررة في قوانين الحرب.


ورغم ذلك، كررت إسرائيل توجيهاتها للمدنيين في شمال غزة لمغادرة بيوتهم والتوجه جنوبًا حرصًا على سلامتهم وسلامة ذويهم، في الوقت الذي تكثف فيه عملياتها العسكرية، ولكن على الرغم من ذلك، استمر القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة في الجنوب، مما أدى إلى تحذير المنظمات الأممية ومنظمات الإغاثة من عدم وجود مكان آمن في غزة للمدنيين،  وكانت بعض توجيهات الجيش الإسرائيلي مصحوبة بخرائط وفيديوهات توضيحية تشير إلى مناطق غير محددة بشكل واضح، ولكن القصف الإسرائيلي طال أغلب هذه المناطق أو المناطق القريبة منها بعد أيام من إصدار التوجيهات.


وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه يحذر السكان في غزة عبر عدة وسائل، بما في ذلك إسقاط المنشورات على الأحياء، إضافة إلى الاستعانة بالمؤسسات الدولية، واعتذر الجيش الإسرائيلي بسبب تدهور وضع شبكات الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة، مما يصعب عملية توجيه التحذيرات للمدنيين ويعقد الأمور.

فرغم التحذيرات الدولية والأممية للحكومة الإسرائيلية من شن عمليات عسكرية على مدينة رفح الفلسطينية، تصر إسرائيل على تنفيذ مخططها الإجرامي في تنفيذ هذه العمليات، وتستمر مصر في جهودها المستمرة لإيصال المساعدات الإنسانية وإدخالها إلى القطاع عبر بوابات معبر رفح المصري، الذي لم يُغلق من قِبَل.

 

تصفية القضية الفلسطينية

الدكتور رمضان قرني 

من جانبه قال الدكتور رمضان قرني، المحلل السياسي، إن الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال على مدينة رفح الفلسطينية يعكس استمرار النهج الإسرائيلي الذي بدأ في عام 1948، مؤكدًا أن التاريخ يحمل في طياته سجلًا طويلًا من المذابح التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين.


وأشار "قرني" في تصريح خاص لـ "الفجر" إلى أنه رغم أن حركة كاخ، التي تنتمي لأحد المتطرفين الإسرائيليين، قد تبنت نهج استهداف المدنيين في الثمانينات والتسعينيات، إلا أنه يعتبر أن توقيع اتفاقيات سلام مع بعض الدول العربية قد أثر على توقعات البعض بتراجع هذا النهج بشكل كبير، ومع ذلك، في ظل الأعداد الكبيرة للشهداء في فلسطين، والتي وصلت إلى نحو 30 ألف شهيد، يؤكد أن استهداف المدنيين يظل نهجًا منظمًا يتبناه الحكومة برئاسة نتنياهو.


في هذا السياق، يبرز السؤال حول الدوافع التي دعمت إسرائيل بشكل كبير في تبني هذا النهج، وذلك خاصة في ظل الأوضاع الراهنة، أشار "قرني" إلى أن الدوافع تعود إلى التراخي الدولي تجاه إسرائيل، حيث لا توجد أدوات فعّالة من أدوات الضغط الدولي لمنع استهداف المدنيين، حتى أن الرسالة الأخيرة من وزارة الخارجية الأمريكية بشأن تهديد إسرائيل بالاجتياح في رفح تتحدث عن تجنب المدنيين، مما يعطي إشارة قوية بالسماح بمثل هذا النهج إلى حد ما، مما يتيح لإسرائيل الفرصة لتبرير استهداف عناصر من حماس بدلًا من المدنيين.


وأشار إلى الجانب الآخر الذي ساعد إسرائيل في استهداف المدنيين، وهو محاولة الرد على الضغوط التي يفرضها أهالي الأسرى الإسرائيليين على حماس، يُظهر ذلك كجزء من استراتيجية لإرسال رسالة بأن إسرائيل تنوي الانتقام من حماس، وبهذا السياق، يبدو أن إسرائيل تتبنى رسالة إعلامية توجهها حكومة نتنياهو نحو الجمهور الإسرائيلي، تؤكد أنها لا تنسى حقوق الأسرى، وبالتالي يُحقق استهداف عدد كبير من المدنيين هدفًا معنويًا لحكومة نتنياهو.

وفي ظل هذا السيناريو، يُعتبر استهداف المدنيين وتسليط الضوء على حقوق الأسرى خطوة استراتيجية لتحقيق أهداف إعلامية ونفسية لصالح حكومة نتنياهو، مع التركيز على فكرة الرد على التحديات الأمنية والضغوط الداخلية التي تفرضها جماعات مثل حماس.