المخرج الأمريكي خافيير ليون: كورونا هددت صناعة السينما عالميا

عربي ودولي

المخرج الأمريكي خافيير
المخرج الأمريكي خافيير فيونتس ليون


على هامش مشاركة السفارة الأمريكية بالقاهرة في فاعليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، خلال دورته الـ42؛ تحدث المخرج الأمريكي خافيير فيونتس ليون، مخرج الأفلام الأمريكي، وأحد شركاء منصة Netflix، الذي تم اختياره مدربًا لورش العمل الأمريكية لصناع السنيما بالمهرجان.

ليون هو مخرج أفلام ولد في بيرو وتخرج من كلية الطب، ثم انتقل إلى لوس أنجلوس في 1994 لدراسة الإخراج السينمائي، وحصل على درجة الماجستير في الفنون الجميلة (MFA) في معهد كاليفورنيا.

حاز فيلمه Espacios على الجائزة الوطنية للأفلام القصيرة من الحكومة البيروفية في عام 1997، كما كتب "مقطوعة مسرحية السيد كلاودز" في عام 2000، والتي اعتبرها مسرح بيرو الوطني من بين أفضل الأفلام خلال العام.

إلى نص الحوار: 

تدير ورشة تستمر لسبعة أيام للمنتجين العرب في "أيام القاهرة لصناعة السينما"؟ما الذي يُمكنك إخبارنا عن هذا؟ والنقاط التي سوف تركز عليها خلال تلك الورشة؟

المشاركات في الورشة هى استمرار للمشروعات التي تم إرسالها من قبل، الكثير منا لم يستطع المجيء إلى القاهرة، لذلك نقدم الورشة بتقنية التواجد الافتراضي؛ نقوم بمساعدة المشاركين في الورشة على تحسين مشروعاتهم التي قدموها بناء على خبراتنا، حيث أقدم الورشة بالمشاركة مع كيلي توماس، ونقوم بعمل محاكاة لمشروعاتنا، حيث نأمل في العثور على شركاء يُمكننا مُشاركة مشروعاتهم هنا في مصر؛ فالكثير من المشروعات التي نقوم بها، كما يحدث في أوروبا، تتم عبر شراكات مثل هذه، مثلما حدث معي شخصيًا، فأول مشروع لي في أمريكا الجنوبية تم عبر شراكة أوروبية. بالطبع أغلب المشاريع التي نتحدث عنها هنا مصرية، لكن بالتأكيد هناك مشروعات أخرى جاءت من بلدان مختلفة بالعالم العربي.

ما التحديات التي تواجه صُنّاع الأفلام المستقلة؟ 

يُمكننا الحديث لأيام عن هذا الأمر، ولكن كما تعلمين، هذه التحديات الكبيرة متشابهة يواجهها المبتكرين وأصحاب المشروعات المستقلة في كافة أنحاء العالم ومن ضمنها العالم العربي، المشكلة ليست في الأفكار أو الشغف أو أن يكون لديك ما تقوله، بل المشكلة دائمًا هي كيف تفعل هذا. 

تتشابه في هذا الأمر كثيرًا أمريكا الجنوبية والعالم العربي، وهنا، في مصر، البلد الذي لديه تاريخ طويل مع السينما وشهدت عصرًا ذهبيًا لها، صار الأمر متعلق بكيفية إيجاد المال اللازم كي تقوم بتنفيذ مشروعك السينمائي، خاصة تلك الأفلام التي تحمل في مجملها رسالة ما أو تقدم قصة صعبة. والأمر هنا ليس متعلقًا بمصر حيث نقيم ورشتنا، أو بيرو حيث جئت، أو حتى الولايات المتحدة بإمكانياتها الضخمة؛ بل يتعلق دائمًا بما يبحث عنه رأس المال.

