منال لاشين تكتب: زوجة مولانا 5.. الشفاء من مولانا

مقالات الرأي




1- مهمة فاشلة

بعد لقاء عم أمى مع زوجى السابق اختفى تماما من حياتى، ولم يعد لشيخ البورنو وجود فى أحاديثنا، أغلقت أمى القاعة الشرقية نهائيا، ولم توافق على رأى إخوتى باستغلالها فى أى مورد للخير، وقالت بحسم: دى قاعة أبوكم مش الراجل النصاب، ولما أموت اعملوا فيها اللى أنتم عايزينه، بدأت أحاول أن أجد عملا.. فكرت فى استغلال شقتى الأخرى التى كان أبى قد وهبها لزوجى السابق، أنا أحب الألوان وأقرأ كثيرا فى فنون الديكور وأتابع كل حديث به، كانت زينب صديقتى قد أنهت دراسة الفنون الجميلة فى فرنسا ولذلك قررنا أن نبدأ مشروعنا الخاص، أصر عمى المستشار أن يتحمل كل تكاليف إعداد المكتب والموظفين، وأن يتم حساب نصيب كل منا بالعدل، وقد كان، كنت نشطة ومتحمسة أثناء الإعداد للمكتب والدعاية له، قررنا أن نجرى اتصالات بكل معارفنا وأقاربنا للتعريف والتسويق بمكتبنا الفاخر والفاضى تماما من العملاء، كانت البداية صعبة جدا، من استجاب من الأقارب والمعارف كان يتعامل معنا على أننا (مبيضين) ولسنا خبراء ديكور، قبلنا التحدى وقررت زينب أن نفاجئ الطبيبين بأعمال ديكور على حسابنا فى البداية كدعاية لنا، كنا فى هذه الفترة ننفق على المكتب والموظفين وأضيفت الديكورات المجانية إلى الفاتورة الضخمة، ولكننا أو بالأصح زينب لم تيأس، وقد نجحت فكرتها فى جذب عملاء إلينا، وجاءت ضربة العمر عندما أسند إلينا أحد الأقارب ديكور فيللا له فى المقطم، كان الرجل قد دفع ثلاثة أضعاف الثمن المتفق عليه عند التعاقد، ويريد أن ينهى تشطيب الفيللا بأقل التكاليف، اعتبرنا أننا فى معركة، وبذلنا كل جهدنا ونزلنا الوكالة وشارع الأزهر وحارة.. لنشترى كل شىء بأقل سعر، واستغللنا كل مساحة فى الفيللا فى دواليب بأشكال ديكورية أو أدراج للتخرين تختفى وراء صور أو مرايات. أما الحديقة فقد جهزناها على النمط الريفى لأنه أرخص فى الخامات، ولكن النتيجة جاءت جيدة جدا، وأصر الرجل على أن يدفع 10% زيادة عن اتفاقنا لأنه لم يتصور هذه النتيجة، بدأ الزبائن يعرفون طريقنا، والتليفون لم يعد صامتا، ولكننى فجأة فقدت الاهتمام والحماس، ولولا كسوفى من زينب لما ذهبت إلى المكتب، لم أعد أذهب معها فى المعاينات ولا جولات الشراء، مرة بدعوى مرض مفاجئ ومرة أخرى بدعوى أن الزحمة تصيبنى بدوخة، دخلت زينب على مكتبى فجأة فوجدتني أبكى بحرقة، فاعترفت لها أننى لا أستطيع العمل، فقالت ببساطتها: ولا يهمك اعتبرى نفسك فى إجازة والشغل ماشى.

بعد ذلك حاولت شغل وقتى بالذهاب إلى مصانع وشركات إخوتى ولكن دون انتظام أو التزام، كل شهر أروح مصنع وأبدأ فيه بحماس، ثم سرعان ما يتبخر الحماس، وألعب رياضة فى البيت، ساعة على العجلة والمشاية، كنت أخاف من الليل ونفسى أن أنام فور أن أدخل غرفة نومى فى بيت أبى، كانت الكوابيس من حين إلى آخر تداهمنى فجأة، فأقوم من النوم فزعة، وأنا أشعر أن ثعبانا يحيط برأسى ويلتفت حول جسدى، وأحيانا أخرى أقوم ودموع ساخنة تنسال على وجهى، لم يكن للكوابيس مواعيد ثابتة، ولا أسباب لتلك الكوابيس، كنت أتصور أننى شفيت من المرض الذى سببه لى شيخ البورنو، وأتفاءل بالمستقبل، ثم فجأة تعاود زيارتها الكبيسة، مرة ثعبان، ومرة أرى نفسى أقف على سطح عالٍ بلا أبواب أو سلالم، وأبحث عن طريقة آمنة للعودة فلا أجد غير الفراغ الهائل بينى وبين الأرض.

