عبد الحفيظ سعد: زاهى حواس لـ "الفجر": من حقنا استرداد الآثار المنهوبة غير المسجلة

مقالات الرأي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تقول الأسطورة، إن هناك لعنة للفراعنة تصيب من يقترب من آثارهم المدفونة فى بطن الأرض. ويقف الحارس المعين من كبير الآلهة ليحمى ويقطع يد اللصوص ممن يحاولون العبث بثرواتهم فى الحياة الأخرى.

 

تلك الأسطورة التى يطلق عليها البعض «لعنة الفراعنة»، أو يعرفها البعض الآخر بأنه «الحارس» الموكل إليه حماية المقابر من عبث الطامعين، ربما كانت من أحد الأسباب التى قللت أو حمت الآثار على مدار آلاف السنين، لدرجة أنها عدة جرائم اقترنت بعمليات التنقيب عن الآثار مثل ذبح الأطفال أو النساء وإسالة الدماء، كقربان للكاهن الحارس ليسمح لهم بفتح المقبرة.

ترشد الدراسات الفرعونية، أن القدماء حددوا الحارس بعد أن اختار «رع» ابنه الرابع «أنوبيس» وأوكل إليه هذه المهمة باعتباره إله التحنيط، والذى تمثل فى صورة الذئب رب التحنيط ورمز للحساب، والذى تمثل فى صورة ابن أوى برأس أسود.

وأوكل لأنوبيس وجيشه الذى يعيش أسفل الرمال، مهمة حماية المقابر من فوق الجبال غرب ضفاف نهر النيل فى طيبة، حيث كان المصريون يدفنون موتاهم دائما فى الغرب.

بينما يعطى التفسير العلمى لظاهرة «لعنة الفراعنة»، تتحدث أن اللعنة لم تكن بحقيقة ما تروجه الأسطورة. وأرجع العلماء ذلك بأنه يعود أن الغازات المنبعثة من جثث المومياوات، ونتيجة تفاعلها على مدار قرون عديدة فنتج عنهم تلك الغازات التى يصل مداها لهلاك أو إصابة من يلمس الآثار بالعمى.

ورغم ما ساقه العلم الحديث لتفسير ظاهرة، إصابة من تلمس يداه مقابر الفراعنة وآثارهم باللعنة، لكن يبدوا أنها لعنة الفراعنة لا يكفيها فقط النواميس العلمية، لتفسيرها مع تعدد حوادث التى تمتد فيها اليد الخفية لأنوبيس (ابن رع) وجيشه القابع فى أسفل الرمال لتنال من هؤلاء اللصوص.

وتفتح القضية التى تفجرت مؤخرا فى فرنسا، وبطلها الرئيس السابق لمتحف اللوفر باريس جان لوك مارتينيز، والذى اتهم بتهريب الآثار وغسيل الأموال، وتتعلق بفضيحة تورطهم مع اثنين من علماء المصريات الفرنسيين فى بيع قطع أثرية نهبت من المتحف المصرى أثناء أحداث ثورة ٢٥ يناير، عن قوة جيش أنوبيس

وبعيدا عن تفاصيل القطع الأثرية التى تضم قطعة نادرة لتوت عنخ آمون (شاسة تعميده)، لكن تظهر القوة الخفية التى أدت لاكتشاف القضية والتى تتعلق بعملية تزوير شهادات منشأ للقطع حتى يسهل تداولها وتم بيعها فى عدة مدن أوروبية أمريكية، إنه هناك قوة خفية، ممتدة لأنوبيس، لتعيد آثاره المنهوبة.

وقصة القطعة النادرة لتمثال توت عنخ آمون ومتحف اللوفر، لم تكن القصة الوحيدة، فهناك قضية كشفت بالصدفة فى عام ٢٠١٨، عندما ضبطت السلطات الإيطالية فى أحد الموانئ محاولة تهريب ما يصل إلى ٢٢ ألف قطعة أثرية نادرة لعصور فرعونية وغيرها، تم شحنها عبر حاوية دبلوماسية أرسلها السفير الإيطالى السابق فى الأقصر أوتكر سكاكال، الذى تمت محاكمة معاونيه وصدر حكم غيابى بحقه ليطارد من الإنتربول الدولى بعد أن ثبت للمحكمة أنه كان يدير شبكة تهريب ونهب الآثار التى نهبت من مصر خلال أحداث ثورة يناير، وما بعدها والتى شهدت نهبًا للآثار.