في الولايات المتحدة ليس من الصعب أن تجد تمويل لفيلمك إذا كان ما لديك يتفق وما تبحث عنه هوليود، غير هذا يكون الأمر أصعب كثيرًا مما تتخيلي، لذلك ظهرت الأفلام المستقلة في الولايات المتحدة، وهي بلد ليس فيه دعم حكومي لهذا الأمر، ولا علاقة للدولة بتمويل الأعمال الثقافية، ولا يوجد إنتاج مشترك مع الدول الأخرى؛ لذلك يعتمد صُنّاع الأفلام المستقلة في الولايات المتحدة على العثور على ممثل له اسم كبير لديه استعداد للعمل في الفيلم من أجل الحصول على تمويل له. هكذا أقول أنه من الصعب إيجاد تمويل للأفلام في جميع أنحاء العالم، فقط الأسباب تتغير من مكان لآخر، ربما كانت الأسباب مُتشابهة إلى حد كبير بين أمريكا الجنوبية والعالم العربي، لكن كذلك في الولايات المتحدة، حيث أعيش، إذا لم يكن فيلم حركة أو كوميدي، فإن الأمر صعب.

ما الذي يُمكن أن نفعله بهذا الصدد؟. أعتقد أن التكنولوجيا قدمت لنا مساعدة كبيرة، حيث جعلت هناك قابلية كبيرة لتنفيذ الأفلام، فالآن يُمكنك أن تصنع فيلمك بالكاميرا الخاصة بك، أو حتى بهاتفك إذا أردت؛ لكن بالطبع هناك أفلام تحتاج فيها إلى الاستعانة بكاميرا أكبر وطاقم من العدسات وفريق عمل. طالما لديك شغف بالقصة التي تصنعها فسوف تستمر في البحث عن طريق تقوم به بصناعة فيلمك، مثلما يفعل صُنّاع الأفلام الذين نتعاون معهم في هذه الورشة، ومثلما أفعل أنا الآخر.

تقدم مساعدة لمنتجي وصُنّاع الأفلام المستقلين المشاركين في المهرجان. أحد أكثر الأسئلة صعوبة التي يواجهها هؤلاء هي ما التيمة المُفضّلة لدى ممولي الأفلام لكي ينجح المنتجين في الحصول على دعمهم، أي ما هي السمات أو الموضوعات التي تجعل الفيلم عالميًا، خاصة في هذا الجزء الذي نحن فيه من العالم، فنحن لدينا الكثير من القصص والأفكار، لا نعلم أي منها يصلح لأن يتم تقديمه لجهات التمويل أو للجمهور العالمي؟

تحدثنا بالطبع عن هذا في الورشة، ربما قليلًا حتى الآن، وكان السؤال هو كيف يُمكنك أن تقدم كل شيء عن المحتوى الذي تسعى للحصول على الموافقة على تمويله في عشر دقائق. هذا فن في حد ذاته، حيث فن كتابة محتوى عما تنوي تقديمه وعرضه على الشاشة، ثم هناك فن آخر هو كيفية بيع هذه الفكرة إلى الممولين، وهو أمر صعب.

أول شيء لكي نقوم بتسويق المشروع هو معرفة إلى أي مدى نحن شغوفين بهذا المشروع، وكيف يُمكن نقل هذا الشغف إلى من نتحدث إليهم من المسؤولين عن تمويل الأفلام كي نستطيع الحصول على موافقتهم. هذه هي البداية، فمن يرغبون في استثمار أموالهم، أو مساعدة صُنّاع الأفلام هؤلاء، يتطلعون إلى معرفة إلى أي مدى سوف تُقاتل من أجل تحقيق هدفك والحصول على تمويل لتنفيذ فيلمك. فالحماس والشغف هو شيء مُعدي، ويجب عليك نقل عدوى هذا الشغف إليهم. هم يريدون معرفة ما إذا كان لديك شيئًا لتقوله، بالطبع لديك شيء ما، لكن كذلك ربما ليس هذا هو الوقت الصحيح لتقول ما لديك.

العثور على ممول لمشروعك هو أشبه بالعثور على زوجة، كلاهما سوف يقضي معك وقتًا طويلًا تحاولان فيه تحقيق نجاح، فالأفلام تستغرق وقتصا طويلًا؛ وهذه نقطة أخرى يهتم بها ممولي الأفلام، فهل يُعجبني هذا الشخص؟ وهل يُمكننا التواصل جيدًا؟ حيث أن الأمر سوف يعتمد على الثقة المُتبادلة، وهذا صعب، حيث يجب اكتشاف هذا خلال وقت قصير، والفيلم نفسه يستغرق ما بين عامين إلى خمسة أعوام، والتي تبدأ منذ البحث عن تمويل للفكرة ثم خطوات صناعة الفيلم حتى الانتهاء منه، وبعد ذلك إرساله إلى مهرجانات كبرى ثم العرض للجمهور. لذلك فالسؤال هو هل سنستطيع قضاء كل هذا الوقت معًا.

