مارادونا.. وستبقى الأسطورة

الفجر الرياضي

مارادونا
مارادونا



قبل أن تُصبح الألقاب سلع في معرض السوشيال ميديا، يطلقها "فانز" اللاعبين هنا وهناك، كان للأمر سحره ودلالاته ولم يكن هناك خطأ إلا فيما ندر، لذلك لم يكن من الغريب أن يكون مارادونا "أسطورة" وبيليه "الموهبة العبقرية"، رغم تشابه المعاني واتفاق الدلالات يبقى الفرق واضح، لا شيء يضاهي الأسطورة، ولا شيء يأخذ مكانها.

ولكن ماذا تعني الأسطورة؟ هذا سؤال آخر، الإجابة عنه لم تُحسم بعد، وتفكيك طلاسم المعني لن تصل إلى المتلقى بسهولة، هل الأسطورة يعني أنه لاعب موهوب، فلماذا لم يُطلق عليه الموهوب، هل يتعلق الأمر بالجماهيرية، بالفرق التي لعب لها، بإنجازاته، الإجابة كل ذلك مطلوب لكنه لا يصنع أسطورة في النهاية، يبقى الأمر متعلق بالكاريزما، الكاريزما مطلوبة لكنها ليست حاسمة!

لهذا السؤال معقد، لكن بالعودة إلى دلالة الأساطير الراسخة عبر التاريخ يمكننا اعتبار أن الأسطورة هو مزيج من الحقيقية والغموض والشائعات بجانب كل ما سبق، ولهذا أيضًا فإن "مارادونا" أسطورة ليس من قبيل المبالغة ولكن من قبيل منطق التاريخ. 

ولعل أول ملامح الأساطير هي النشأة الفقيرة التي تؤدي في النهاية إلى عمل عظيم غير متوقع ليجسد الجهد البشري، هذا ما حدث مع "دييجو" الذي رحل منذ قليل بسبب سكتة قلبية وأفجع  محبيه، فنشأته لم تكن توحي بأن ثمة فارق بينه وبين ملايين الفقراء المولودين في ضواحي "بوينس آيرس"، صحيح أنه يعشق كرة القدم لكن أيضًا هناك ملايين يحبونها فكيف يمكن التوقع بشيء، ربما بدأ التفكير في ذلك حين انشغل الولد الصغير بتلك الكرة وبدأ يجرب كل شيء جديد. 

العناء والمشوار الطويل والفقر كان البداية، فماذا عن الملمح الثاني الذي لا بد توفره في أي اسطورة، إنه بداية المشوار، وكان "دييجو" يعرف ذلك جيدًا فبدأ مشواره في أحد الأندية الصغيرة وسرعان ما أبهر العالم، ولأن النجاح لابد له من ذكاء حين جاءت ساعة الأختيار انحاز "مارادونا" لنادي بوكا جونيور المحسوب على الطبقة العاملة ضد نادي البرجوازية ريفير بلايت، ومن هنا أصبح لدييجو ظهير شعبي وملايين يتابعونه أينما ذهب. 

صعود طاغي، وجماهيرية عالمية،  وبالطبع ثراء فاحش، هكذا ضرب "ماردونا" ضربة البداية، وأضاف ملمح آخر للأسطورة وهي عائلته، فهي الركن الرابع فلم يحظي لاعبون كثر بعائلة قادرة أن تحول الألم إلى مجرد لعبة، وتمارس مع ابنها رياضته المفضلة. 

وحتى بعد الوصول للعب في أعرق الأندية العالمية كبرشلونة، لم يكن مارادونا سوى ضيف غريب، فالأساطير تظل ملهمة لا تحكم، لكنه تدارك نفسه حين ذهب إلى نادي "نابولي" الإيطالي المحسوب أيضا على الطبقات الفقيرة في إيطاليا ليأتي له بإنجازه الأكبر بالفوز بالدوري الإيطالي بعد غياب 59 عامًا. 

واستكمالًا للأسطورة، في نفس التوقيت استطاع أن يحقق إنجازه الأعظم بقيادة بلاده للفوز بكأس العالم 1986، ثم الوصول للنهائي 1990، ليتربع على عرش الجماهير العالمية في كل مكان. 

لكن كل ما سبق يمكن تصنيفه تحت بند "الموهبة والكاريزما" وما إلى ذلك رغم أن ملامح الأسطورة واضحة، لكنها اكتملت بشخصية "دييجو" نفسه، الشاب الذي سجل أغنية بصوته في حفل زفافه، ثم أدمن المخدرات، وطاردته الشائعات ولم يكن هو واضحًا بما يكفي لردها فزاد الغموض واكتمل ركن أساسي للأسطورة وهو اختلاط الحقيقة بالشائعات، وفي النهاية وقف "دييجو" يقول أنا هنا، أليس غريبًا أنه أول من سجل هدف بيده في كأس العالم 1986 واحتسب، لكن ذلك ليس الغريب الوحيد الأغرب إجابته حين سُئل فقال إنها "يد الرب".

علاقات سياسية مع زعماء مثل "كاسترو"، نكات هنا وهناك، رد ساخر من زملاء آخرون، وعنف لفظي في أحيان أخرى، مشهد خروجه من الملعب في مونديال 1994 وهو يبكي، كل ذلك عوامل جعلت منه أسطورة وهذا لا يتعلق بكرة القدم فقط. 

ولأن الأساطير تحقق إنجازها سريعًا وترحل مبكرًا كان نصيب "مارادونا" الرحيل وهو ابن 60 عامًا لتكتمل أركان أسطورته الذي ستبقى طويلا.