2- فى عيادة الطبيب

أصرت أمى على الذهاب إلى طبيب نفسى شهير، ويظهر كثيرا فى التليفزيون، وأعجبنى أنه كان شجاعا ويهاجم الإخوان واللى زيهم فى عز حكمهم، وهذا ما شجعنى للذهاب إليه، حكيت له قصتى فقال: مش عايزة يجيلك كوابيس، أعطانى الدكتور وقتا أكبر من المرضى الذين سبقونى، وأعطانى أدوية، دواءين فقط، أحدهما آخذه كل يوم، والآخر عند اللزوم، ولكنه حذرنى: الدواء التانى مش شيكولاتة، عند الحاجة يعنى لما تتعبى أوى، الدواء الأول يأخذ بجرعات صغيرة ثم بعد أسبوع تزيد الجرعة حتى أصل إلى 3 حبوب فى اليوم.

عدت إلى منزلنا وقابلت زينب وحكيت لها بانبهار عن الدكتور وشعره الأبيض المهيب ورقته ووجهه البشوش، فضحكت زينب: هو أنت موصوفلك العواجيز، ثم دا راجل محترم ومش بتاع ستات، قلدت صوت أمى وقلت لزينب: مفيش راجل مش بتاع ستات والنبى أنت هبلة زى صحبتك زينة، ضحكنا بصوت عالٍ، وجاءت أمى فحكينا لها عما دار بيننا، قالت أمى: الدكتور دا أكبر دكتور مش فى مصر، لا فى كل البلدان العربية، وراجل عالمى، خدتى بالك يا زينة لما رفض يعالج واحدة منقبة، وقال لها: ما أقدرش أعالجك من وراء ستارة، راجل حقانى وجرىء.

لم أكن أذهب للطبيب الشهير كثيرا، كان يرانى كل شهرين أو ثلاثة، ولكنه أعطانى اسم طبيبة أخصائية وقال لى: أنا كلمتهالك ثم شرح لى: دى وظيفتها أنها تسمعك وتحاول أن تساعدك من خلال الحوار، ثم أضاف ضاحكا: فهمتنى يا زينتى، مش الراجل النصاب كان بيقولك يا زينتى، ضحكت وقلت له: أرجوك يا دكتور دا كرهنى فى نفسى واسمى وعايزة أنسى، فرد بجدية: الناس مش لازم تنسى تجاربها السيئة عشان تبطل حزن أو خوف أو قلق، بس لازم تتعود أنها تواجه ماضيها حتى لا يسيطر على حاضرها ومستقبلها، وهذه الأخصائية ستساعدك كثيرا فى الحكاية دى، وأوضح لى أن المرض النفسى سبب عدم استمرارى فى أى عمل.

فى مساء أحد الأيام ذهبت لوحدى للأخصائية مثلما نصحنى الدكتور، دخلت غرفتها، فوجدتها شابة صغيرة ربما أكبر منى سنتين أو ثلاثة، أخذت بياناتى الأساسية، حكيت لها حكاياتى باختصار، ورغم ذلك انقضى معظم الجلسة الأولى وأنا أحكى لها، شعرت بإحباط فقالت لى: هنكمل بكرة على طول، بس هتيجى لى متأخر 11 كويس، قلت لها طبعا أنا ساكنة قريب، وعندى عربية ومعى سواق.

