عبد الحفيظ سعد يكتب: نجيب ساويرس.. صائد المصائب

مقالات الرأي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

لماذا لم يتعامل كبير السوارسة مع حادث أبوسيفين مثلما فعل مع حريق الجونة؟


ماذا يريد نجيب ساويرس؟ قبل يوم الأحد الماضى، كان من السهل أن نلخص الإجابة عن هذا السؤال بأنه رجل أعمال لا يسعى إلا وراء المال، المكسب عنده هو المتحكم، والثروة لديه هى المراد.

لكن نجيب الابن الأكبر لعائلة ساويرس أغنى العائلات المصرية والتى تتربع على رأس قائمة أثرياء العالم، والذى صار عميدها بعد وفاة والده أنسى العام الماضي، فاجأ الجميع فى اليوم المشئوم والذى راح فيه ٤١ روح بريئة أثناء تأديتهم صلاة الأحد فى كنيسة أبوسيفين بإمبابة. وخرج بتصريح غريب ومريب فى توقيته ودلالاته عندما كتب نجيب عبر حسابه الرسمى على «تويتر»: «لم أرد أن أكتب تعزية قبل أن أعرف تفاصيل الحادث، لأننا فى صعيد مصر لا نقبل العزاء قبل أن نعرف التفاصيل وأن نعرف الفاعل! الله هو المنتقم».

بهذه الكلمات خرج إلينا عميد عائلة السوارسة الجديد عقب الحادث المأساوي، والذى يظهر من الوهلة الأولى أنه تصريح لا يمكن أن يصدر من رجل مسئول، يدير المليارات حول العالم، وقدم نفسه فى السابق كزعيم سياسى عندما أنشأ حزبا موله وأداره، بل إنه خرج فى إحدى المرات ليعلن رغبته أن يترشح رئيسًا للجمهورية.

فى ثنايا كلمات عميد عائلة السوارسة الجديد، تظهر نيته بأن يحول الحادث إلى فتنة طائفية.. رغم أنه حادث قدرى بشهادة الجميع بمن فيهم المصابون وشهود العيان للواقعة، وهو ما توافق أيضا مع التحقيقات المبدئية بأنه ناتج عن ماس كهربائى، نتيجة الإهمال الذى يتحمله الجميع سواء فى الحكومة أو إدارة الكنيسة.

لكن ساويرس سبق الجميع، وخرج شاهرا سيفه الصعيدي، غمزا ولمزا، ليشيع أن الحادث مدبر، عندما استخدم فى كلماته ما يوحى بذلك، متخذا من عادة الصعيد فى الثأر منحنى لذلك بأنهم لا يتقبلون العزاء عندما يقتل قتيل، إلا عندما يأخذون بثأره!

لم ينتظر رجل الأعمال الناجح، لا تحقيقات ولا حتى أية بيانات أولية، ليوجه بكلماته أن الحادث بفعل فاعل، وهو عكس ما فعله عندما تعلق الأمر باستثمارات، عندما وقع حادث فى مسرح الجونة فى أكتوبر الماضى قبل افتتاح المهرجان بساعات، خرج يطمئن الجميع بأن الحادث بسيط وأنه نتيجة ماس كهربائي، بل إن الحادث الذى تعرض له مسرح المهرجان لن يغير الاحتفالية فى شيء، متحديا بقوله «يا جبل ما يهزك ريح».

هكذا كان تصرف رجل الأعمال وكبير عائلة السوارسة، عندما تعلق الأمر بممتلكاته وسمعة منتجعه السياحى الذى يدر عليه وعلى العائلة المليارات، خرج بكلمات رزينة يطمئن الجميع.

بينما عندما كان الحريق يمس الفقراء وأروحهم ويتعلق بأمن الوطن ونسيجه الوطني، وجهت كلماته على غير الحقيقة ليشعل النار، مستغلا تاريخ الحادث بأنه تزامن مع ذكرى فض اعتصامى رابعة فى ١٤ أغسطس، ليوجه بأن الحادث مدبر ويمكن أن يكون وراءه دوافع إرهابية، معرضا السلم الاجتماعى والوطنى للخطر.

ربما يكون هذا التوجه مقبولا، من هؤلاء الذين يعيشون ويقتاتون على جسد الوطن فيروجون الشائعات ضده ويحاولون الصيد العكر عبر أية حادثة ليشعلوا الفتنة فيه.. لكن كيف يصدر هذا من رجل أعمال قبل عقود بسيطة لم يكن يحلم أن يدخل هو وعائلته فى مصاف أثرياء العالم، لكن بفضل وثروات هذا الوطن كبر نجيب وتحول لغول الاقتصاد الأبرز فى الشرق الأوسط، وأضحت عائلته أغنى عائلة فى قارة إفريقيا كلها.

لا نحسد ساويرس، ولا نمارس الحقد عليه، لكن نسأله فقط لماذا لا يتعامل مع الوطن مثلما يتعامل مع ممتلكات عائلته فى منتجعها الخاص فى الجونة؟ عندما شب فيها حريق لم يتسرع فى الحكم، بل راح يهدى الجميع ويرسل برسائل تطمين بأن الحادث قضاء وقدر وناتج عن ماس كهرباء، ولكن عندما شب الحريق فى كنيسة الفقراء، ذهب ليصور الأمر بأنه حادث مدبر ويدعو فيه للثأر، بل يزكى لروح الطائفية بالغمز واللمز، لأن الأمر لن يضر فى شىء، ولن تتأثر أسعار المبيعات والشاليهات فى منتجعه، ولكن عندما يتعلق الأمر بسلام الوطن وأرواح الفقراء فهذا لا يهم.

فالفقراء والصعايدة وحتى الأقباط الذين يتغنى بهم كبير عائلة السوارسة الجديد، مجرد أرقام عند رجال الأعمال، فإذا كان بالفعل يفزع لهم، هل اهتم بأن يجهز الكنائس التى تفتقد السلامة والأمان للمصلين، مثلما هرع يوم حادث حريق مسرح الجونة ليجهزه فى أقل من ٢٤ ساعة، أم أن الفقراء والصعايدة، مجرد حروف على جهازه المحمول يحولهم لتغريدة، ليحقق بهم مراده، حتى لو كان ذلك على حساب الوطن وسلامته.

ممكن يا أستاذ نجيب أن تدافع عن حقوق الأقباط، ليس بوصفك مسيحيًا فقط بل لأنك مصري، يحب هذا البلد وناسه، ويتعامل معه مثلما تتعامل مع مشروعات فى الجونة، وليس مجرد ورقة تحقق بها أغراضك التى لا ندركها هل هى المليارات فقط التى اكتظت بها حساباتك؟ أم أشياء أخرى لا يعلمها إلا مولى الفقراء والصعايدة.. ربما تفصح عنها الأيام.

أدى الاشتعال ليقدم نفسه ليس مدافعا عن الأقباط فقط، بل أيضا شاهرا سلاحه الصعيدى فى وجه من يراه.