"إعدام إمبراطورة العقارات".. هل تغير نظرتنا للجرائم الاقتصادية؟

الاقتصاد

قطب العقارات الفيتنامية
قطب العقارات الفيتنامية ترونغ ماي لان

حكمت فيتنام على قطب العقارات الفيتنامية ترونغ ماي لان، بالإعدام في قضية اختلاس مبالغ مالية وصلت إلى 12.5 مليار دولار، بالإضافة إلى 84 متهما اخرين تلقوا احكام تتراوح بين السجن لمدة 3 سنوات وتصل إلى السجن مدي الحياه.

 

السيدة التى تبلغ من العمر67 عام، قامت بالاستحواذ على أحد البنوك الشهيرة في فيتنام وسهلت الحصول على قروض لنفسها ولأصدقائها، ولم تنظر المحكمة إلى تاريخها في عالم المال والأعمال بفيتنام بعدما قدمت يد العون للجهات الحكومية بخطط إنقاذ وإعادة هيكلة نفس البنك من حالة تعثر سابقه كانت ستعصف بالاقتصاد الفيتنامي، بالإضافة إلى استثماراتها الهائلة في القطاع العقاري، بل اعتبرت هيئة المحلفين أن قضيتها لا تضر فقط حقوق الافراد، والممتلكات بل تجعل ثقة المواطنين تتأكل في اقتصاد بلادهم.

الحكم الذي كان له صدي إعلاميا وسعا، جاء ضمن حملة للحزب الحاكم في فيتنام  تسمي "الأفران السوداء" للقضاء على الفساد بكافة أنواعه من بينهم الفساد الاقتصادي، فـنادرا ما تحكم أي دولة في الجرائم الاقتصادية بالإعدام أو السجن مدي الحياه؛ مما يجعلنا في مصر نعيد النظر في التعامل مرة اخري مع الجرائم الاقتصادية بعدما أصبحت تمثل تهديدا للأمن القومي للبلدان، ولا يقل خطورتها عن قضايا الإرهاب.

فالجرائم الاقتصادية والتصدي للفساد أصبح الان أمن قومي، ولا يوجد محاولة للمساومة على ذلك، أو التقليل من شأنها، كما كان يحدث من قبل من خلال إجراءات التصالح ومصادرة الأموال محل القضية فقط، وترك رجل الاعمال بعدها حرا طليقا وكأنه لم يفعل شيئا، فـلا يزال بعض الاقتصاديون المصريون يرون الأمر عكس ذلك، فما أن تعلن وزارة الداخلية والجهات الرقابية الأخرى، بشكل يومي عن ضبط كميات تصل إلى مليارات الجنيهات وتشكيلات عصابية تقوم بتداول النقد الأجنبي خارج القطاع المصرفي، وتجار يقومون بإخفاء البضائع، وحجبها عن الأسواق لزيادة أسعارها، أو القبض على رجل اعمال بسبب قضية رشوة أو تهرب ضريبي،  إلا ويخرج علينا المتشدقون بالفكر الاقتصاد الحر، والفكر الرأسمالي منتقدين سياسية الحكومة في  تعزيز قبضتها الأمنية على الأسواق ومقاومة فساد رجال الأعمال، ويطالبوها بترك الحبل على الغارب في الاقتصاد دون ضابط أو رابط تحت مسمي سياسات اقتصادية حرة واليات العرض والطلب، حتي وصل حد انتقادهم عندما قررت الدولة في ظل عمليات دولارة لأسعار البضائع، واخفاء سلع عن الأسواق إحالة تجار قضايا السلع التموينية إلى القضاء العسكري، فهم فقط يرون أن الجرائم هي القتل والسرقة التى يعاقب عليها القانون.

أما الجرائم الاقتصادية، والتى أكثرها في مصر من وجهة نظرهم فلها معاملة خاصة، مع أنها ابشع من القتل والسرقة، وتكون نتائجها وتداعيتها على افراد المجتمع جسيمة، وتؤدي إلى انهياره والتصارع بين طبقاته، كما رأت هيئة المحلفين في فيتنام في قضية "ماي لان" والذي دفع لصدور حكم بالإعدام.

تخيل معي كم إمبراطور في مصر من نوعية "ماي لان"، كون ثروات من السمسرة على أراضي الدولة بداعي إقامة نشاط صناعي، أو اقترض قروض تحت أوهام  تأسيس مشروعات استثمارية جديدة ولم يسددها، أو حصل على أموال البنوك لإقامة مشروعات عقارية وتعثر عن استكمالها، والان حرا طليقًا...

والأزمة الاقتصادية الأخيرة كانت شاهدا واضحا علي تجار ذهب وعقارات وسلع وسيارات، والتي استغلوها في التشكيك في القائمين على إدارة اقتصاد البلاد، والتقليل من إنجازات المشروعات القومية في خدمة المواطن لإغرقها في حالة من الفوضى.


و كما يقول الله عز وجل“ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ"، فلولا القيادة السياسية الحكيمة برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وسرعة تعاملها مع الامر، بعد أن  نجحت  في إتمام أكبر صفقة استثمار مباشر بتاريخ مصر مع حكومة ابو ظبي؛ لتنمية منطقة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار ما ساعد على توفير العملة الصعبة


و بعد أن حلت أزمة نقص العملة الصعبة، ووفرت الحكومة الدولار بالبنوك، وبالرغم من ان اليات العرض والطلب التى كانت حجتهم طوال الفترة الماضية تدعوهم لخفض أسعار السلع، لكن لا تزال الممارسات الضارة بالاقتصاد مستمرة، ولا يزال مكر المتربصين من رجال الاعمال والمصنعين بـاقتصاد البلاد قائم، ولم يحركوا ساكنا ولم يخفضوا أي من الأسعار بقدر التراجع في سعر الدولار بالسوق السوداء، وحتي من خفض منهم كان على استحياء، ما استدعي رئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي للاجتماع معهم ومطالبتهم بالخفض الفوري للأسعار 20%،  وهو الامر الذي بدأ تأثيره يتضح على الأسعار في انخفاض  نسبي بالفعل لم نكن نشعر به لو انتظرنا أوهام اليات العرض والطلب والاقتصاد الحر.


ألم يحن الوقت لنتعامل مع الاباطرة المصريين من طبقة رجال الاعمال والتجار، كما فعلت فيتنام، ونغلظ عقوبات الاضرار بالاقتصاد ونعيد النظر للجرائم الاقتصادية كأمن قومي؛ لتكون عقوباتها رادعة تصل لحد الإعدام فعلا.

 

وبالرغم من دور الدولة وهيئة الرقابة الإدارية في ضبط العديد من قضايا الفساد الاقتصادي ورجال الاعمال والتي  كان آخرها، قضية الفساد الكبرى في وزارة التموين، فلا تزال القوانين المدنية تتعامل بالرأفة مع  القضايا الاقتصادية، بالرغم من رؤيتنا الواضحة أن مثل هذه الأفعال كانت من الممكن أن تهلك وطننا الحبيب.

 

أم سنواصل ترك الاقتصاد مستباح لرجال الاعمال والتجار؛ ليفعلو ما يريدونه  دون رادع تحت شعارات الاقتصاد الحر واليات العرض والطلب وجذب الاستثمار الأجنبي التى تصب دائما في صالحهم، ولم يستفيد المواطن منها بأي شيء.