فى اليوم التالى سألتنى الدكتورة: إيه أكثر حاجة مضايقك فى زواجك من هذا الرجل، أنا ملاحظة أن كل حكايتك أو شكواك من ممارسته الجنسية معك، قلت لها: طبيعى عشان ما كنش بينا غير الحاجات دى، عادت تسألنى: عمرك ما حسيت بمتعة معاه افتكرى كويس، قلت لها: لا أبدا هو كان بيحاول معايا، يجيب لى هدية أو يقولى كلام حلو، بس أنا مش كنت بأصدقه لأنه خدعنى، قالت لى: مش يمكن أنك كنت مش مستعدة للعلاقات الجنسية، بنات كثير يحصل لهن مشاكل بسبب عدم معرفة الجنس، قلت لها: لا بس هو اتغير تماما مفيش بينا غير الجنس، ومش لايق عليه الحاجات اللى بيطلبها منى، سألتنى، لو كان شاب أو واحد أصغر منه سنا بيطلب منك الطلبات دى كنت هتزعلى، رددت بغضب: أنت مش فاهمة هو خدعنى وحتى لو شاب فى حاجات فظيعة ما يعملها شاب. انهرت وبدأت فى البكاء بصوت عال، فانتظرت الدكتورة حتى هدأت ثم قالت: طب سيبك من الموضوع ده، أنت بتلومى نفسك يا زينة ولا بتلومى باباك، صرخت فزعة: بابا طبعا لا، بابا راجل طيب ومالوش دخل خالص، ردت بحسم: إزاى أنت عرفتِ الراجل ده من البيت ووثقت فيه عشان باباك بيثق فيه ويخليكو تبوسوا إيديه و.. قاطعتها بحدة: أنت مصرة تدخلى بابا ليه فى الموضوع، دى غلطتى أنا، عادت تصر: بس بابا شجعك على الزواج منه بدل ما يحذرك على الأقل من فرق السن، نظرت إلى ساعتى فى عصبية وقلت لها: آسفة أنا مش هأقدر أكمل النهاردة، وانصرفت بسرعة قبل أن أسمع ردها، بكيت طوال الطريق لمنزلنا، وحين قابلت أمى وإخوتى أعلنت أننى لن أذهب لهذه الطبيبة وأضفت: دى بتخرف، حينما علم أخى الأكبر بما قالته الدكتورة علق بهدوء: عادى أنا نفسى ساعات بفكر كده، نظرت له بلوم وغضب وقلت: (سامعة يا ماما كبيرنا بيقول إيه) رد أخى: يا زينة كلنا بنحب بابا وهو رجل عظيم بس مش معصوم من الغلط، أصررت على رأيى واتصلت بالدكتور الشهير وطلبت منه أن يرشح لى طبيبة أخرى.

3- مواجهة

ذهبت للدكتورة الثانية، كانت لاتزال فى سن الشباب، واستقبلتنى قائلة: معقولة واحدة فى جمالك تعبانة، رددت: ميرسى بس جمالى سبب نكبتى، ردت بهز رأسها: فعلا أحيانا البنت الجميلة تواجه عثرات وصعوبات، أضافت الدكتورة: أستاذنا موصينى عليك وأنا تحت أمرك، بس عايزة أقولك حاجة مهمة، أنت مررت بمحنة كبيرة جدا، أكبر من سنك، وقدرتك على التحمل، عشان كده العلاج ممكن يكون مؤلماً أحيانا، وترفضيه، قلت لها مندهشة: أرفض العلاج أنا نفسى أخف وأعيش حياتى بدون خوف، قالتلى: ممكن من غير ما تقصدى، بصى يا زينة الإنسان منا ليه مستويين من الإدراك فيها الوعى واللاشعور، وأنت اتضايقتى من الدكتورة، .. عشان رفضتِ تواجهى جانباً من أزمتك، قلت لها إزاى: قالت لى: أسهل حاجة بيعملها الواحد من دون وعى أنه يرمى بمسئولية أفعاله على غيره، دى مسألة بتريح، بس فى حالتك، مش ممكن تلقى اللوم على بابا رحمه الله لأنك بتحبيه جدا، بس حتى الآباء والأمهات بيغلطوا أحيانا وهو متصورين أنهم بيعملوا لمصلحة أولادهم، فجأة قامت الدكتورة من مكانها وراء المكتب، وجلست فى مواجهتى وقالت: هأقولك مثل، لو فى أب أو أم بيحبوا ابنهم قوى وكل ما يطلب حاجة تيجى فورا، وعمرهم ما رفضوا له طلب يبقى أب أو أم كويسين، قلت لها: طبعا، ردت ضاحكة: لا كويسين ولا صح كده ابنهم بيطلع متصور أن الدنيا هتحقق له كل رغباته، وبيفشل فى حياته، سكت فسألتنى: صح ولا غلط، قلت: عندك حق، توقعت أن تستمر الدكتورة فى مسألة بابا، ولكنى فوجئت بها تقول: شوفى أنا عايزة منك حاجة بسيطة، اكتبى بأى لغة فى البوك نوت ده كل الحاجات اللى ضايقتك فى زواجك الأخير، كل حاجة وبعدين رتبى الحاجات حسب أكثر حاجة كانت وجعاكِ، وراجعى اللى أنت كتبتيه، بس لاتشطبى شيئاً، اكتبى تانى، وهنتقابل الأسبوع الجاى، ارتحت لهذه الدكتورة، طريقتها لطيفة وحاسة بوجعى، وأنا كنت محتاجة كل الناس تطبطب على.