أنا أؤمن بأنه كلما كانت قصتك مرتبطة بك وبعالمك، وكلما كانت محلية ومرتبطة بمجتمعك، كلما أصبحت هذه القصة أكثر صلاحية لأن تكون عالمية. في الحقيقة إذا حاولت التخلي عن حقيقة قصتك لارتباطها بمفردات محلية، وتحويلها إلى شكل عالمي كما تظن، سوف يجعلك هذا تفشل؛ بل على العكس يجب أن تجعلها مُحددة ومليئة بتفاصيل عالمك، هذا ما سوف يقودها إلى العالمية بالفعل وليس العكس. في أحد أفلامي الكوميدية، وهو أمر لا أقوم به طوال الوقت ولا أشاهده كثيرًا في الواقع، تناول الفيلم حكاية مُضحكة عن عائلة تجتمع على الغذاء وتحدث الكثير من المفارقات بين أبناءها من ناحية وبين طبقة أخرى هي الخدم من ناحية أخرى، وهما عالمان مختلفان تمامًا. رغم أن الفيلم ينتمي إلى حيث نشأت، لكنه عند عرضه في إيطاليا، وبعد ذلك في كوريا الجنوبية، كان هناك تفاعل ضخم من الجمهور الذي أحب القصة التي على الرغم من كونها محلية للغاية من بيرو، لكنها صارت حقًا عالمية.


بعد النجاح الذي حققته المنصات العالمية مثل نتفلكس وغيرها. ما الذي يُمكن أن تقدمه هذه المنصات لصُنّاع الأفلام المستقلين؟ وما تأثيرها على صناعة الأفلام المستقلة؟

الإنتاج يتطلب إنفاق أموال كثيرة للغاية، وهنا في هوليود، لا أريد القول أنهم توقفوا تمامًا، لكن إنفاقهم صار يقل مرة بعد أخرى، سواء بالنسبة للدراما أو بالنسبة للقصص التي يرون فيها مخاطر عالية. لكي تقوم بطرح فيلمك في جميع أنحاء العالم، وهو ما تقوم به هوليود منذ قرن تقريبًا، فإن عليهم إنفاق الكثير من الأموال، فتسويق الأفلام عالميًا هو أمر غالٍ لدرجة كبيرة للغاية، والأهم هو القدرة على جلب عائد يزيد عما تم إنفاقه في هذا الاستثمار. هوليود تهتم بتسويق ما يُمكن أن يُحقق هذا، الأفلام التي يحب المشاهد أن يراها على شاشة كبيرة، مثل أفلام الحركة والأبطال الخارقين والكوميديا الصارخة؛ وبدأ اهتمامهم يقل شيئًا فشيء بالأفلام المرتبطة بالقصص الدرامية، وهو الأمر الذي تركوه للأفلام المستقلة.

المنصات كما تقوم بالإنفاق على الأعمال التي تحقق أرباحًا ضخمة وسريعة، هي في الوقت نفسه تقوم بتمويل أعمال أكثر جدية وتعتمد على القصص الدرامية، أو ذات المخاطرة العالية. الأفلام المستقلة التي بدأت طريقها في نهاية التسعينات من القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة حققت قفزت كبيرة مع ظهور المنصات الرقمية. وحتى صناع الأفلام الضخمة، مثل منتج فيلم باتمان على سبيل المثال، الآن يعملون مع تلك المنصات، وكذلك الكثير من مخرجي الأفلام المعروفين في الولايات المتحدة. هذه المنصات مثل نتفلكس أو أمازون أو آبل أو غيرها، يقومون الآن بتوظيف الكثير من صُنّاع الأفلام، الذين يأتون من عالم السينما المستقلة ويعودون إليها.