 

وقصص الآثار المصرية المنهوبة فى أثناء أحداث ثورة ٢٥ يناير، تعيدنا لما سجله الدكتور زاهى حواس فى مذكراته (الحارس) والذى حكى فيه ما حدث لسرقة آثار من المتاحف المصرية فى فترة الاضطرابات خاصة المتحف المصرى بالتحرير التى دارت بقربه أحداث الثورة.

ويذكر «حواس» فى كتاب، والذى خصص فيه جزءًا خاصًا عن العملية التى حاول فيها اللصوص الصغار نهب محتويات المتحف المصرى، ومناطق أثرية أخرى، والتى ترشد تلك الوقائع والملابسات التى حدثت فيها أن هناك حارسًا ما ربما يكون أنوبيس وأسطورته أو يد تسعى للحفاظ على تلك الآثار لتكون شاهدة على التاريخ.

ويقول «حواس» فى كتابه «عقب انسحاب الشرطة عصر يوم ٢٨ يناير، نزول قوات الجيش، بدأ اللصوص يتسللون لحديقة المتحف المصرى بالتحرير واقتحام بيت الهدايا والمنطقة التى يباع فيها الذهب والفضة بعد أن سرقوا كل ما هو موجود فى بيت الهدايا عدا الكتب.

واستمر المشهد الذى يرصد «حواس» من دخول بعض العمال، والذين توجهوا للمتحف المصرى وتسلقوا سطحه عن طريق سلم الحريق، ليصلوا إلى منتصف سقف المتحف، وهو عبارة عن نوافد زجاجية. وقام العمال المجهولون بكسره للنزول إلى داخل المتحف، ليسقط أحدهم فوق فاترينة داخلها تابوت يعود تاريخه إلى ٣٩٠٠ سنة.

فجرح العامل نتيجة سقوطه وبدأت الدماء تسيل منه أثناء جريه داخل أروقة المتحف وهو يحاول البحث عن الذهب والزئبق الأحمر الذى يعتقد كثير من المصريين أنه موجود داخل المومياوات، وأن حصولهم عليه يمنحهم الثراء الفاحش ويسخر لهم الجن. وبدأ اللصوص فى الدخول وأشعلوا الورق لأن المتحف كان مظلمًا، وحطموا فتارين العرض فى محاولة لسرقة الذهب.

ويسرد «حواس» الذى كان يشغل وقتها منصب الأمين العام للآثار، المشهد حاول اللصوص الخروج من المتحف عبر نوافذ الحمامات وكانت قوات من الجيش والشرطة العسكرية بدأت تتوافد فألقت القبض عليهم بمعاونة بعض الشباب من المتجمهرين.

وينقل «حواس» ذكرياته فى اليوم التالى عندما قدم للمتحف، بعد أن بدأت قوات الجيش تقوم بعملية تأمين، وأخبروه أنهم قبضوا على عدد من اللصوص أثناء محاولتهم الهروب بعدد من المسروقات من آثار مهمة ومقتنيات المتحف، مثل تمثال لإيزيس المغطى بالذهب، وإصابته بالإنزعاج عندما وجد جمجمتين ملقاتين على الأرض، وخشى أن يكون اللصوص وصلوا لقاعة المومياوات ووقتها ستكون كارثة كبرى.

ويذكر حواس أنه قابل «طارق العوض» مدير المتحف وقتها، والذى طمأنه بأن المتحف بخير، خاصة قناع توت عنخ آمون وحجرة الذهب مغلقة وكذلك قاعة المومياوات، وأن الجماجم الملقاة كانت لبعض المومياوات التى تفحص بالأشعة المقطعية.

