"ما بين الغوري والزردكاش" ذكرى شنق طومان باي وسقوط دولة المماليك

أخبار مصر

طومان باي
طومان باي

أمس 13 أبريل حلت ذكرى وفاة آخر سلاطين المماليك فى مصر الأشرف طومان باي، والذى جسّد شخصيته الفنان رياض الخولي فى مسلسل "الزينى بركات" والفنان خالد النبوي في مسلسل "ممالك النار".
وفي ضوء هذه الذكرى، أشار خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار إلى أن الأشرف أبو النصر طومان باي هو آخر سلاطين المماليك الجراكسة في مصر وهو السلطان الوحيد الذي شُنق على باب زويلة.

وتسلّم طومان الحكم بعد مقتل عمه السلطان الغوري بموقعة مرج دابق عام 922هـ /1516م  بعد أن كان قد عينه نائبًا له قبل خروجه لقتال العثمانيين، وبعد مقتل الغوري أجمع الأمراء على اختياره سلطانًا لمصر.

وامتنع طومان باي عن قبوله منصب السلطنة في بداية الأمر بحجة ضعف الموقف العام وتشتت قلوب الأمراء وحصول فتنة من قبل بعض المماليك حيث كان خان الخليلي قد نُهِب وقُتِل جميع التجار بحجة أصولهم العثمانية، لكنه عاد بعد إلحاح وبعد أن أقسم له الأمراء على المصحف بالسمع والطاعة وعدم الخيانة وقد حضر البيعة يعقوب المستمسك بالله الخليفة المعزول وذلك لوجود ابنه الخليفة العباسي المتوكل على الله الثالث أسيرًا بأيدي العثمانيين بحلب.
وفى ليلة الأربعاء 5 محرم 923 هـ - 28 يناير 1517 م اجتمع طومان باي بنحو سبعة آلاف فارس وصارت بينهم وبين العثمانيين معارك في شوارع القاهرة  واستمر القتال من الفجر إلى بعد المغرب وصار المماليك الجراكسة يقطعون رأس من يظفرون به من العثمانيين ويحضرونها بين يدي طومان باي.

اشتد القتال يوم الخميس من بولاق إلى الناصرية، واستجمع العثمانيون قواهم وأجلوا قوات المقاومة فتحصن طومان باي بحي الصليبة، واتخذ من جامع شيخون مركزًا للمقاومة وحفر الخنادق وأقام تحصينات في المنطقة عند رأس الصليبة وقناطر السباع ورأس الرميلة وجامع ابن طولون، وما أن استجمع العثمانيون قواهم حتى تسلل المماليك وقالوا "من يقابل هذه النار المهلكة"، وبقي طومان باي والمخلصون له ثم اضطر إلى الانسحاب إلى بركة الحبش ثم عبر النيل إلى الضفة الغربية بالجيزة.

ووصف ابن زنبل الرمال الصليبة بقوله “وأما طومان باي فإنه لم يهرب وحطم عليهم حطمة الأسد الغضبان وقتل فيهم قتلًا حتى كلّ ساعده، ولكن ماذا يفعل الواحد في مائتي ألف أو أكثر”.


وما أن سيط العثمانيون على القاهرة حتى استباحوها فكانت مجازر بشرية يصفها ابن إياس "بالمصيبة العظمى التي لم يُسمع بمثلها فيما تقدم من الزمان، فقتلوا جماعة كثيرة من العوام وفيها صغار وشيوخ لا ذنب لهم، وحطوا غيظهم في العبيد والغلمان والعوام، ولعبوا فيهم بالسيف وراح الصالح بالطالح، فصارت جثثهم مرمية في الطرقات، فكان مقدار من قتل في هذه الواقعة فوق العشرة آلاف إنسان في عدة هذه الأربعة أيام، ولولا لطف الله لفني أهل مصر قاطبة بالسيف".

وهجم العثمانيون على زاوية الشيخ عماد الدين بالناصرية ونهبوا ما فيها من قناديل وحصر وأحرقوا البيوت من حولها كما نهبوا محتويات مسجد السيدة نفيسة أمًا جامع شيخون مركز المقاومة فقد أحرقه العثمانيون فاحترق سقف إيوانه الكبير وقبضوا على نحو 800 من المماليك وضربوا أعناقهم، ثم انهزم طومان باي بمعركة الريدانية في 29 ذي الحجة 923 هـ/1517م.

وأضاف ريحان من خلال دراسة تاريخية للباحث فى التاريخ والآثار الإسلامية أبو العلا خليل أن الأمير تمر الزردكاش (الزردكاش هو الشخص المسؤل عن المكان المخصص لحفظ السلاح والعتاد) كان من جملة الأمراء الذين اصطحبهم السلطان الغوري معه على رأس جيش كبير لقتال الجيش العثماني بقيادة السلطان سليم الأول فى موقعة مرج دابق بالشام فى شعبان عام 922هـ.

