محمد مسعود يكتب: أساطير الدراما 19 | محمود المصرى.. رحلة «محمد الفايد» التى حلت عقدة «رأفت الهجان»

مقالات الرأي




الملياردير المصرى وافق على رصد قصة حياته ثم طلب ترجمة الحلقات وعرضها على مكتب الاستشارات القانونية التابع له فى لندن

عدنان خاشقجى طلب من إلهام شاهين تحديد موعد ليلتقى مع مدحت العدل ليدلى بشهادته عن محمد الفايد

محمود عبدالعزيز طالب المؤلف بالكتابة للتليفزيون فرفض.. وموقفه يتغير تماما بعد رحلة لندن

محمد محمود عبدالعزيز لعب دور دودى الفايد.. ومدحت العدل يغير أسماء الشخصيات حتى لا يتعرض العمل للمساءلة القانونية

جمال العدل يلبى جميع الطلبات التعجيزية حتى لا يعتذر محمود عبدالعزيز

لماذا تم استبعاد شريف عرفة واللجوء لملك الدراما مجدى أبوعميرة؟

عبدالرحمن حافظ: يعنى «محمود» موجود.. وصور فعلا؟..

فى مسلسل «رأفت الهجان» حقق الفنان الكبير الراحل محمود عبدالعزيز، نجاحا ساحقا، ربما لم يحققه فنان آخر طوال تاريخ صناعة الدراما التليفزيونية، الأمر الذى حوله إلى أسطورة.. جعلت جميع نجوم الصناعة يرغبون فى العمل معه، مثل الكاتب الكبير وحيد حامد الذى رشحه لبطولة مسلسل «أوان الورد»، والكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة الذى رشحه لبطولة مسلسل «كناريا وشركاه».

ومنذ انتهاء عرض الجزء الثالث من «رأفت الهجان» للكاتب صالح مرسي، والمخرج الكبير يحيى العلمى سنة 1992، وجميع محاولات عودة الساحر إلى الدراما التليفزيونية، يكون مصيرها الفشل، فبعد اعتذاره عن «أوان الورد» لوحيد حامد وسمير سيف سنة 2000، حل محله هشام عبدالحميد، وبعدها بثلاث سنوات اعتذر عن «كناريا وشركاه» لأسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ.. بعد أن طلب أجرا يقدر بـ800 ألف جنيه وافقت عليه مدينة الإنتاج الإعلامي، والمنتج المنفذ للعمل الراحل هشام إسماعيل، لكن ثمة خلافات دبت بينه وبين الكاتب أسامة أنور عكاشة، حالت بينه وبين لعب بطولة المسلسل الذى كان من نصيب الفنان الكبير الراحل فاروق الفيشاوى.

وبعد التجربتين، علم العاملون بالوسط الدرامى أن عودة محمود عبدالعزيز بعد رأفت الهجان تكاد تكون مستحيلة، خاصة أن محمود اعتذر أيضا عن مسلسلى «الكومى وعائلة الحاج متولى»، لكن ذلك لم يمنع البعض من تقديم العروض إليه عله يوافق على العودة، وتفوز جهة الإنتاج، بسبق لن تحققه جهات إنتاج أخرى، ومرت السنوات على ذلك الحال، كان خلالها الساحر يقابل الأصدقاء من المؤلفين والمخرجين والمنتجين فى المناسبات العامة، ومنهم المنتج الكبير جمال العدل، وأثناء لقاء جمعهما أبدى له الساحر إعجابه الشديد بمسلسل «حديث الصباح والمساء» الذى أنتجه جمال العدل مع التليفزيون المصري، وأثنى على مشاركة هذا العدد الكبير من النجوم والنجمات، وقال لجمال العدل مداعبا: «مش هنشتغل بقى».

1«الحريف» مدحت العدل

كان الفنان الكبير محمود عبدالعزيز، يحاول إقناع الكاتب الكبير مدحت العدل لكتابة مسلسل تليفزيونى يلعب بطولته الساحر، ولم لا ومدحت العدل دخل إلى السينما من الباب الكبير، وبدأ الكتابة للفن السابع سنة 1992 بفيلم «آيس كريم فى جليم» لعمرو دياب، وتغيرت على يديه معالم وتفاصيل خريطة الإنتاج السينمائى بالكامل، بعد كتابته لفيلم «صعيدى فى الجامعة الأمريكية»، الذى أعلن عن انتقال بورصة الإنتاج السينمائى لعناصر شابة، بعد أن ظلت لنحو عشرين عاما تنحصر بين أفلام الزعيم عادل إمام ونجمة الجماهير نادية الجندى، علاوة على كتابة أفلام كبيرة ومهمة مثل «أمريكا شيكا بيكا، حرب الفراولة، قشر البندق، إشارة مرور، والبطل» قبل مرحلة هنيدى وجيله.