 

ويفند «حواس» فى كتابه القطع التى تمكن اللصوص من سرقتها من المتحف فى هذا اليوم الكئيب، وهى رأس إحدى بنات أخناتون، وتمثال لكاتب جالس مع الإله «تحوت»، ومجموعة تماثيل صغيرة «أوشابتى» عددها ١٠ ليويا وتويا، وتمثالا مذهبا للملك توت عنخ آمون يمسك حربة على مركبة، وتمثالا آخر لأخناتون وهو يمسك لوحة أثناء تقديم القرابين، وهذه هى أهم الآثار التى سرقت، خاصة تمثال أخناتون الصغير يعتبر فى رأيى من أهم كنوز المتحف المصرى، بالإضافة إلى أثار توت عنخ أمون، حسب رواية «حواس» والذى اعتبر أن عودتها همه الأكبر.

ويقول «حواس» فرحت عندما تم عقاب لصوص المتحف بسرعة بعد أن أجريت لهم محاكمة عسكرية سريعة. وكان منهم ثلاثة أشخاص من «دار السلام» بالقاهرة ومنهم شخص يدعى «أحمد عطية» سرق ١٢ قطعة أثرية منها تماثيل برونزية وأخرى من الحجر الجيري، وحكم عليهم بالسجن لمدة ١٥ عامًا وغرامة قدرها نصف مليون جنيه.

ويشير حواس فى كتابه إلى أن إجمالي ما سرق من المتحف فى تلك الليلة ٥٤ قطعة فقط رغم دخول المئات من اللصوص فيه.

 

ويكشف الدكتور زاهى حواس فى كتابة كواليس عودة بعض القطع الأثرية المضبوطة والتى بعدها تحمل قصصا طرفية وحدث بالصدفة، وأنها تدل أن هناك قوى خفية تحمى آثار مصر، مثل قصة الصبى ١٦ عاما، والذى كان موجودًا مع المتظاهرين وعثر بالصدفة البحتة على تمثال أخناتون الذى يعد من أهم آثار المتحف، فوجد الصبى التمثال فى صندوق قمامة وذهب به لمنزله فى المعادى. وعندما شاهدته والدته التمثال اتصلت بأخيها الدكتور «صبرى عبدالرحمن» الأستاذ بالجامعة الأمريكية، والذى اتصل بالاتصال بالمتحف والشرطة وحكى لهم قصة التمثال، ليعيد أهم قطعة أثرية بعد أن حافظوا عليها فى بيتهم لمدة ٢٠ يوما.

كما يسرد قصة أخرى تم فيها الإيقاع بلصوص ممن سرقوا قطعًا أثرية، والتى حدثت بالصدفة البحتة وبمشيئة قدرية، مثل ما حدث من مفتش الآثار محمد عبد الرحمن، الذى قابل صدفة أحد الشباب أثناء مشاركته فى مظاهرات فئوية، ليخبره أنه لديه قطع أثرية عثر عليها ويريد أن يعرف قيمتها. وتم تجهيز كمين له من قبل شرطة الآثار لتجد معه حقيبة تضم مجموعة من الآثار المنهوبة، وكذلك قصة عودة آثار توت عنخ أمون المسروقة والذى أبلغ عنهم مشرف صيانة يعمل فى وزارة الآثار، والذى سمع بالصدفة مشاجرة بين خمسة أشخاص بسبب تنازعهم على قطع أثرية مسروقة، وهم جالسين على مقهى بجوار وزارة الثقافة، وأن أحدهم أخبرهم أن معهم مجموعة من الآثار المسروقة يريدون إعادتها للدولة ولكن يخشون أن توجه لهم تهمة السرقة، وبالفعل تم إقناعهم، وأعادوا الآثار التى كانت تضم تمثالا لتوت عنخ آمون ومجموعة أخرى من الآثار الذهبية والبرونزية وتمثالًاخشبيًا لعنخ آمون.

وتدل الرواية التى سردها «حواس» أن هناك عملية سرقة غير منظمة قام بها اللصوص أثناء الثورة، استهدفت الآثار سواء فى المتحف المصرى أو مناطق أثرية أخرى سواء فى تل بسط أو غيرها فى الشرقية والإسكندرية وأسوان وسقارة وغيرها من الأماكن، لكن الدكتور زاهى حواس أكد فى تصريح خاص لـ«الفجر» «أن مصر من حقها طلب كافة الآثار المنهوبة منها، حتى لو لم تكن مسجلة، لأن هذه آثار لا يوجد نظير لها فى العالم».. وهو يدل أن سرقة التاريخ لن تمر، كأسطورة فرعونية عينوا لها الحارس أنوبيس.