منال لاشين تكتب: كيف تدخل الطبقة المتوسطة العاصمة الإدارية الجديدة؟

مقالات الرأي




شقق تمليك بدون مقدم للموظفين أقل من40 عاما وإيجار لفوق الـ50 

بنوك تمنح موظفيها شققًا وفيللات للمديرين وبنوك أخرى ستعمل من التجمع الخامس 

مجلس النواب سيختار نصف الموظفين للانتقال إلى البرلمان الجديد 

تجربة الوادى الجديد فى التوطين تستحق الدراسة

منذ بداية انطلاق العاصمة الإدارية الجديدة كفكرة ثم مشروع، وكلما ارتفع البناء وتوسع وتمدد فى العاصمة، وكلما اقترب موعد الانتقال للعاصمة يفرض سؤال نفسه، هذا السؤال عن طبيعة التجانس السكانى فى العاصمة، وهل ستجد الطبقة المتوسطة مكانا أو بالأحرى شقة فى العاصمة أم سيعجزها ارتفاع الأسعار؟ الحقيقة أن إجابة هذا السؤال تخرج عن كونها أزمة عقارية، لأن الطبقة المتوسطة هى التى تعطى العاصمة الإدارية روحها، وتعمق من مشروعيتها كعاصمة المستقبل لكل المصريين، لا يوجد عاصمة أو حتى مدينة مخصصة لطبقة، وكلما زادت نسبة البناء فى العاصمة زادت فرص أو بالأحرى البحث عن طرق لتوطين فئات من الطبقة المتوسطة فى العاصمة الإدارية سواء من خلال الحكومة أو القطاع الخاص، حتى فى الإعلانات التسويقية عن العاصمة أصبح التركيز على أن العاصمة لكل المصريين، وداخل الحكومة أو بالأحرى فى كواليسها، دراسات ومباحثات كثيرة ومتعمقة لضمان تمثيل كل الطبقات وخاصة الطبقة المتوسطة، ويمثل الموظفون الحكوميون فى وزارات ومؤسسات جسر التمكين للطبقة المتوسطة فى العاصمة الإدارية.

1- الدفعة الأولى

بمناسبة قرب انتقال الدفعة الأولى من موظفى الحكومة للعاصمة الإدارية، جرى بحث ودراسة لكل سيناريوهات التعامل مع الدفعة الأولى والثانية، سيناريو منح الموظفين شققًا بإيجار مخفض أو تمليك ميسّر فى مدينة بدر لأنها قريبة من العاصمة الجديدة، ثم نقل الموظفين بالأتوبيسات، وحسنا فعلت الحكومة باستبعاد هذا السيناريو، لأنه كان سيترك أثرا سلبيا فى نفوس المواطنين جميعًا، ويرسخ فكرة أن العاصمة الإدارية لا يسكنها سوى الأثرياء فقط، وكان هناك سيناريو الاستعانة بالاتوبيسات لنقل الموظفين من مراكز تجمع مثل التحرير أو مدينة نصر أو الجيزة، ومنها إلى العاصمة الإدارية يوميا، ويبدو أن هذا الحل مكلف جدا للحكومة وخاصة فى ظل عدم الانتهاء من القطار الكهربائى.

أخيرا تصدرت الأولوية فى السيناريوهات سيناريو جرئ، ولكنة أكثر فاعلية اجتماعيا وسياسيا، سيناريو منح الموظفين شققًا بالحى السكنى فى العاصمة الجديدة، وذلك من خلال تسييرات سواء فى نظامى الإيجار أو التمليك.

ويشترط لمن يستفاد من شقق التمليك أو بالأحرى تسهيلاته أن يكون أقل من 40 عاما، لأن التقسيط بدون مقدم سيكون على عشرين عاما، ولذلك فإن الفئة المستفيدة من هذا النظام يجب أن تكون من الشباب، بينما ستتم إتاحة شقق بالإيجار المخفض للموظفين الأكبر سنا، ويتوقع أن تقتصر التسهيلات على الدفعتين الأولى والثانية فقط، بينما يميل هذا السيناريو لتوفير مواصلات فقط للدفعات الأخرى من موظفى العاصمة الإدارية.

