د. رشا سمير تكتب: الكتاب…حلم المثقفين

مقالات الرأي

د. رشا سمير
د. رشا سمير

مع حلول موعد إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب من كل عام يتجدد الحلم، وهذا العام نحتفل بالدورة الخامسة والخمسين من المعرض، هنا يجب أن ننحني إحتراما لأصحاب الفكرة التي كان منبعها يوما إحتفالية ألفية القاهرة، يومها عرض الفنان عبدالسلام الشريف فكرة إقامة المعرض تزامنا مع هذا التوقيت على الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة أنذاك.

رحب الوزير الواع المثقف بالفكرة، ومن ثم عهد إلى الكاتبة سهير القلماوي، الإشراف على إقامة أول نسخة لمعرض الكتاب.. وفي مساء ٢٢ يناير ١٩٦٩، إنطلقت شرارة افتتاح أول معرض للكتاب بأرض المعارض بالجزيرة بمشاركة خمس دول أجنبية، ونحو مائة ناشر، على مساحة تصل إلى ألفي متر.
كانت تلك هي الشرارة الأولى التي نسجت في قلوبنا حلم ووثقت علاقة أجيال مع الأدب العربي، بل وأصبحت مصر منبرا ثقافية ووجهة للعالم العربي كله للإستفادة من تجربتها الرائدة.
على الرغم من المأزق الاقتصادي الذي تمر به البلاد حاليا وفي الأعوام السابقة، وهو ما أفقد معظم المصريين قدرتهم على الحلم والإحتفاء بالأشياء التي لم تعد في متناول أيدي الكثيرين، إلا أنه برغم كل التحديات لازال معرض الكتاب حدث ينتظره الناس بالفرح وكأنه عيد.. عيد للثقافة.

لازال الشباب يتدبرون المال استعدادا لشراء الاصدارات الجديدة حتى لو وصلت أسعار الكتب لأكثر من ثلثمائة جنيه للكتاب الواحد!، ولازالت الأمهات تشجع أبنائها على إقتناء الكتب وهي ظاهرة محمودة تستحق أن نزكيها لدى الأجيال القادمة.

المشكلة الكبرى التي يواجهها الناشرون والقراء معا هي زيادة أسعار الورق بشكل مخيف مما أحدث ربكة حقيقية في آليات النشر، فدور النشر أصبحت لا تراهن إلا على الحصان الفائز، فإما هو كتاب موضوعه يستحق أو هو كاتب إسمه يستحق، بخلاف ذلك النشر أصبح مخاطرة قد تنتهي بالربح أو بالخسارة، وهو ما سيكون مردوده الرئيسي في حجم القوة الشرائية هذا العام، هل سيصبح الأقبال علي زيارة المعرض مجرد رحلة للترويح عن النفس أم ستكون هناك حركة شراء حقيقية؟! العلم عند الله..فلننتظر ونرى.

 

يبقى السؤال المعتاد..ماذا نتوقع من المعرض؟

الواقع أنه بشهادة كل رواد المعارض وأنا منهم، فمعرض القاهرة الدولي للكتاب هو من أهم وإن لم يكن أهم معرض كتاب في الشرق الأوسط، لتمتعه بنسبة إقبال لا مثيل لها وقوة شرائية لا تقارن بأي معرض آخر، بعكس العديد من المعارض الكبرى التي تتمتع بشكل خارجي جميل وبروباجاندا هائلة لا تتماشى مع حجم البيع الحقيقي.. وهو ما يجعل القاهرة وجهة الأدباء والناشرين مهما كان الأمر.
المشكلة التي أتمنى أن يجدوا لها حلا هذا العام هي الندوات الثقافية التي تعاني من سوء التنظيم وتتسم بارتباك شديد يتضح في عدد الحضور الضئيل جدا، وعدم التنويه عن الندوات ومحتواها، أملنا هذا العام أن يتحسن الجوهر متماشيا مع المظهر الأنيق للمعرض.

نقل المعرض منذ سنوات من مكانه المعتاد في مدينة نصر إلى محور المشير رغم بُعد المسافة عن قلب القاهرة، كان خطوة هامة ونقلة حضارية استحقتها مصر، لكن والمحزن حقا هو سلوك الزوار الذي تسبب في عدم نظافة القاعات والأهم دورات المياه التي تجعل زيارة المعرض بالنسبة للقراء أو التواجد طوال اليوم بالنسبة للناشرين مهمة مستحيلة.
في السنوات الماضية كان عدم التنويه عن الندوات في ميكروفونات القاعات وعدم وضع إعلانات أو لوحات إرشادية لأماكن الندوات بشكل واضح، سبب في عدم الإقبال على القاعات وقلة الحضور..
أكتب اليوم وكلي أمل في تحسن قد يحدث عام بعد عام، خصوصا مع تغيير أغلب القائمين على تنظيم المعرض هذا العام أملين في ضخ دماء جديدة قادرة على إحداث تغيير للأفضل.

يستحق معرضنا العريق أيضا أن يتم فيه إستضافة أسماء لامعة من الأدباء العالميين أسوة بالمعارض العربية الأخرى حتى لو تم تخصيص ميزانية أكبر لوزارة الثقافة تمنحها مساحة كافية للحركة والإنجاز.

الثقافة إرادة ورؤية..فإن غابت إحداهما غاب الإنجاز..

كل معرض كتاب ومصرنا الغالية بخير..