عبدالحفيظ سعد يكتب: «الغول».. الذى يحكم العالم

مقالات الرأي




بعيدا عن المشهد العبثى باقتحام أنصار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لمبنى الكونجرس أثناء جلسة التصديق على انتخاب خلفه جو بايدن، أفرزت هذه الأزمة دور «الغول» القادم والمتحكم فى مصير الأمم وزعماء السياسة.

«الغول» هو مواقع التواصل الاجتماعى التى يشتهر منها فيس بوك وتويتر وإنستجرام بالإضافة لسناب شات، فى الأزمة بات واضحا أن تأثيرها يفوق كل القوى الصلبة من جيوش وأجهزة مخابرات، بعد أن حسمت توجهات هذه الشركات الصراع لصالح معسكر الحزب الديمقراطى ورئيسه المنتخب بايدن، فى مقابل تعميق الهزيمة للرئيس ترامب وأنصاره.

الشركات الأربع الكبرى التى تتحكم فى مواقع التواصل الاجتماعى، غلّت يد الرئيس الأمريكى، بعد أن علّقت حساباته على مواقعها. وصار ترامب الذى يجيد الشو الإعلامى، كالقائد بدون جنود، محروم من التغريد أو التدوين، يقف بمفرده وسط عشرات فقط من بقايا رجاله فى البيت الأبيض ينتظر السهام الحارقة تتوجه إليه.

لاشك أن المشهد العبثى باقتحام الكونجرس، وضع الرئيس ترامب فى موقف لا يحسد عليه، فى خانة المحرض على العنف، والإرهاب مثلما اتهمه أعداؤه الديمقراطيون.

لكن جاء تصرف شركات مواقع التواصل الاجتماعى العملاقة، وهى تتخذ إجراءات عقابية تجاه أهم شخصية صاحب نفوذ فى العالم، وتحجب عنه «الماء والهواء» كما يمكن أن نقول، بعد أن صار ممنوعا أن يتحدث للملايين من أنصاره أو التعبير عن رأيه، لتعلن أننا أمام تحول سياسى كبير، وليس تحولا اقتصاديا كما كنا نظن.

منذ عقود طويلة كان الحديث لا ينقطع عن دور شركات السلاح والبترول الكبرى، ثم بعدها شركات الأدوية فى تحديد مصير السياسة العالمية، هذه الشركات ترفع دولا وتسقط أخرى، تتعقب رؤساء وتصنع نجوم سياسة يتحكمون فى مصائر الأمم والشعوب.

الآن.. نحن أمام واقع جديد، شركات مواقع التواصل الاجتماعى وعلى رأسها فيس بوك وتوتير تقود العالم، فى الاقتصاد تتحدث التقارير أن ثروة جيفرى بيزوس موسس أمازون للتسوق تجاوزت 200 مليار دولار، بينما وصلت ثروت مارك زوكربيرج مؤسس فيس بوك 101 مليار دولار. واقتربت ثروة لارى بايج مالك جوجل 65 مليار دولار، واحتفظ بيل جيتس بثروة تفوق مائة مليار دولار. كل ذلك فى الوقت الذى لا تزيد ثروة الرئيس الأمريكى ترامب عن 3 مليارات فقط، وهو رقم لا يقارن بما يملكه جال دورسى الذى تقترب ثروته من 5 مليارات دولار.

الأرقام الفلكية لثروات ومكاسب شركات التواصل، ليس هى فقط سر قوتها، رغم أنها تجاوزت أرباح شركات البترول والأدوية، بل توجهات هذه الشركات، التى حسمت الصراع على أهم منصب فى العالم. قطعت الماء والنور عن ترامب.

الغريب أن هذه الشركات رغم أن مبررها أنها اتخذت القرارات العقابية تجاه رئيس أمريكا لأنه حرّض فى تغريداته على منصاتها للعنف، كما تدعى، لكن تبدو هذه المبررات واهية، خاصة لو عرفنا أن إدارة هذه المواقع تسمح لمئات المنصات والحسابات لتنظيمات إرهابية بالتحريض علي العنف بل والإرهاب، الذى يدعو إلى القتل دون أن تتحرك وتغلقها، بحجة أنها تحافظ على حرية الرأى والتعبير ولا يمكن أن تغلق حسابا بسهولة وتحتاج لآلاف التقارير.

لكن فى حالة ترامب ورغم منصبه الرفيع فى العالم، تحركت إدارة الشركات ضده بشكل تلقائى طالما كان ذلك يخص أمن الدولة التى ترعاها وتعمل فيها، وتتحرك هذه الشركات وهى تعرف وتدرك أنها صارت الرقم الأهم فى العالم القادم، متفوقه على عمالقة شركات السلاح والبترول، والتى تصل لكل يد وتحرك كل عقل فى العالم، لتصبح «الغول» القادم، تسقط من تشاء وترفع من تريد، لتصنع عالما جديدا..