ذهبت فى الموعد الثانى وقد كتبت أكثر من نصف صفحات البوك نوت، ولكن فى النهاية كتبت صفحة ملخص لكل اللى كتبته، الغدر والكذب فقد كذب علّى ولم يقل لى صراحة أنه معجب بجمالى وشبابى فقط، والثانية، الإهانه كل أفعاله معى كانت مهينة وشاذة وكان يستهين بألمى ودموعى، ثالث حاجة: النصب، كان نصاباً بيضحك على الناس ويأخذ فلوسهم وفتاويه متناقضة حسب المصلحة، كنت باحتقره ومش قادرة أرفض معاشرته.

استمعت لى الدكتورة ثم قالت: برافو أنت لخصتى الأزمة بذكاء، بس لو لاحظتِ السببين الأول والثالث متقاربين فهو نصب عليك وعلى الناس واستغل الدين فى الحالتين، أما السبب الثانى فده مختلف، تقدرى تحددى دلوقتى إيه أكثر الممارسات اللى حسيتى فيها بالألم أو المهانة، ولا تحبى تكتبى لوحدك، قلت لها: لا أنا ممكن أتكلم، سرحت برهة وقلت لها: كان بيعمل حاجات غريبة مش على سنه فقط، بس على عاداتنا وحياتنا، وتحسى إنه مجنون، بيكون رقيق وفجأة يتحول ويبقى عنيفاً ومش همه حاجة غير نفسه ورغباته، والمصيبة أنه مصر أنه بيمشى حسب الشرع والسنة، ضحكت الدكتورة: ما إحنا اتفقنا أنه نصاب، بس إزاى بيتحول، رديت: مرة كنا نجلس فى السرير وأنا كنت عارفة أنه هيعاشرنى، وفجأة لقيته بيحاول يفتح رجلى على آخرها وهو واقف نص وقفة، مكنتش فاهمة هو عايز إيه وخفت، ورجلى اتصلبوا فهو بقى يشد رجلى جامد لحد ما اتفتحوا ولقيتوا، سكت فجأة وبدأت أبكى: فقالت لى الدكتورة بحنية: فهمت كان بيمارس معاك الجنس الفموى، قلت لها: كنت بعيط بصوت عالٍ من ألم رجلى ومن اللى بيعملوا فى، وهو بيضحك ويقول لى: صبرا يا زينتى، كررها أكثر من مرة، وقبل أن أهدأ وأفيق قام وهو يضحك ويقول: ادينا قدمنا لنفسنا، عشان نمتع نفسنا وبدأ فى معاشرتى بالطريقة العادية، يومها بعد ما نام فكرت فى الانتحار لأتخلص من حياتى، صدقينى أنا كنت بأحاول أن زواجنا يكون عادياً، يعنى يكون فى بينا حاجات تانية، بس هو كان دايما بيصدنى ويقولى خلى المسائل الكبرى للرجال، وأنت بتعملى دورك كزوجة مطيعة محبة، سألت الدكتورة: إزاى ما حسش أنى بأكرهه ومش طايقة يقرب منى، فردت: لأنه لا يعرف الحب اللى أنت بتفكرى فيه، هو يعرف الخضوع، وأنت كنت بتخضعى له، وحتى بكاؤك فقد صور له غروره أنها دموع ألم المتعة، سألتنى الدكتورة: مش شايفة أن أكثر من أربع سنين كثير، ليه استحملت العذاب كل السنين دى، سكت لحظة وقلت لها: عشان بابا الله يرحمه، هو كان هيموت مرة بسببى بعد طلاقى الأول وأكيد ماكنشِ هيفوت من الموت فى المرة الثانية، طلبت منى الدكتورة أن أكتب عن فترة طلاقى الأول وكل ما حدث ونتقابل الأسبوع القادم، سألتها بدهشة: زواجى أو طلاقى الأول بس ده ما لوش أدنى علاقة بالموضوع، ضحكت قائلة: مش هتخسرى حاجة، قلت مترددة: أوك، طوال الأسبوع فشلت فى كتابة قصة زواجى وطلاقى رغم سرعتهما وقصرهما، وفى صباح يوم ذهابى للدكتورة كتبت بعض أوراق عن القصة وتدخل الشيخ ومرض أبى، ومع ذلك أصرت الدكتورة أن أحكى لها بنفسى، بدأت أحكى واستوقفتنى الدكتورة لتسألنى: لما اتصلت بمامتك ليه قلتيلها أن حماتك هتخلص عليك، أنت ما عملتيش حاجة غلط، رددت: لم أفهم إنها عايزة تخلينى ست مش بنت، وقلت أكيد فى غلط أنا عملته لأن زوجى لم يفعل حاجة من اللى ماما قالت لى عليها، عادت تسألنى: أنت ليه شايفة أنك السبب فى مرض والدك أنت ضحية، قلت لها: أنا السبب فى المشاكل اللى حصلت لبابا، الله يرحمه كان طويلاً وله هيبة وبيضحك دايما، أنا لما شفته بعد رجوعه من المستشفى ما كنتش مصدقة أن ده بابا، أكثر حاجة وجعتنى أن ظهره كان محنيًا من الذل، وانهرت ودخلت فى نوبة بكاء شديدة، فانتظرت الدكتورة حتى هدأت وقالت لى: أنتِ تعبتِ النهاردة نكمل الأسبوع الجاى، ولا إيه رأيك تأخذى إجازة وتسافرى، قلت لها أسافر فين، ردت ببساطة: أى حتة شرم الجونة الغردقة فرنسا أنت مش مامتك فرنسية، قلت أنا عايزة أتكلم فى الموضوع لحد ما أفوق، قالت: خلاص تعالى بعد بكرة.