هذه المنصات في الوقت نفسه رغم كل ما يقدمونه، لكنهم بدورهم محكومون بما يرغب فيه جمهورهم، فمثلًا عندما تشاهد فيلم على نتفلكس أو أي منصة أخرى، فإنهم تلقائيًا يقومون بترشيح فيلم آخر لك مُشابهًا له، سواء كان حركة أو دراما أو كوميديا، أنت أحببت هذا فنحن نرشح لك غيره؛ لذلك سوف نرى إلى أي مدى سوف يقومون بدعم أشكال مختلفة من القصص قد تروق أو لا تروق للبعض. لكن هذا لا يتعلق بالأعمال المستقلة فقط، بل في الواقع هو السؤال الذي تطرحه عملية التوزيع السينمائي دومًا.

بالنسبة لمشاركتك الافتراضية في الورشة هذا العام، كيف ترى مستقبل المهرجانات والورش السينمائية؟ هل سيستمر العالم في الاعتماد بشكل أكبر بتقنية التواجد الافتراضي ويُقلل من الوجود الحقيقي؟ هل هذا جيد أم سيء بالنسبة لهذه الصناعة؟

أتمنى ألا يحدث هذا، لا شيء يُضاهي المشاركة والتواجد الإنساني واللقاء وجهًا لوجه، ربما كان هذا أفضل في الوقت الحالي بسبب تلك الجائحة، وربما سيبقى التواجد الافتراضي كوسيلة مساعدة، فعلى سبيل المثال يُمكنك إقامة ورشة بالقاهرة، وفي الوقت نفسه يُمكن مشاركة مخرج مقيم في ألمانيا ولا يتسع الوقت لحضوره إلى هنا، هذه أداة مفيدة جزء من الورشة وليس كلها؛ وبشكل شخصي أنا رجل في الخمسينات من عمري وقد اعتدت اللقاء وجهًا لوجه، ولا أعبث بهاتفي كل ليلة، لذلك هذا أمر مُحزن بالنسبة لي.

هناك الكثير مما يُمكن قوله، والكثير من الأفكار يُمكنها الظهور إذا كنت جالسًا وسط مجموعة من البشر تتبادلون الأحاديث، ففيلمي الذي تحدثت عنه "العائلة الأفضل" كان عرضه الأول في روما، وكنت محظوظًا بأن حضرت ذلك العرض هناك، وكنت محظوظًا أنني استطعت القيام بهذا؛ كان ذلك قبل أن يجتاح الفيروس إيطاليا، في تلك الفترة التي عادت فيها البلاد للحياة مرة أخرى، لكنهم الآن عادوا للإغلاق، كان ذلك في شهر أكتوبر الماضي، وكان من الجيد مشاهدة روما، تلك المدينة العظيمة، دون سائحين.

إذا لم يكن هناك تلاقي حقيقي لن تكون هناك أفكار أو مناقشات أو شيء نفعله حقًا، ولن تكون هناك أفلام كذلك، لأن متعة السينما تعتمد على الجمهور، وأنا كنت محظوظًا بأن شاهدت فيلمي في روما في وجود بعضهم، لكن في الوقت نفسه كنت حزينًا لأنه ليست هناك تعليقات أو محادثات بعد العرض كما يحدث دومًا، وهي الشيء الذي يجلب المزيد من الإلهام. في الحقيقة أنا كصانع أفلام أتعلم الكثير جدًا من تعليقات وآراء الجمهور، لذا في الواقع فأنا "أسرق" من كلماتهم وتعليقاتهم ما يجعل الأمر أفضل في المرة القادمة، وهذا يحدث دومًا في المهرجانات. التفاعل الإنساني لا غنى عنه بالنسبة لعملية الإبداع وذو أهمية قصوى؛ لذلك أتمنى أن أكون في القاهرة العام القادم، بينما يمكن استخدام التكنولوجيا إذا كان أحدنا غير قادر على المجيء وليس طوال الوقت.

ما هو تأثير الجائحة على الإنتاج السينمائي؟ سواء في الولايات المتحدة أو بشكل عام.

بالطبع لها تأثير ضخم على كل الصناعات في كافة أنحاء العالم وليست عملية الإنتاج السينمائي استثناء من هذا الأمر؛ وبشكل عام الكثير من المنصات أوقفت إنتاج عدد من الأعمال، يُمكن القول بأنني "حررت هذا الفيلم" الذي استطاع أن يُعرض في روما وفي كوريا الجنوبية، حيث واحد من أهم مهرجانات الفيلم في آسيا، وللأسف لم أستطع التجول في بقية أنحاء كوريا أو آسيا وإنما اقتصر الحضور على المهرجان.

