رامى المتولى يكتب: «قابل للكسر».. واقعية جديدة تكشف إحباط جيل كامل

مقالات الرأي




ختم المخرج أحمد رشوان فيلمه «قابل للكسر» بلوحة سوداء تحمل إهداء للمخرج الراحل محمد خان، يبدو أنه إهداء يحمل الامتنان والعرفان لواحد من فرسان موجة الواقعية الجديدة فى مصر وحنينا لعلاقة شخصية حميمة بين المخرجين، لكنه فى الحقيقة يحمل دلالات أكبر يمكن إسقاطها على فيلم رشوان «قابل للكسر» الذى يحمل روح خان فى اهتمامه الشديد برسم الشخصيات وتفاصيلها وإبرازها أكثر من اهتمامه بالحدث والدراما.

فى نفس السياق لا يمكن فصل فيلم محمد خان «عودة مواطن» عن «قابل للكسر» أو ما يمكن أن نطلق عليه رحيل مواطنه، كل شيء فى الفيلم يستدعى الحالة فى «عودة مواطن» حتى وإن كانت غير مقصودة من مخرج الفيلم، هذه الحالة تجبرنا على المقارنة بين حالة الحيرة عند المواطن شاكر (يحيى الفخرانى) وجلوسه فى المطار لا يعلم هل سيسافر حقا أم سيتراجع ويظل فى مصر؟ فى «قابل للكسر» نعرف قطعًا ومنذ البداية برحيل المواطنة نانسى (حنان مطاوع) ولا نحمل أى شك كمشاهدين فى حدوث ذلك أو حتى حدوث معجزة ما تجعلها تعدل عن قرارها، حالة الإحباط والفشل التى تحاوط كل شخصيات الفيلم تؤكد على ذلك فعلى الرغم من أنها محاطة بعدد من محبيها الذين يعوضون غياب أسرتها المهاجرة، لكن ما تراه يوميا فى الشارع يؤكد لنا بدورة أنها سترحل وتغادر بالقطع حتى وإن بدا أنها متحملة للوضع ومرنة فى التعامل معه.

الشخصيات فى الفيلم هى البطل، الحدث الأكبر هو قرار هجرة نانسى والتحضيرات الأخيرة قبل السفر الذى تأجل موعده بسبب لبنى (رانيا شاهين) الصديقة المقربة لنانسى والمنفصلة عن زوجها وتحاول إجهاض حملها منه حتى لا يربطها به أى شىء، خلافًا لذلك لا توجد أحداث فى الفيلم كبيرة فى الفيلم مجرد تفاعلات إنسانية عادية تحدث يوميًا فى عشرات الدول، ما يجعلها مميزة كونها بين مجموعة من الأشخاص يرسمون معًا جزءاً من الحياة الحالية فى القاهرة، تماما كما الحال مع عودة مواطن حيث كانت تفاصيل الشخصيات هى التى تحكى كل شىء.

إيقاع الفيلم هادئ يتناسب مع طبيعة بنائه، هذا الإيقاع أفضل معبر عن حالة الإحباط التى تقود كل شىء فى الفيلم، والذى يصور جزءاً من حياة شابة منطلقة وناجحة فى مصر، تتعرض يوميا للتحرش، يقف الدين حائلا بينها وبين الاستمرار مع حبيبها، الإحباط يصاحب كل التفاصيل حتى فى المشاهد المبهجة ستجد هذه الحالة التى طالت العديدين، إحباط الخطيب السابق مايكل (أحمد رشوان) من عدم استمرار علاقته وارتباطه برعايه والده المسن، إحباط أطراف مثلث الحب نانسى وكريم (عمرو جمال) وليلى (فاطمة عادل) الذى ينتهى بشكل مأساوى، والمستقبل ضبابى بالنسبة للبنى التى تحاول أن تبدأ حياتها من جديد و تعيد إحياء مشروعها التجارى وسط التخوف من كونها مطلقة قررت أن تخلع حجابها، وغيرها من التفاصيل الكثيرة فى الفيلم التى لا يمكن التعامل معها بشكل عابر، حيث أنها الصورة الواقعية فى العقد الثانى من الألفية الثالثة ولندرك الفارق يمكن أن نعود لعام 1986 حيث «عودة مواطن» لنتعرف على الفروق الضخمة فى عدد من المجالات خاصة وضع المرأة فى مصر.

تبدو القيود التى تكبل كل الشخصيات وكأنها ملموسة واضحة للعين، ولحد كبير تتحكم فى تصرفات هذه الشخصيات، حتى مجنون الشارع (محمد الموجى) الذى لا يملك من أمره شيئًا ويهاجم نانسى يبدو قيده واضحًا من خلال وعيد للشخص الذى يراه فى وجوه الجميع، أداء حنان مطاوع أكثر من جيد حيث استطاعت أن تصدر الاحساس بالفتاة المنطلقة الجذابة المنفتحة وفى نفس الوقت العملية التى تعانى من قولبة المجتمع بأكمله لها، بداية من خطيبها السابق مايكل وصولاً لأخت صديقتها المقربة ليلى، الكل ينظر لهذا النموذج الملون اللافت للنظر من زاوية تحمل إحباطات هو، تعلق عليها ليلى فشل قصة حبها ويحاول أن يدمرها حسين (خالد خطاب) صديق كريم لغيرته الشديدة من صديقه الذى يحاول أن يسيطر عليه دائمًا ويتعمد إذلاله، حتى هذا النموذج الملون نانسى تعانى ومن خلال تعاملاتها الإنسانية تفضح كل السلبيات حولها، وقدمت حنان مطاوع من خلال هذه الشخصية واحداً من المشاهد المفتاحية لهذا الفيلم وهو تفريغها لمنضدة الذكريات كما أطلقت عليها، مشهد صامت تحضن من خلاله ذكرياتها فى مصر وهى تضعها فى الصناديق وكأنها تدفنها مع مشاعرها، أداء صامت مميز يرسم إحباط الجيل الذى عاصر الكثير وفقد الكثير من أحاسيسه وما زال، يرغب فى المغادرة ولا يرغب فى المغادرة فى نفس الوقت، الخطوط منقطعة بينه وبين عائلته المهاجرة وفى نفس الوقت الخطوط منقطعة أيضا بينه وبين الشارع فى مصر وحبيبها الذى لن يكون لها أبدا، لذلك تبدو كل الأشياء على حد سواء، والتعامل معها يكون بحرص لأنها قابلة للكسر ولن نستطيع إصلاح ما يتعرض للكسر بالفعل.