استمرت زيارتى للطبيبة حتى قالت مرة: أنت عندك مشكلتين، قلت: اتنين بس، أنا كلى كلاكيع وعقد، قالت: لا مش للدرجة دى، أول مشكلة أن عقلك الواعى واللاوعى خلاك تشوفى إنك مسئولة عن مرض والدك، وتحملى نفسك الذنب، وأنا رأيى أن النصاب ده قدر يخدعك لأنك كنت عايزة تكفرى عن ذنبك تجاه والداك، ومفيش أكبر من إنك تتزوجى الشيخ اللى هو بيحترمه ويحبه زى أبوه، وكمان جزء من احتمالك لهذا الرجل ومعاشرته القذرة لك كان للسبب ده، أنت كنت شايفة نفسك مجرمة عشان اللى حصل لوالدك وشايفة أن كل بلاوى النصاب ده معاكِ هى الطريقة الوحيدة للتكفير عن الذنب أو ربما عقاب لكِ على مرض باباكِ، قلت لها بدهشة: تفكرى أنا كنت بأعاقب نفسى، ردت: طبعا والدليل أن أول ما مات والدك واجهك زوجك السابق برفضك له ثم أصررت على طلب الطلاق، وأكملت الدكتورة: واحنا الحمد لله وصلنا لهذه المشكلة ونقدر نقول إنها انتهت من داخلك لأنك شفتى الحقيقة اللى كانت مختبئة فى عقلك الباطن، كل ما حدث من أخطاء سواء فى زواجك الأول أو الثانى كان سببه الحب الشديد، سواء حب والدك لك اللى دفعه أن يزوجك ابن صديق للاطمئنان عليك، أو حبك الشديد لوالدك اللى دفعك للزواج من هذا العجوز الكاذب واحتماله أكثر من أربع سنوات.

خرجت من عند الدكتورة وأنا أشعر بهدوء نفسى وكأن كان فى حجر على قلبى وانزاح، ومع ذلك تساءلت ياترى يا زينة إيه العقدة التانية.

استمرت زياراتى للدكتورة والدكتور الشهير أكثر من ثلاث سنوات، لم تعد الكوابيس تأتى لى فجأة، واختفت تماما، ولكن بقى الخوف الشديد وعدم قدرتى على استكمال أى شىء مستمرين معى.