وعن بدايات المعركة يذكر إبن إياس الحنفي في كتابه بدائع الزهور فى وقائع الدهور (وكان حول السلطان الغورى أربعون مصحفًا فى أكياس حرير أصفر على رؤوس جماعة أشراف وفيهم مصحف بخط الإمام عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان حول السلطان خليفة سيدي أحمد البدوي ومعه أعلام حمر وخليفة سيدي أحمد بن الرفاعي والشيخ عفيف الدين خادم مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها بأعلام سود وكان الصنجق -أي العلم- السلطاني خلف ظهر السلطان وفيهم الأمير تمر الزردكاش أحد المقدمين فقاتلوا قتالًا شديدًا وكانت النصرة لعسكر مصر أولًا.

ولما أراد الله إزالة دولة الغوري أوقع الخلف فيهم لأمر يقضيه وحكم يمضيه فكان العسكر كله مختلفًا فى بعضه مفسود النية فصار السلطان واقفًا تحت الصنجق فى نفر قليل من المماليك وشرع يستغيث هذا وقت المروة قاتلوا وعلي رضاكم فلم يسمع له أحد قولًا وصاروا ينسحبون من حوله والتفت الغورى للمشايخ وقال لهم ادعوا الله تعالى بالنصر فهذا وقت دعاكم".
ويتابع الدكتور ريحان بأنه لما اضطربت الأحوال خاف الأمير تمر الزردكاش الحامل لصنجق السلطان على السلطان الغوري فأنزله وطواه وأخفاه ثم تقدم إلى السلطان وقال له يا مولانا السلطان إن عسكر ابن عثمان قد أدركنا فانج بنفسك واهرب إلى حلب فلما تحقق السلطان من هزيمته أصيب بالشلل وخرجت روحه من شدة قهره وسقط تحت سنابك الخيل.
وتمكن عددًا من الأمراء من الهرب إلى مصر ومنهم الأمير تمر الحسني الزردكاش وهم فى أسوأ حال من الجوع والضعف واجتمع رأى الأمراء على سلطنة الأمير طومان باي ابن أخا السلطان الغوري وكان الغورى قد عينه نائبًا عنه فى غيبته ثم زحف السلطان العثماني سليم الأول إلى القاهرة وتقابل مع طومان باي وجيوشه عند الريدانية -ميدان العباسية حاليًا- ولما أيقن طومان باي بهزيمته فر وتخفى في جامع شيخو بشارع الصليبة بحى الخليفة  وأراد الأمير تمر الحسني الزردكاش وجماعة من الأمراء أن يجعلوا لهم وجهًا عند السلطان العثماني فيهجموا على السلطان طومان باي وهو بجامع شيخو ويقبضوا عليه ويضعوه فى الحديد ويسلموه باليد إلى السلطان سليم خان إبن عثمان إلا أن الله تعالى رد بغيهم على أنفسهم فنادى لهم ابن عثمان أن يظهروا ولهم أمان الله وكتب لهم أوراقًا بالأمان إذا ظهروا 
فظنوا أن هذا الأمان يفيدهم فوضعوا تلك الأوراق على رؤسهم ووضعوا فى رقابهم مناديل الأمان وقابلوا ابن عثمان فلما قابلوه سألهم لم تركتم ملككم وجئتم إلى عدوكم؟ قالوا آثرنا خدمتك على طاعته واخترنا أن نكون من أجنادك فقال لو كان فيكم خيرًا لكان لطومان باي ووبخهم بالكلام وبصق فى وجوههم وذكر لهم ظلمهم وماكانوا يصنعون وأمر بضرب أعناقهم بين يديه وهو ينظر اليهم وذلك فى يوم السبت أول ربيع الأول عام 923هـ 
وظلت نساء الأمراء ترشي المشاعلي -أي القائم بتنفيذ القتل- حتى يمكنهن من نقل جثث أزواجهن ليحضرن التوابيت للدفن فى الترب المخصصة لهم  وصارت الجثث مرمية تنهشها الكلاب وحملت زوجة الأمير تمر الحسنى الزردكاش جثمانه ودفنته بقرافة سيدى جلال الدين بالسيدة عائشة، والتربة قد تعرضت كغيرها من الآثار الإسلامية ذات الموقع المتميز إلى استخدام الحملة الفرنسية لها كموقع عسكرى مما أدى إلى هدم قبتها والاستعاضة عنها فيما بعد بسقف من البراطيم الخشبية.
وفي يوم الاثنين 21 ربيع الأول سنة 923 هـ الموافق 23 أبريل 1517 م أمر السلطان سليم بأن يعبروا بطومان باي إلى القاهرة، فعبروا به إلى بولاق وشقوا به القاهرة حتى وصلوا إلى باب زويلة، ورأى الحبال فعلم أنه مشنوق فتشهد وقرأ الفاتحة ثلاثًا.

وشُنق أمام الناس، وضج الناس عليه بالبكاء والعويل، وبقي مصلوبًا ثلاثة أيام ثم أنزل ودفن خلف مدرسة الغوري، وبموت طومان باي انتهت دولة المماليك وسقطت الخلافة العباسية، واستتب الأمر للسلطان سليم وللدولة العثمانية بمصر وبلاد الشام، وأصبحت مصر ولاية عثمانية.