الوضع فرض إجراءات أخرى على التوزيع والإنتاج السينمائي، حيث صارت عمليات الإنتاج والتصوير أكثر تكلفة بسبب إضافة الإجراءات الوقائية، وهي لا تزال كذلك أكثر خطورة؛ هناك صديق لي كان يقوم بتصوير مسلسل مع نتفلكس، هناك اضطروا لإيقاف العمل لما يقرب من ثلاثة أسابيع لأن أحد الممثلين أصيب بالفيروس، هذه خسارة ضخمة. لا أعلم إلى أي مدى يبلغ هذا التأثير حاليًا أو في المستقبل لكنه خطر للغاية.

هناك تأثير آخر هو أن الشركات الآن تدقق بشكل أكبر في المحتوى، الجميع حاليًا يجلس في المنزل يُشاهد المسلسلات في التلفزيون، هذا يعود بالسلب على عملية الإنتاج السينمائي، آمل ألا تضطر الكثير من المسارح والسينمات إلى الإغلاق، لكن بعضهم للأسف سوف يفعل ذلك، لأن بعد عام من هذه الجائحة هناك من لن يُمكنهم الاستمرار.

هل هناك فرصة للأعمال العربية أن تأخذ فرصتها على الساحة العالمية، وتحديدًا المنصات، دون أن تكون القصص المُقدّمة متعلقة بالإرهاب أو المشاكل السياسية؟

سوف اتحدث من واقع خبرتي الشخصية، حيث قدمت من أمريكا الجنوبية، دعني أقل لك إن المشكلات الاجتماعية والسياسية تتنافس مع الفلكلور على اهتمام المنتجين، في الواقع لن تجد إنتاج متحمس أو مهرجان في أوروبا لأفلام من نوعية الحركة أو الخيال العلمي أو الرعب قادمة من أمريكا الجنوبية، وأشك أن يكون الأمر مختلفًا بالنسبة للعالم العربي؛ بالقطع هذا لا يعني ألا يكون هناك إمكانية لوجود مشروع ناجح من هذه الأشياء، لكن لإجابة سؤالك يجب معرفة ما المتوقع منا أن نفعله، ونحن نقوم بهذا في الحقيقة. العنصر الجاذب للقصص التي نقدمها يجب أن يمزج القصص السياسية والاجتماعية ويُبرز الثقافة والعادات والتقاليد في هذا الجزء من العالم. هذا ما يبحث عنه المنتجون المشاركون في أوروبا.

سأقول لك مثال، فيلمي الأول تناول بلدة صغيرة للغاية في بيرو، حيث زوج وزوجته ورجل أحبته تلك الزوجة، هو أمر موجود في ثقافة أمريكا اللاتينية، العالم الذي حصد ماركيز جائزة نوبل من حكاياته. هذا الفيلم في حقيقته جذب منتجين مشاركين من ألمانيا ثم فرنسا فيما بعد، وكان عرضه الأول في مهرجان الفيلم الإسباني، ثم انتقل إلى مهرجان صاندانس وانتقلت عدواه إلى أوروبا. فيلمي الثاني وجد اهتمامًا في الولايات المتحدة في لوس أنجلوس، لكنه كذلك وجد لنفسه مكانًا في طوكيو؛ لكن في الوقت نفسه لم يجد له موضعًا في أوروبا، قيل لي إن الفيلم جيد وكل هذا لكننا لا نرى فيه أمريكا اللاتينية التي نريدها. الفيلم الأول تم تصويره في قرية بسيطة وفي ليما وهي مدينة، وفي الصحراء على ساحل البحر؛ فيلمي الثالث حكيت عنه بالفعل وهو كوميدي. أمريكا الجنوبية مكان مفعم بالحياة حقًا، لكنك إذا شاهدت الأفلام المنتشرة عنها في العالم سوف تعتقد أننا مكتئبين للغاية.

ما أود قوله هو أنه إذا كانت رؤيتك أو القصة التي تحملها تتوافق مع الرؤية التي لدى أولئك القوم أصحاب المال فسوف تحصل على المساعدة التي تسعى إليها، لكن إن لم تكن كذلك، عليك أن تبحث عن طريق آخر. الأمر في الحقيقة يعود إلى تطلعاتهم وما الذي يريدونه من العالم العربي. كما قلت لك، في بعض الأحيان تتفق مع رغباتهم وفي أخرى لا تفعل.

