هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟

مقالات الرأي

بوابة الفجر

 

كان ما بدر من الدكتور حسام موافي خلال حفل زفاف ابنته، محط اهتمام منصات التواصل الاجتماعي في مصر، بل وفي العالم العربي، نظرا لما لدى الدكتور موافي من مريدين ومتابعين، اكتسبهم بصفته رجل "العلم والإيمان"
الجدل المصاحب لواقعة تقبيل "الدكتور موافي" ليد رجل الأعمال محمد أبو العينين، أعاد إلى الأذهان تلك الجملة الأثيرة التي استعان بها النجم محمد سعد خلال تقديمه لشخصيته الشهيرة "اللمبي"، ألا وهي: "الجنيه غلب الكارنيه".
ومهما حاول مريدو "الدكتور" التبرير، فإن هذا المشهد مخزٍ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولا يوجد له مبرر أو عذر. إن من يبرر تصرف "الدكتور" بزعم أنه ما فعل ذلك  إلا عرفانا وتقديرا لرجل البر والإحسان، فهذا عبث، وعذر أقبح من ذنب من عدة أوجه، أهمها أن من يجازي على فعل الخير والشر هو الله عز وجل، كما أن فاعل الخير من المفترض أنه يرتجي الثواب من ربه، لا من الناس، وإلا فلا ثواب له.
كما أن الرجل الذي يتابعه ملايين في العالم العربي، وينزلونه منازل العلماء الأجلاء ورجال الدين النبلاء، لم يكن مطلوبا منه أن يجازي أحدا على أفعاله، ويقحم نفسه في علاقة بين العبد وربه.
لا يبرر فعلتك أبدا يا "دكتور" أنها جاءت بعد وصلة مديح وثناء من "أبو العينين" عنك وعن علمك، فإنما هذه منازل العلماء التي يجب على أهل السلطة والمال أن ينزلوهم إياها، وإذا كان الرجل قد أحسن في ثنائه ومديحه لك، فقد أسأت وأخطأت في حقك وحقه بتقبيلك يده.
ودعني أهمس في أذنك يا "دكتور"، وأقول لك -ولمريديك الذين هاجموا من استهجنوا فعلتك- لو أنك فعلت فعلتك التي فلعت من وراء حجب أو في غياهب غرف مغلقة، بعيدا عن الأنظار، فربما وقتها كان من حقك أن تزعم بأنه شأنك وحدك. أما وأن تصرفك كان على الملأ وأمام الأنظار، فقد هتكت أنت ستر نفسك، لا سيما أنك من المحسوبين على أهل العلم والدين الذي يأخذ الكثيرون عنهم علمهم ودينهم.
لقد تناسيت يا سيدي "الطبيب العالم"، أن العلماء هم ورثة الأنبياء، وأن غنى العلم أجلّ من غنى المال، فالغني بالمال غنى بأمر خارجي عن حقيقة الإنسان، لو ذهب في ليلة أصبح فقيرا معدما، والغني بالعلم لا يخشى عليه الفقر، بل هو في زيادة أبدا.
وأنا لا يهمني الشخص الذي قبل "العالم" يده، بقدر ما يهمني لماذا قبلت يده؟ فإذا كنت يا "دكتور" قد قبلت يد عالم، لما استهجن الناس فعلتك، ولما احتجت إلى تبرير وتعذير، لأن الناس بالفطرة يحبون العلماء. أما تقبيل يد المال أو السلطة فهذه الكارثة بعينها، فالفطرة تأباها وعزة العلم وكرامته ترفضها، وحسبك ما قاله هشام بن عبد الملك، عندما حاول رجل أن يقبل يده، فقبضها ونهاه قائلا: "إنه لم يفعل هذا من العرب إلا هلوع، ومن العجم إلا خضوع".
يا سيدي "العالم"، إن منعة العلم وعزة أهله لا يجب أن يتنازلا تحت ظرف أو لأي سبب، وهذه هي سمات العلماء بحق، فهم من يستحق أن تُقبل أياديهم، لا العكس، وإلا فلا يجب أن نشكو بعد ذلك من مهانة العلم وأهله في بلادنا، فكما قال المتنبي: "من يهن يسهل الهوان عليه".
كما أذكرك يا "عالمنا الجليل" بما ورد عن أبي هلال العسكري، عالم البلاغة الشهير، عندما لم يجد من يقدره، لم يقبل الأيادي، وإنما جلس في السوق يبيع ويشتري حتى قال أبياته المشهورة:
جلوسي في سوق أبيع واشتري دليل على أن الأنام قرود 
لا خير في قوم يذل عظيمهم ويعظم فيها نذلهم ويسود 
وأخيرا، اسمح لي يا دكتور حسام موافي أن أقول لك: "عفوا دكتور حسام، فقد خذلت  محبينك".