رسالة بطريرك الروم الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد المجيد

أقباط وكنائس

بوابة الفجر


وجه مساء اليوم بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، رسالته بمناسبة عيد الميلاد المجيد، وقال إلى السادة الأساقفة الأجلّاء أعضاء سينودس كنيستنا الروميّة الملكيّة الكاثوليكيّة، الى قدس الرؤساء العامّين المحترمين والرئيسات العامّات المحترمات، إلى أولادنا الكهنة والرهبان والراهبات المحترمين، إلى أبنائنا وبناتنا المؤمنين المحبوبين.

1- ليس ميلاد السيّد المسيح مولدًا يشبه مواليد البشر. إنّه ميلاد شخص له صفة جوهريّة إلهيّة تلازمه، له اسم يعرف به، له رسالة خاصّة إلهيّة تَسِمُهُ. إنّه ميلاد "مخلّص"، من دون أل التعريف. ميلاد مخلّص هو المسيح الربّ: "إنّي أبشّركم بفرح عظيم يكون للشعبّ كلّه... وُلِد لكم مخلّص وهو المسيح الربّ" (لوقا2: 10-11).

2- اليوم، في مدينة داود، وُلِد لنا مخلّص. ولكن مـمَّ يخلّصنا؟ من خطايانا: "ستلد ابنًا فسمِّه يسوع لأنّه هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم" (متّى1: 21). الهدف من ولادة المخلّص المسيح الربّ واضح كلّ الوضوح لا لبس فيه. لم يولد المسيح الربّ ليكون قريبًا منّا، معنا، وحسب. قد وُلِد المخلّص ليخّلصنا من خطايانا بالتحديد وليس من عبوديّة مستعبد أو من فقر محتاج أو من ظلم مستبدّ أو... فالخلاص من الخطيئة يجلب الخلاص من كلّ شيء آخر لأنّ الإنسان هو محور الخلاص وغايته. والإنسان المخلَّص ينقل الخلاص للعالم. أجل، نحن خطأة وفي حاجة إلى خلاص.

3- خبرة الحاجة إلى مخلّص وانتظار مخلّص يعيشها الناس اليوم خبرةً على مستوى آخر ومن نوع آخر. عالم اليوم تجتاحه جائحة الكورونا وهو في حاجة إلى الخلاص منها، يترقّب الخلاص منها. وهذا الخلاص المنتظر هو اللقاح الذي تبارت مختبرات ودول للحصول عليه أوّلًا. بالمقارنة، ولو بعيدة كلّ البعد وعلى مستوى أعلى ومن نوع أسمى، نرى الميلاد هو ذلك اللقاح الذي كانت البشريّة في حاجة إليه وتترقّبه للخلاص من الخطيئة.

4- ميلاد الربّ يسوع جعل اللهَ "اللهَ معنا". لم يكن ميلاده حدثًا عابرًا. كان ميلاده بقاء معنا. نصب خيمته فيما بيننا. سكن عندنا. خصّص يسوع كلّ وقته لنا، "تفرّغ لنا" بل "أفرغ ذاته آخذًا صورة عبد صائرًا شبيهًا بالبشر فوُجد كإنسان في الهيئة" (في2: 7). كان يسوع "يأخذ وقته" مع الناس. ما كان يصنع معجزة وينصرف أو يعلّم تعليمًا وينصرف.

5- يتقارب الناس بعضهم من بعض في هذه الأوقات أكثر من أيّ وقت مضى بفضل وسائل التواصل الاجتماعيّ الكثيرة المتنوّعة، إنّما في أعظم الأحيان تقاربًا افتراضيًّا مغايرًا للتقرّب الذي يحمل نفحة إنسانيّة أعني دفئًا وحياة. وكثيرًا ما يؤول هذا التقارب إلى غزو بعضنا حياة البعض الآخر بحيث لا ندع بعضنا لبعض حرمة ولا خصوصيّة ولا حرّيّة، وكثيرًا ما يؤول أيضًا إلى إساءات وشتائم وفضائح وما إلى ذلك. ليس كلّ اقتراب تقرّبًا.

6- من الواجب والعدل أن نذكر هنا بالشكر والمديح أنّ كنيستنا تعيش هذه الأخوّة وقد أظهرتها بنوع خاصّ على أثر انفجار مرفأ بيروت الكارثيّ إذ توافدت المساعدات لأبرشيّة بيروت من أبرشيّاتنا ومن أبنائنا من أكثر من بلد ووصلت إلى مستحقّيها وصُرفت في مواضعها. يسرّنا أن نرى في ذلك تجسيدًا لهوّيّة كنيستنا الملكيّة، كنيسة جامعة ليس لها حدود من أيّ نوع كانت، تبني الجسور وتهدم الأسوار، تمتدح الانفتاح وتنبذ العصبيّة والتقوقع، تجمع وتوحّد، على غرار السيّد المسيح الذي "جعل من الشعبين واحدًا إذ نقض الحائط الحاجز بينهما..

7- هذا الرجاء المرادف عندنا للخلاص هو الذي يحثّنا على أن نقيم العيد في هذه السنة أيضًا بالرغم من كلّ ما نراه ونسمعه من حولنا ممّا يدعو إلى خلاف ذلك. لا بل في مثل هذه الأحوال يبدو العيد ضروريًّا أكثر من غير وقت مضى وقد أُنشئ في الأصل من أجل أن يذكّرنا بالخلاص ويشجّعنا على المثابرة في الرجاء نحن الذين "كنّا في الظلمة وظلال الموت" (من ترانيم الميلاد).

8- بهذه البشرى الحاملة الخلاص الآتية من السماء أتوجّه إلى جميع أبنائنا في العالم كلّه مصافحًا ومعايدًا وحاملًا أجمل الأماني وداعيًا إلى الصلاة وإلى العمل حيثما كنّا من أجل عالم أفضل يرى ويلمس كلّ إنسان أنّ له فيه مكانًا واحترامًا وكرامة وحرّيّة، أنّ له بيتًا يولد فيه وغطاء يدفّيه وعملًا يقتات منه.