طارق الشناوي يكتب: شريف عرفة.. الرهان على جيل "زد" في "الجريمة"!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

عاد شريف عرفة لحقبة السبعينيات من القرن الماضى واخترق حاجز الزمن، ليصل إلى جيل (زد) مواليد نهاية التسعينيات من القرن الماضى وهؤلاء هم القوة الضاربة فى شباك التذاكر منذ الألفية الثالثة، هم الذين يحددون ملامح السينما والفن عمومًا لأنهم الشريحة الشرائية الأكبر.

أتاحت له الخمسون عامًا التى تجرى فيها أحداث الفيلم، أولًا أن يتناول ثلاثة أجيال الجد والأب والحفيد، ثانيًا أن ينتقد جهاز الشرطة دون تخوف من اعتراض رقابى، ثالثًا منحته فرصة للبحث عن مفردات الزمن فى كل التفاصيل على مستوى الكلمة والصورة.

الخط العام هو الجريمة المتأصلة الجذور، وأيضًا الحديث عن القوة المفرطة كحل وحيد، الفيلم يجمع بين الواقع والهلاوس، يترك لك أنت أحيانًا كمتلقٍّ حرية تحديد الخط الفاصل بينهما، وفى تلك المساحة شاهدنا عشرات الأفلام مثل (عقل جميل)، رون هوارد، حائز الأوسكار 2001 بطولة راسل كرو، ومؤخرًا (الأب) فوليران زيلر الحائز أيضًا جائزة أوسكار أحسن ممثل أنتونى هوبكنز، وهى مساحة تمنح المخرج الحرية فى التعبير بمفردات التصوير والإضاءة وحركة الممثل والتكوين والمونتاج، مع استعادة الزمن، بكل ما يحمله من زخم.

الفيلم قائم على السرد، نتابع الحدوتة مع الراوى البطل، وبداخلنا نفس الهامش الذى يمزج بين الواقع والهلاوس، المخرج وهو أيضًا كاتب القصة ومشارك فى السيناريو مع أمين جمال ومحمد محرز، بين الحين والآخر يشعرنى شريف عرفة أنه يشك فى قدرة الجمهور على استيعاب هذا الموقف أو تلك العقدة، ولهذا يقدم المعلومة أكثر من مرة، وفى بناء الفيلم أسوأ إحساس ينتاب المتفرج، هو تكرار المعلومة، كما أنه يروى بين الحين والآخر ما هو مرئى.

شريف مخرج حرفى مدرك تمامًا أدواته، تلك هى الميزة الأولى والثانية أنه مزيج من العقل والقلب، والثالثة أنه مرن فى تقبل الجديد؛ فلم يدخل أبدًا فى صراع مع الزمن، رابعًا أنه متعدد الأنغام الدرامية، خامسًا يمتلك التعبير بلغة سينمائية عصرية شبابية مثلما يشعرك أنه ابن مخلص لسينما الكبار.

يفكر فى صناعة السينما، فهو جزء منها، وهو ما دفعه بعد فيلم (اضحك الصورة تطلع حلوة)، 98، عندما اعتذر عادل إمام ولعب الدور أحمد زكى، دفعه هذا الموقف للتفكير فى القادم وهو الاستعانة بالجدد، وعلى خريطته منذ بداية الألفية الثالثة ستجد أسماء: علاء ولى الدين وأحمد حلمى وكريم عبدالعزيز ومنى زكى وهند صبرى ليصبحوا أوراقًا قادمة للسينما تتيح له ولغيره الاستمرار، ويبقى فى كل ذلك منهج شريف، فهو يتحرك فى دائرة تتسع لكل الأنماط.

قدم آخر عامين (الكنز) التاريخى، (الممر) الوطنى العسكرى، (الإنس والنمس) الكوميدى الاستعراضى، كل هذه الأفلام مع تباين نصيبها من النجاح يجمعها شىء مهم جدًّا وهو بكارة التعبير، كما أنها فى نهاية الأمر مشروعات اقتصادية حققت نجاحًا لمنتجيها وهو ما يعنى استمرار صناعة السينما واحتفاظ شريف بقدرته على أن يظل (مخرج شباك).

أحمد عز طفل صغير يعيش مأساة أمه الخائنة التى قتلت هى وعشيقها والده وقتلها جده الذى يؤمن بأنه هو المنوط به تطبيق العدالة على الأرض، يحكمه قانون القوة، الجد يتاجر فى المخدرات وكذلك الحفيد، الفيلم يحمل جرأة فكرية أجاد التعبير عنها وهى قضية البكارة، وكيف يتقبلها الرجل، ومناقشة فعل الخيانة، هل هى شرط الحب؟ وإذا انتفى الحب هل يموت فعل الخيانة؟ الحوار تابعناه بين منة شلبى وأحمد عز الذى اكتشف خيانتها ولم تكن مفاجئة.

الفيلم يقف على مشارف سينما الرعب، النمط الغائب فى السينما المصرية رغم محاولات الاقتراب، الممثل عند شريف عرفة أحد أهم أسلحته فى التعبير، يترك مساحة مرنة فى السيناريو تسمح بزيادة الرقعة الدرامية داخل العمل مما لا يؤثر قطعًا على الجو العام للعمل الفنى، مثلما حدث مثلًا فى (الناظر) دور محمد سعد (اللمبى) و(الممر) دور إياد نصار، ولهذا أجد مثلًا هذه المرة رهان المخرج على كل من محمد جمعة ونبيل عيسى، ومحمد أبو داود ورياض الخولى، فهو يكتشف مساحات مختلفة من الأداء، الممثل يصل للذروة مثل ماجد الكدوانى الذى يتقدم بخطوات بعيدة جدًّا، من أهم وأعمق أدوار ماجد.

منة شلبى قادرة على التلون الشكلى والحركى والصوتى والنفسى فى دور متعدد الدرجات بين أنثى وزوجة وأم وخائنة ومنتقمة، وتنام فى النهاية وهى مرتاحة الضمير، ويبقى أحمد عز وهو أكثر الشخصيات التى حملت الفيلم دراميًّا ونفسيًّا، بكل تفاصيله، وعز قطعًا نجم ومحبوب وجاذب للجمهور، وتمكن المخرج من إبعاد شبح الأداء الممزوج بخفة الظل الذى صار طابعًا مميزًا فى كل أعماله، خلال السنوات العشر الأخيرة. هذه المرة أوقف المخرج هذا المزج لأنه يخون الشخصية، إلا أن عز خانه الأداء الصوتى للرجل العجوز، كان به قدر ملحوظ من التصنع، وتلك قطعًا مسؤولية المخرج، لو أعيد المونتاج وتخلصنا من 15 دقيقة لاستطاع الفيلم أن يجذب مساحة جماهيرية أكبر.

(الجريمة) فيلم يرنو لمنطقة أبعد على مستوى الخيال البصرى والصوتى، وبه مجموعة من الموهوبين أمين بوحافة واضع الموسيقى، وعبدالسلام موسى مدير التصوير، وإيناس عبدالله الملابس وإنتاج جرىء هشام عبدالخالق، إنه سينما فى زمن عزت فيه السينما.

[email protected]

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).