عرض محمود عبد العزيز على مدحت العدل الكتابة له.. لكن مدحت العدل كان له رأى آخر (قعد يقنعنى كتير إنى أعمل له مسلسل.. والحقيقة أنا كنت بطنش.. لأن فكرة الكتابة للتليفزيون كانت بالنسبة لى دربا من دروب الخيال.. إلى أن سافرت إلى لندن وشاهدت محمد الفايد.. ورأيت أنه يحب عمل الشو أثناء سيره.. وهنا دارت الأفكار فى رأسى.. كيف حقق هذا الكم من النجاحات فى دولة مثل إنجلترا يصعب على العرب النجاح فيها.. وبدأت تراودنى فكرة كتابة قصة كفاح هذا الرجل الناجح فى مسلسل تليفزيونى.. وبمجرد عودتى إلى مصر عرضت الفكرة على محمود عبدالعزيز، وفرح بها كثيرا وتحمس جدا.. وبدأت فى الكتابة عنه.. واتصلت به أنا ومحمود عبدالعزيز وكان وقتها فى سويسرا.. وعرضنا عليه كتابة قصته فى مسلسل تليفزيونى ووافق ورحب بالأمر).

وهنا بدأ الدكتور مدحت العدل، فى جمع كل ما كتب عن قصة وكفاح وتاريخ محمد الفايد، وقتها لم يكن موقع جوجل يوفر أية معلومات ونجح فى النهاية فى رصد قصته كاملة فى الـ 6 حلقات الأولى من المسلسل، وانتشر خبر أن العدل يكتب سيرة محمد الفايد فى مسلسل يلعب بطولته محمود عبد العزيز ليبدأ الآخرون بمساعدته بمعلومات (ساعدنى وقتها عدنان خاشقجى، وكانت شقيقته سميرة متزوجة من محمد الفايد.. واتصل بإلهام شاهين وقال لها إنه سيأتى إلى مصر، ويريد أن يقابلنى، وبالفعل جمعتنا جلسة عشاء وحكى لى كثيرا عن محمد الفايد رغم خلافاتهما.. وإكراما له ذكرت موضوع سميرة خاشقجى عرضا دون الخوض فى تفاصيل.. وبدأنا فى العمل على أساس أننا سنعرض على محمد الفايد ما كُتب.. ومعرفناش نروح له سويسرا وقتها.. فأرسل إلينا ما يفيد طلبه بإرسال حلقة حلقة إليه مع ترجمتها للغة الإنجليزية وعرضها على مكتب المحاماة الذى يعمل لديه.. ورفضنا هذا الأمر تماما.. واعتبرنا أن المسلسل عن قصة كفاح كأى قصة كفاح.. وتحررت تماما من قصته بعد الحلقة السادسة).

ظل مدحت العدل يكتب فى المسلسل سنة كاملة مر خلالها بلحظات من اليأس والحيرة.. كونها كانت التجربة الأولى له فى الكتابة للتليفزيون.. ولم يهون عليه وقتها سوى مقولة سيد الزغبى رئيس الرقابة الذى قال له ( يا دكتور.. كل حاجة بتخلص.. والمسلسل كمان هيخلص).

2بلاش شريف عرفة

قال لى الدكتور مدحت العدل أنه كتب حوالى 285 لوكيشن ضمن أحداث مسلسل «محمود المصرى» معتبرا أن ذلك كان ناتجا من قلة خبرته وقتها فى الكتابة للتليفزيون، الأمر الذى كان يحتاج وقتها إلى خبير فى حجم وموهبة الملك مجدى أبوعميرة.