فى زيارة للدكتورة سألتنى: عمرك يا زينة ما فكرتِ وأنت متزوجة هذا الشيخ أنك بتعملى اللى بيعمله معاك بس مع حد تانى، رددت بسؤال: حد تانى زى مين، قالت: أى حد ممثل واحد قريب لكم حد تعرفيه، قلت: بصراحة فكرت كثيراً، مرة فى زوجى الأول لأنه شاب وماما كانت قالت لى كلام جميل عن العلاقة الزوجية، ففكرت أنه لو كان طبيعياً كان ممكن يبقى بنا حاجات طبيعية، قالت: أنت بترفضى الجنس الفموى من أى حد، قلت لها: طبعا، بس الحيوان اللى كنت متجوزاه ما كنش الجنس الفموى كافٍ له، تساءلت الدكتورة وهى تقوم لتجلس فى مواجهتى: كان بيعمل إيه تانى ويضايقك، قلت لها: حاجات كثيرة، مثلا كان بيخلعنى كل هدومى ويتفرج على جسمى ويقول كلام جنسى بذىء جدا، ومش هقدر أقول لك، وكان مهتم قوى بمؤخرتى تصورى، ضحكت وقالت: إزاى، قلت لها: بيحبها وكتير يلمسها بس بقوة ويتحسسها بنصفه اللى تحت، ويقول فيها كلام كثير عن طراوتها وحاجات زى كده، سألتنى: هو كان بيعاشرك من الخلف، قلت لها: لا لأنه عارف إنى عارفة أن ده حرام، بس ساعات كان يخلينى أنام على بطنى ويطلع فوق جسمى، وأحيانا تانية كان ينيمنى على بطنى ويفضل يمسك مؤخرتى.

قالت لى: راجل مقرف، عايزة أسألك إيه اللى مخوفك من بكرة والمستقبل، فوجئت بسؤالها: وقلت لها أنا مش بفكر فى بكرة، قالت: لا عقلك اللاوعى بيفكر فى بكرة أكثر ما أنت متصورة، وقامت إلى مكتبها، وأعطتنى بوك نوت وقالت باسمة: نرجع تانى نكتب عن المستقبل ونتقابل بعد 3 أسابيع ، قلت محتجة: ليه 3 أسابيع، قالت: مسافرة مع أسرتى للخارج فى إجازتى السنوية، عايزانى اتطلق يا زينة ولا إيه، فضحكت: بعد الشر عليك، أمرى لله استحمل، قالت: الطلاق مش دايما شر، بس لو بتحبى زوجك يبقى أكبر شر.

نصحتنى الدكتورة بأن أسافر، فسافرت أنا وأمى وزينب إلى فرنسا، نزلنا عند خالى، بيته جميل وأعطانا غرفتين واحدة لماما، وواحدة لى وزنيب، وقال لنا: لما ترجع بنتى من الجامعة فى لندن هتبقى تنام مع خالتها، زوجته سيدة جميلة ولطيفة، وقد أعد لنا خالى مفاجأة وهى حجز فندق فى الويك إند فى نيس أجمل شواطئ الريفيرا الفرنسية، الفندق اسمه لو ميرديان نيس، وعلى الطراز العصرى وله شاطئ خاص وبسين على البحر وكل المطاعم تطل على البحر المتوسط أو الشرفة الرائعة، وكنا نمشى عشر دقائق لنصل إلى ميدان ماسينا ونقترب من النافورة مثل الأطفال حتى تصل إلينا رزاز مياه النافورة، ونجرى حول الأحصنة التى تحيط برجل عارى تماما ويرتدى تاجاً، أو نذهب إلى حديقة انغلايس، وهى منتزه طويل جدا، نركب فيه الدراجات فى ممشى تحيط بنا أشجار النخيل، وزرت أنا وزينب متحف ماتيس، وجلسنا فى مطعم اسمه لوشنتوكتير يشبه القصور إلى حد كبير بلوحاته وبنائه الأثرى، ولكنه يقدم أطباقاً شهية جدا من السى فود.

