حكاية أغنية.. "هو صحيح الهوى غلاب" التي انهت الخلافات بين أم كلثوم و زكريا أحمد

الفجر الفني

بوابة الفجر




حكاية أغنية اليوم واحدة من أغنيات سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وهي "هو صحيح الهوى غلاب".

بدأت الحكاية ولم يكد عقد الأربعينيات ينتهي، حتى نشب خلاف شديد فرط عقد الثنائي، بدأ بمطالبة الشيخ زكريا بمستحقاته من الإذاعة المصرية من طبع ألحانه على أسطوانات أم كلثوم، الأمر الذي رفضته أم كلثوم، بذريعة امتلاكها تنازلًا خطيًا منه عن تلك الحقوق، لكنها أسرت لمقربين لها أن زكريا على حق لكنه يبالغ في تلك الحقوق.

ناقش المستشار عبدالغفار حسني، أم كلثوم، وزكريا أحمد، خمس ساعات كاملة، لإنهاء نزاعهما القضائي، وبدأ عام 1948 برفع "زكريا" دعوى قضائية يطالب بزيادة حقوقه في الأداء العلنى لأغنيات أم كلثوم، وترتب على الدعوى خصامهما، حتى جلسة 25 يناير 1960.

بذل القاضي عبد الغفار جهدًا كبيرًا انتهى باتفاق خاص بينهما على التعاون المشترك، يقوم زكريا بتلحين ثلاث أغنيات لأم كلثوم خلال عام 1960 بسبعمائة جنيه عن كل لحن، وعلى هذا تنازل زكريا عن دعواه ضدها، وفي مساء يوم 1 ديسمبر 1960 حدث اللقاء في أغنية "هو صحيح الهوى غلاب" كلمات بيرم التونسي.

نجحت "هو صحيح الهوى غلاب" نجاحًا مدويًا، لكن شاعرها وملحنها العظيمين، بيرم، وزكريا ذاقا طعم النجاح أسابيع قليلة، حيث توفى بيرم يوم 5 يناير 1961.

فى ليلة "هوا صحيح الهوى غلاب"، كانت أم كلثوم تشدو بعذوبة وشجن، وكان زكريا يمارس طقوس حياته التى تتطابق مع سماته وذهب زكريا إلى "درب المسمط" يسمع لحنه الجديد منه.

استمع زكريا إلى أغنيته الجديدة وهو فى فرح الفرح.. كان فى درب المسمط.. كان فرح "نبوية قطة" بنت صديق عمره عبد العزيز قطة، أشهر كاتب دوبيا.

الوصلة الأولى لأم كلثوم انتهت.. لم يهتم أحد فى الفرح بسماعها.. كانوا مشغولين بفرحهم.. وعرفوا كلهم أن الأغنية قديمة: "هجرتك يمكن أنسى هواك"، وكان موعد الأغنية الثانية "حب إيه اللي انت جاي تقول عليه" كانت أول أغنية يلحنها بليغ حمدى لأم كلثوم، وبدأ الشيخ زكريا يهتم كان يضع الكوفيه التقليدية حول رقبته، وفى عنقه بيبيون أنيق ويجلس على "كنبة استامبولي" يسمع بكل حواسه، عبر عن رأيه فى بساطة، قال: "الأوركسترا كانت تأكل كل شىء.. طغت على كل شىء".


انتهت الوصلة الثانية في الواحدة، وكان قلق زكريا طاغيا "أصابع يده تتحرك، يمسك بعلبة الكبريت ليشعل أعوادها واحدًا وراء الآخر دون مناسبة، ولا سيجارة واحدة عرفت طريقها إلى شفتيه في لحظة الانتظار باختصار كان زكريا صاحب التجارب الطويلة والألحان الناجحة كالزوج الذي يقف خارج غرفة الولادة في انتظار مولوده.

بدأت الإذاعة الخارجية مرة ثالثة، وانتهت علبة الكبريت، في هذه اللحظة اعتدل زكريا فوق الكنبة، وفي حركة لا شعورية مد يده إلى جيبه ليخرج سيجارة، لم يجدها فطلبها من العريس.

بدأ اللحن ينساب فى سكون الليل: هوا صحيح الهوى غلاب..ماأعرفش أنا والهجر قالوا مرار وعذاب.

تتحمس الجماهير، وتتحمس أم كلثوم، وتعيد مرة ومرة: "إزاي يا ترى.. أهو ده اللي جرى.. ما اعرفش أنا".. في هذه اللحظة، قام العريس والعروس من الكوشة، وقام زكريا في هدوء وخجل من فوق الكنبة، وذهب إلى الكوشة، جلس عليها فعلًا، كان كأنه يمشي وهو نائم، وأصبح العريس والعروس والأهل مدعوين وزكريا هو العريس وتنتهى حفلة أم كلثوم، ويخرج زكريا ليشق طريقه خارج درب المسمط.

عاد الشيخ زكريا ليتوج ذلك الصُلح بتلحينه أغنية "هو صحيح الهوى غلاب"، التي غنتها أم كلثوم عام 1960، لكن ذلك اللحن لم يكن تتويجًا لذاك الصلح وحسب لكنه كان تتويجًا لحياته أيضًا، ففي 5 يناير عام 1961، توفي الشيخ زكريا، بعد عمر يناهز الـ 65 عامًا قدم خلالها 1070 لحنًا.