لكن قبل مرحلة مجدى أبوعميرة كان هناك ترشيح للمخرج السينمائى الكبير شريف عرفة حسبما أكد المنتج الكبير جمال العدل (كان الترشيح الأول للمخرج هو شريف عرفة.. لكن أنا وقتها تخوفت.. لأن مدحت كان أول مرة يكتب للتليفزيون.. صحيح كان عامل أفلام مكسرة الدنيا وجايبة إيرادات تاريخية.. لكن الكتابة للتليفزيون تختلف تماما عن الكتابة للسينما.. علشان كده فكرة تواجد شريف عرفة كانت مخيفة لأنه لم يخرج للتليفزيون أيضا.. وكانت هتبقى مغامرة كبيرة جدا أن مخرجًا ومؤلفًا يقدمان عملا مشتركا فى التجربة الأولى لكليهما.. فاقترحت أن يخرج المسلسل مجدى أبوعميرة.. ومجدى فى ذلك الوقت كان أغلب مسلسلات سوق الدراما تعرض عليه أولا قبل أى مخرج آخر.. فوجدته متخوفا من الارتباط بالمسلسل لأن فكرة اعتذار محمود عبدالعزيز فى اللحظات الأخيرة كانت واردة الحدوث وكان قد حاول الاعتذار بالفعل.. فوعدت مجدى أبوعميرة أنه لو اعتذر محمود عبدالعزيز ولم ننتج المسلسل فإنه سيحصل على أجره كاملا).

3ملك الفيديو

عندما عرض المنتج الكبير جمال العدل على المخرج الكبير مجدى أبوعميرة إخراج مسلسل «محمود المصرى» كان ملك الفيديو بالفعل قد اختار مسلسلين لإخراجهما فى ذلك العام وتعاقد على إخراجهما بالفعل.. الأول كان من بطولة الفنانة آثار الحكيم وهو «الحب موتا» للكاتب الكبير محمد صفاء عامر، وأخرجه مجدى أحمد على بعد اعتذار أبوعميرة، والثانى «لقاء على الهوا» للكاتب محمد أشرف، وبطولة الفنانة الكبيرة يسرا.. وأخرجه محمد النجار.. بعد اعتذاره أيضا.

مجدى أبو عميرة أكد لى أنه كان سيعمل مع محمود عبد العزيز قبل إنتاج مسلسل «محمود المصرى» بعام.. وبالتحديد فى عام 2003 (وقتها كان كلمنى الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة علشان أخرج مسلسل كناريا وشركاه.. لأننى كنت قد عملت فى أعمال سابقة له كمساعد مخرج.. وكان بطل المسلسل الذى رشحت لإخراجه محمود عبدالعزيز.. وبالفعل وافقت على العمل ووافق محمود عبد العزيز.. وجمعتنا جلسات عمل ثلاثية كثيرة.. لكن لخلافات دبت بين الكاتب والبطل انسحب الأخير من العمل الذى توقف لفترة.. قررت فيها الانسحاب مع محمود عبدالعزيز.. وذهب المسلسل إلى المخرج الراحل إسماعيل عبدالحافظ ولعب بطولته فاروق الفيشاوى.. وكان كناريا وشركاه هو بداية نية التعاون بينى وبين محمود عبدالعزيز.. وعندما عرض على المنتج الأستاذ جمال العدل إخراج «محمود المصرى» وافقت لأننى سأخرج أول أعمال محمود بعد رأفت الهجان.. ووجدت جهة الإنتاج مهتمة بالمسلسل جدا.. لدرجة الاستعانة بماكير من فرنسا لعمل المرحلة الأولى للشخصية).

بعد موافقة مجدى أبوعميرة على إخراج المسلسل، بدأت جلسات العمل بينه وبين كاتب النص الدكتور مدحت العدل فى فندق السلام.. وبعد فرض محمد الفايد لشروطه التى رفضها المؤلف وجهة الإنتاج غير مدحت العدل أسماء الشخصيات حتى لا تتطابق مع عائلة محمد الفايد.

4ذكاء جمال العدل

ما إن بدأ الإعداد الفعلى لتصوير المسلسل، كان سوق الفيديو فى مصر ينتظر بين لحظة وأخرى تراجع محمود عبد العزيز عن العمل، كعادته فى أكثر من مسلسل، والحقيقة أن ما كان يحدث من قبل، لم يكن له علاقة بالتزام محمود عبدالعزيز، فهو من أكثر الفنانين التزاما واحتراما لعمله.. بينما كان دور رأفت الهجان مسيطرا عليه.. فيبدو أنه قرر ألا يصور أى عمل وألا يقدم أى شخصية أقل من رأفت الهجان.

لكن مع وجود قصة كفاح لرجل مثل محمد الفايد لم يتراجع محمود عبدالعزيز، وإن كان حاول أكثر من مرة.. آخرها قبل تصوير المسلسل بأيام عندما طلب من المنتج جمال العدل طلبات تعجيزية.. لكن جمال العدل كان أذكى من الرفض.. ووافق على جميع طلباته.. وتم عمل حفل فى شيراتون القاهرة للاحتفال بعودة محمود عبدالعزيز حضره المهندس عبدالرحمن حافظ، رئيس مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامى فى ذلك الوقت.. وبعد انتهاء بروفات الترابيزة التى جمعت محمود عبدالعزيز ونجوم المسلسل ومؤلفه ومنتجه بدأ تصوير العمل.. وجاء عبد الرحمن حافظ فى أول يوم تصوير موجها سؤاله للمنتج الكبير جمال العدل: (هو محمود عبد العزيز وصل يا جمال بك.. وصور فعلا ؟.. بجد بدأ التصوير).