وعدنا إلى باريس، كانت زينب تبحث عن مقابلات مع خبراء الديكور علها تجد شريكاً فى المكتب الذى توسع، وتتعرف على أحدث صيحات وخامات الديكور، أما أنا فكنت أصحبها أحيانا، وفى أحيان أخرى أحمل كتابى وأذهب إلى الشانزليزيه أجلس على مقهى بوسيه، لا أكلم أحداً ولا أحد يكلمنى، الفرنسيون غير ودودين مع الأغراب وبهم شىء من التعالى حتى على بقية الأوروبيين، كنت فى مقهى كالمعتاد حينما جلس بجوارى شاب، وقال لى: بنجور، فأدركت أنه ليس فرنسيا، نظر جارى للكتاب الذى أقرأ فيه، وقال بالعربية: عربية، رددت: ومصرية، قال وهو يجلس على طاوته: شريف من السويس، قلت: مصرى أهلا وسهلا أنا زينة من الصعيد الجوانى، أشرت لشريف أن ينتقل إلى مائدتى ففعل بابتسامة: وحكى لى أنه يدرس ويعمل فى نفس الوقت، وأضاف بصراحة: مش متعود أقعد فى الكافيه ده لأنه غالى قوى، فى كافيات بتقدم فطار أو قهوة بأسعار أرخص، قلت له: ولماذا غامرت، قال: أستاذى المصرى اقترح هذا المقهى وأكد لى أنه سيتولى دفع الفاتورة، قلت له ضاحكة: وأنت عليك البقشيش، قال: بلاش تعودوا الفرنسيين على البقشيش، قلت له: ليه، أنا باسيب بقشيش كل يوم، رد: وفى حد شكرك، قلت: لا. رد بحماس: شفتى فى إيطاليا لما تسيبى بقشيش تحسى إنك ملكة، أنا بحب إيطاليا تحسسنى إنك فى مصر بس بالألوان الطبيعية، جاء أستاذ شريف، فعرفه بى ثم استأذنا للانتقال إلى مائدة أخرى، عدت إلى كتابى، وطلبت طبق الجبنة الذى أعجنبى وعصير، قبل أن أمشى سلمت على شريف وأستاذه، لم أشعر بأننى غلطت ولا شعرت بالخوف من شريف، بالعكس كنت أحب أن أقابل حد عربى أتعرف عليه، عملت بنصيحة الشاب المصرى الذى قابلته صدفة، وبدأت بالتعرف على مقاهى جديدة، وذهبت أنا وزينب إلى كافيه أمريكانى اسمه طويل جدا، ولكن كل ما فيه من شرب أو أكل أمريكانى، نزلت أنا وأمى إلى المحلات واشترينا ملابس جديدة لى ولها، ولكنها كالعادة كانت لا تترك شيئا يصلح لى إلا وتشتريه، دهشت لأن فى باريس موديلات كثيرة محتشمة، بدل وفساتين وبلوزات حتى البناطيل هناك الواسع منها والضيق، استعادت أمى فرنسيتها وقالت: بلد الموضة لازم تلاقى فيها كل حاجة، اشتريت ملابس عادية فلم أعد ارتدى الحجاب، ولكننى كنت أحرص على أن تكون ملابسى حشمة إكراما لذكرى أبى، لم يمنعنى ذلك من النزول للبحر والبسين فى فندق ماريدن، حسب فتوى الشيخة زينب، لبست هى مايوه بكينى، ولبست أنا مايوه قطعة واحدة وينتهى بشورت قصير، لم أحب (الفرنيش كت)، فتوى زينب استندت على أن الفرنسيين لا ينظرون لأحد حتى لو مشى عاريا، بالفعل لم أشعر بأى نظرة من المحيطين أو حتى اهتمام، انتهت إجازتنا فى فرنسا بخمس شنط زيادة فى الوزن، وعدت إلى بيتنا فرحة أقبل وأحضن كل إخوتى وزوجاتهم وأولادهم والخدم.

قلت لأسرتى على الغداء: الدكتورة كانت على حق، فعلا الرحلة دى أفادتنى فعلا، وأول حاجة قررت أعملها هى أنى أفضى شقة الزواج التعيس من حاجاتى وبنفسى، لازم أستفيد من الشقة سواء فى الخير أو فى الشر، ضحكنا جميعا.