إذن، ما الذي تنصح به كاتب شاب يريد تقديم قصته إلى المنصات العالمية؟

الشيء الوحيد الذي يُمكنني ان أنصح به حقًا هو أكتب ما تريد أن تكتبه، ابتكر الذي تريد أنت أنت تفعله، اصنع الفيلم الذي ترغب في صناعته. لا تحاول أن تكتشف ما الذي يرغبون فيه وبالتالي تبتكر على هذا الأساس، لا تقول إنهم في نتفلكس يهتمون بقصص الرعب والخيال العلمي لذلك سوف أصنع مسلسل مصري بهذا الشكل لأنني سأستطيع بيعه؛ ربما تكون محظوظًا وتنجح في بيعه حقًا، لكن هذا لن يستمر لوقت طويل. 

أن تقضي وقتًا لمحاولة اكتشاف ما الذي يُمكن بيعه هو في واقع الأمر شيء خطير بالنسبة لي، بعبارة أخرى أنا أُفضّل أن أقضي وقتي في العمل على كتابة الشيء الذي أرغب حقًا في سرده، وبعد ذلك سأبدأ في التوصل إلى طريق لتحقيقه؛ هذا بالقطع سوف يستغرق وقتًا وربما كان طويلًا، بالنسبة لي استغرقت ثماني سنوات حتى استطعت الحصول على تمويل لفيلمي الأول، والذي أرسلته لشركات الإنتاج هنا في لوس أنجلوس، ورد بعضهم بأن القصة تروقه حقًا، ولكن هل يُمكن أن تتحول القصة إلى الولايات المتحدة، أو هل يُمكن أن تصير القصة أمريكية، أو على الأقل هل يُمكن أن يقوم بالبطولة بينلوبي كروز أو خافيير بردام، وهما اثنان من أشهر من مثلوا بالإسبانية في الولايات المتحدة؛ لكن في الحقيقة لم أستطع قبول كليهما كاثنان في قرية تقات على الصيد في بيرو، لم أر بينلوبي كروز وهي زوجة صياد في تلك القرية الفقيرة، لم أصدق هذا، وإذا كنت لا أستطيع تصديقه فلا يُمكنني أن أجعلك كمشاهد أن تصدقه. لذلك فإن الشيء الوحيد الذي يجب عليك أن تُدافع عنه هو قصتك أنت وشغفك وأفكارك، من الأفضل للمرء أن يقضي وقته في العمل على شيء يخصه، وبعد ذلك يرى كيف يُمكن له أن يبيعه. إذا كنت ستعمل على فيلم كوميدي أو فيلم رعب فيجب على الأقل أن تؤمن بما تعمل عليه.

هل هناك عمل جديد تقوم بالتحضير له؟

نعم، حاليًا أقوم بالتحضير لمسلسل قصير من ست حلقات، يتناول قصة لاعب كرة قدم من موطني الأصلي بيرو، ويعتبر أهم لاعب في البلاد، والذي ظهر إيجابية تحليل المخدرات وثبت تعاطيه الكوكايين، وذلك قبل ستة أشهر فقط من بطولة كأس العالم في روسيا 2018، والتي طال انتظارها بعد ستة وثلاثين عاما ظلت فيها بيرو خارج البطولة. القصة تبدأ قبل البطولة بستة أشهر، حيث كان واحدًا من الأسباب التي أدت إلى تأهل البلاد في التصفيات، لكن يُفاجأ بذلك التحليل بينما يُقسم أنه لم يتناول المخدرات طيلة حياته؛ لذلك قاتل خلال تلك الأشهر لاستعادة سمعته المُفترى عليها، حتى نجح في ذلك. المسلسل لا يتناول كرة القدم بقدر ما هي الدراما التي أحاطت بها في ذلك الموقف. المسلسل يتنقل بين بيرو ومدينة ريو دي جانيرو في البرازيل حيث يعيش وكذلك هولندا. والآن أعمل مع فريقي على الكتابة والتحضيرات، وأتوقع أن يخرج للنور العام المُقبل.