كما قال لى المنتج جمال العدل كان الجميع لا يصدق أن محمود عبد العزيز سيصور مسلسلا بعد رأفت الهجان، وكان الجميع يُصدر لنا أنه سينسحب قبل بداية التصوير.. لذا سألت الدكتور مدحت العدل الذى ظل لعام كامل يكتب فى حلقات المسلسل.. وماذا لو كان انسحب محمودعبدالعزيز بالفعل.. هل كنت ستستكمل كتابة المسلسل ؟.. ( زى ما قلت فى البداية محمود هو اللى طلب منى أكتب مسلسل يلعب بطولته.. علشان كده مكنتش شاغل نفسى بأى مسائل إنتاجية.. ورغم أننى شريك فى الشركة لكن المسائل الإنتاجية من اختصاص جمال العدل هو أستاذ فى الإنتاج وأستاذ فى الإدارة.. لكن أحب أن أقول أن دائما ما تكون هناك بدائل جيدة.. هل تعلم مثلا أن فيلم أمريكا شيكا بيكا كان مكتوبا للفنان أحمد زكى.. وبعد قراءته رفض البطولة لأنه لا يريد الظهور مع مجموعة من الممثلين طوال أحداثه.. فقلت له أنكم مهاجرون فى هجرة غير شرعية ولابد أن تكونوا فريقا فلم يقتنع.. فاستعنا وقتها بالمطرب محمد فؤاد وقدم الدور بشكل أكثر من رائع رغم أنك لو فكرت للحظات هل فؤاد سيعوض أحمد زكى ستجدها غير منطقية ).

5على حافة الخطر

كان الدكتور مدحت العدل يرغب فى التأريخ لسنوات مهمة من عمر مصر، وهى سنوات التحول من حكم الرئيس جمال عبدالناصر إلى حكم الرئيس أنور السادات، وهى مرحلة لم يتم التركيز عليها فى الدراما المصرية كثيرا.. لهذا استعان بالمراجع وبحث عن المعلومات.. وكتب عن المرحلة بعد توثيق المعلومات لدرجة ذكره أسماء الطلاب المعتقلين فى مظاهرات الطلبة (فعلا كتبت أسماء محمد العدل، محمد الشبة، والدكتور أحمد عبدالله رزة، والد الفنانة بشرى، وكان قائدا للطلبة وراجعت رسالة الدكتوراه الخاصة به كاملة للحصول على معلومات، وأنا شخصيا عشت مرحلة التحول من عصر عبد الناصر إلى عصر السادات، وكنت وقتها فى الصف الثانى الثانوي، وكنت سعيدا جدا أننى نجحت فى توثيقها فى مسلسل محمود المصري، وهى المرحلة التى شهدت ظهور الجماعات الدينية والانفتاح الاقتصادى والحراك الطلابى.. وكانت مصر فيها على حافة الخطر.. وقابل الفنان محمود عبدالعزيز هذا الممثل العظيم ما كتبته بترحاب ولم يغير حرفا واحدا فى أى مشهد مكتوب).

6- كان ناصريا

فى مسلسل «رأفت الهجان» بكى محمود عبدالعزيز أثناء تصوير مشهدى تنحى ووفاة الرئيس جمال عبدالناصر، وهو ما حدث أيضا أثناء تصوير مسلسل «محمود المصرى»، حسبما قال لى المخرج مجدى أبوعميرة (محمود ظل يبكى حتى بعد أن توقفت الكاميرا.. فهو كان عاشقا للرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. وكانت من أصعب المشاهد عليه ضمن أحداث المسلسل.. محمود كان شديد الطيبة والحرص على عمله.. وكان بسيطا وغير متكبر لدرجة أنه كان يحرص على أن يجتمع جميع نجوم المسلسل فى البريك لتناول الطعام معه.. وكان يصلى الوقت بوقته.. وهو شىء لم أكن أعرفه عنه.. فأثناء التصوير إذا فاتته الصلاة.. فإنه يقضيها عند أول توقف.. وكان إنسانا وفنانًا عظيما ووجد ألفة مع فريق العمل الضخم جدا فى هذا العمل).