أما بالنسبة للقطاع الخاص (بنوك وشركات)، فبعض البنوك حصلت بالفعل على شقق فى العاصمة لموظفيها حال انتقالهم، وهناك بنوك أخرى اكتفت بالحصول على شقق فى التجمع للموظفين المنقولين للعاصمة.

وهناك شركات ستقدم تسهيلات لموظفيها للتملك من خلال نظام التمويل العقارى، وشركات خاصة أخرى تفكر فى الاستثمار فى شراء أبراج سكنية فى العاصمة، ثم إعادة تأجيرها لكل موظف يعمل فى فرع العاصمة الإدارية وهو ما يعرف بنظام السكن المؤقت.

بالطبع يخصص مجلسا النواب والشيوخ شققا لنحو 50% من القوة العاملة بالمجلسين، التى ستحصل على شقق تمليك بدون مقدم وبأقساط طويلة الأجل، بينما سيخصص المجلس شققا وفيللات للنواب الراغبين فى التملك بجوار البرلمان.

2- منافسة شرسة

فى التصورات والسيناريوهات هناك منافسة شرسة جدا رغم أنها غير مرئية ولا محسوسة، إنها منافسة بين فكرتين أو معادلتين، فكرة اقتصادية تنتصر لأنه يجب إرجاع الأموال التى صرفت على العاصمة، وأنه لا يوجد شىء مجانى، فكرة أخرى أو معادلة أخرى وهى أنه يجب التضحية ببعض المليارات من أجل تسكين فئات المجتمع فى العاصمة الإدارية، بدون الطبقة المتوسطة بكل فئاتها ستتحول العاصمة إلى أكبر كمبوند فى إفريقيا أو الوطن العربى، لا يكفى أن تكون مقرا للحكم لتصبح العاصمة الجديدة أو يكون بها البرلمان، الناس هى التى تصنع مذاق العواصم والمدن، وترسخ أهميتها، يجب أن تبحث الحكومة على نماذج توطين مصرية وأجنبية، نماذج قامت على المزج بين الطبقتين المتوسطة والعاملة لخلق مجتمعات عمرانية مستمرة وممتدة، فى نماذج التوطين لا تمثل المعادلة الاقتصادية (تكسب كام أو خسرت كام) طريقة التقييم ولا يتحول المال أو حتى استعادته لهدف رئيسى، بل يتم التركيز على جذب الفئات المختلفة أو المستهدفة لتوطينها بشتى أشكال الجذب الاقتصادية أو الاجتماعية، على سبيل المثال يمكن منح الموظفين عضويات مجانية للنوادى الرياضية أو أماكن الترفيه، أو خصما بالجامعات والمدارس فى العاصمة الإدارية، ولدى مصر تجربة مهمة فى التوطين أو بالأحرى إعادة التوطين، وهى تجربة الوادى الجديد، إن المصرى مرتبط بالوادى ويخشى العيش فى الصحراء، ولذلك كان جذب المواطنين الى التوطين فى الوادى الجديد أمرًا صعبا، فقد بدا للمصريين أن العيش فى الصحراء مرعب، واستهدفت تجربة الوادى الجديد المواطنين من أسيوط وسوهاج وبقية محافظات الصعيد، ومنحت لكل مهندس أو موظف شاب «مؤهل عالى» شقة فى مجمع سكنى خاص بهم وبه حديقة كبرى، ومنح الرؤساء منهم فيللات بحدائق خاصة، أما العمال فكان لهم مجمع سكنى خاص بهم، وكان هناك ناديان اجتماعان أحدهما للموظفين والآخر للعمال، وتم تمليك الدفعات الأولى أرضا زراعيا بأسعار مخفضة جدا وبالتقسيط، وقد كان اهتمام الرئيس عبد الناصر بأهل الوادى الجديد عظيما، فقد تبرع عبد الناصر لأهل الوادى بمولد كهربى كبير من أموال الرئاسة، وذلك ليستمعوا لحفلات أم كلثوم الشهرية.

ولذلك اعتقد أن دراسة نماذج المدن والعواصم الجديدة هو ضرورة ملحة لمساعدة الحكومة على جذب فئات مستهدفة بعينها للعاصمة الإدارية بعيدا عن حسابات المكسب والخسارة.