بالفعل أشرفت مع أمى وزوجتى أخواى جينا وفاطمة على إخلاء الشقة من العفش والملابس وكل شىء، تبرعت بكل شىء إلى جمعية خيرية، وأصبحت الشقة على البلاط، فغيرت مفاتيح الشقة، وأغلقتها بعد تنظيفها، فتحت شنطة المجوهرات وأخرجت كل ما أعطاه لى شيخ البورنو بما فى ذلك الشبكة، بدأت بالشبكة وذهبت مع أمى لصديق جواهرجى والذى أخذنا منه الشبكة، دهشت عندما عرفنى وقال: أهلا يا زينة هانم أهلا سميرة هانم، قلت له: أنت لسه فاكرنى بعد السنين ده، قال ضاحكا: لا مؤاخذة اللى زى حضرتك ما تتنسيش وحضرتك الله أكبر ما تغيرتيش، بصراحة عجبنى كلامه، أخبرته أننى طلقت من صديقه الشيخ وعايزة أرد له الشبكة، تساءل مندهشا: تردي الشبكة لى أنا، ليه يا هانم، قلت: لأنك لم تأخذ ثمنها منه، فأنت أولى الناس بها، سكت قليلا: مش عارف أقول لحضرتك إيه يا هانم، دى جباية لأن لى محلات فى العزبة وهو حاميها، بس الحاجة دى بتاعة حضرتك تحبى أبدلها لك، قلت له وأنا أعطيه الشبكة: الحاجة دى ملكك.

بعد ذلك الصديق ذهبنا لجواهرجى العائلة وعرضت عليه كل الذهب والألماظ وقلت له عايزة أغيره، أما الجنيهات الذهبية، عايزة أبيعها، استغرب الجواهرجى لأنه يعرف أننا لا نبيع ذهباً أو مجوهرات أبدا، فقلت له: دى بتاعة الفقراء وعايزاها فلوس عشان كده، فحسب حسبته، وأعطانى أكثر من 100 ألف جنيه، وجاء لى بأطقم ألماظ وأحجار كريمة واخترت عدداً منها، ولكنه قال: بعد يومين أجيب لحضرتك تشكيلة تانية أخذنا كل ما اخترته، وذهبت من فورى لفرع مصر الخير فى المهندسين، وتبرعت بـ 40 ألفاً لفروع الخير المختلفة باسم فاعل خير، وقسمت باقى المبلغ على المؤسسات العلاجية.

ذهبت للطبيبة فى موعدى، وأخبرتها بكل ما فعلته، ففرحت وقالت لى: شفتِ بقى أهمية السفر برافو عليكِ، نتكلم بقى عن المستقبل، قلت لها: وآه من المستقبل، سألتنى: شايفة المستقبل إزاى، قلت لها بتمهل: أولا مش خايفة زى زمان من بكرة، وكمان عايزة أحب وأتزوج بس أختار صح، وأهم حاجة إنى مش خايفة أن تجربة زواجى المهببة تأثر على أو أكون أدمنت التصرفات الشاذة، سكت، فقالت الدكتورة وإيه كمان، قلت لها: أنا عارفة إنى هأواجه بعض الصعوبات من بعض الناس عشان مطلقة مرتين وأنا لسه شابة صغيرة، بس أنا كمان مش عايزة أعرف الأشكال دى، ومش هاسمح لحد أنه يضايقنى لأنى غلطت فى حق نفسى، ومش فى حق أى حد تانى، قالت الدكتورة: أنا سعيدة جدا لأنك وصلت لمرحلة الاستقرار أخيرا، وهنوقف المقابلات الأسبوعية ممكن نتقابل مرة فى الشهر ثم كل شهرين أو لما تكونى محتاجة لى.

توترت قليلا عندما بدأ الطبيب الشهير يخفض لى جرعات الدواء شهراً بعد الآخر حتى وصلت إلى حبة فى اليوم.

وفى صباح يوم مشرق عدت إلى مكتب الديكور وقلت لزينب: لازم ندخل فى مرحلة جديدة، نعمل ديكوراً يناسب الأسر المتوسطة والشقق الصغيرة، كده هنوسع دائرة العملاء ونحسن الذوق اللى ضاع منا، قامت زينب من كرسيها وقبلتنى وحضنتنى وهى تقول: حمداً لله على السلامة يا زينة.

الكل يقول لى: حمداً لله على السلامة وأنا الآن أعمل ما بين مكتب الديكور ومصنع أخى الأكبر، أنتظر بشوق الفارس اللى هييجى على حصان أبيض أو فى عربية أو حتى توك توك المهم إنى واثقة إنه هييجى بإذن الله،

عدت أصلى الفروض الخمسة فالدين ليس ملكا للشيخ النصاب وأمثاله، وأخصص جزءاً من وقتى ومالى للأعمال الخيرية.

الله سترها معى وفضح شيخ البورنو

ولكن تلك قصة أخرى.

الأسبوع القادم الحلقة الأخيرة

فضيحة شيخ البورنو