مى سمير تكتب: كيف تعاونت الجزيرة والبى بى سى مع المخابرات الغربية لزعزعة استقرار العالم العربى؟

مقالات الرأي



المخابرات الأمريكية والبريطانية تعاقدتا مع شركات إعلامية غربية لدعم الإرهابيين بالدول العربية

إحدى الشركات حصلت على عقود بقيمة 66 مليون دولار من الحكومة البريطانية وأخرى تعرض على صحفى سورى مرتباً شهرياً قدره 17 ألف دولار لإنتاج مواد إعلامية تدعم التخريب 

كشفت وثائق مسربة اطلع عليها موقع جراى زون، عملية واسعة النطاق شنها متعاقدون حكوميون غربيون ووسائل إعلام دولية وعربية لزعزعة استقرار العالم العربى، حسب التقرير دربت أجهزة مخابرات غربية عددا من قادة المعارضة السورية، وزرعت قصصا فى وسائل الإعلام من بى بى سى إلى قناة الجزيرة، وأدارت مجموعة من الصحفيين يعملون لصالحها، عبر شبكة من الشركات المستقلة. 

ألقى الصحفى الاستقصائى بن نورتون على موقع جراى زون الضوء على مجموعة من الوثائق المسربة التى تكشف الدور الخفى الذى لعبته مجموعة من أجهزة المخابرات الغربية بالتعاون مع وسائل إعلام بما فى ذلك محطة الجزيرة القطرية والبى بى سى من أجل زعزعة الاستقرار فى العالم العربى وبالتحديد فى سوريا. 

وأوضح نورتون أنه تأكد من صحة هذه المواد المسربة بشكل غير مباشر، مشيرا إلى أن الحكومة البريطانية اعترفت بالفعل أن مئات من وثائق وزارة الخارجية التى توضح بالتفصيل عملياتها الدعائية فى سوريا قد تم اختراقها فى هجوم إلكترونى.

1- المخابرات الغربية تدير الإعلام

تُظهر الوثائق المسربة كيف طور متعاقدو الحكومة البريطانية بنية تحتية دعائية متطورة لتحفيز الدعم فى الغرب للمعارضة السياسية والمسلحة فى سوريا، عمليا تم تطوير وتسويق كل جانب من جوانب المعارضة السورية من قبل شركات العلاقات العامة المدعومة من الحكومات الغربية، من رواياتهم السياسية إلى علامتهم التجارية، ومن تصريحاتهم إلى الأماكن التى نشروا فيها هذه التصريحات. 

تكشف الملفات المسربة كيف تلاعبت الأجهزة الاستخبارية الغربية بوسائل الإعلام، وصاغت بعناية تغطية إعلامية باللغتين الإنجليزية والعربية للحرب على سوريا لإحداث تيار مستمر من التغطية المؤيدة للمعارضة، لم تؤثر شركات العلاقات العامة الغربية على الطريقة التى غطت بها وسائل الإعلام سوريا فحسب، ولكن كما كشفت الوثائق المسربة، فقد أنتجوا أخباراً زائفة دعائية خاصة بهم لبثها على شبكات التليفزيون الرئيسية فى الشرق الأوسط، بما فى ذلك بى بى سى العربية، والجزيرة، وأورينت تى فى.

تم الحصول على الوثائق من قبل مجموعة تطلق على نفسها اسم Anonymous، وتم نشرها ضمن سلسلة من الملفات بعنوان (حصان طروادة حكومة صاحبة الجلالة)، قال القراصنة المجهولون إنهم يهدفون إلى «فضح النشاط الإجرامى لوزارة الخارجية البريطانية وأجهزة المخابرات الغربية»، مؤكدين: «نعلن الحرب على الاستعمار البريطانى الجديد». 

حسب موقع جراى زون لم يكن من الممكن التحقق بشكل مستقل من صحة الوثائق، ومع ذلك، تم تتبع المحتويات عن كثب مع التقارير حول زعزعة الاستقرار وعمليات الدعاية الغربية فى سوريا من قبل الموقع، كما أشار موقع جراى زون إلى أن الحكومة البريطانية أخبرت بالفعل موقع ميدل آيست أي- موقع تابع للمخابرات التركية وممول من قطر- أن وثائق وزارة الخارجية المتعلقة بعمل مقاوليها فى سوريا قد تم اختراقها ونشرها على الإنترنت. 

فى هذا السياق، كشف تقرير من وزارة الخارجية وشئون الكومنولث فى المملكة المتحدة من عام 2014 عن عملية مشتركة مع وزارة الدفاع ووزارة التنمية الدولية لدعم «الاتصالات الاستراتيجية والبحث والرصد والتقييم والدعم التشغيلى لكيانات المعارضة السورية»، صرحت لجنة العلاقات الخارجية فى المملكة المتحدة بوضوح أن هذه الحملة تتكون من «إنشاء روابط شبكية بين الحركات السياسية ووسائل الإعلام» من خلال «بناء منصات إعلامية محلية مستقلة». 

كما خططت الحكومة البريطانية لـ «توجيه وتدريب وتحسين تقديم الخدمات الإعلامية، بما فى ذلك الوسائط الرقمية والاجتماعية»، كان هدفها «توفير مدربين للعلاقات العامة والتعامل مع وسائل الإعلام، بالإضافة إلى الموظفين الفنيين، مثل المصورين ومشرفى المواقع والمترجمين الفوريين»، إلى جانب «إنتاج الخطب والبيانات الصحفية والاتصالات الإعلامية الأخرى».

تشرح وثيقة حكومية إضافية لعام 2017 بوضوح كيف مولت بريطانيا «اختيار وتدريب ودعم وتوجيه الاتصالات للنشطاء السوريين الذين يشاركون المملكة المتحدة رؤيتها لسوريا فى المستقبل والذين سيلتزمون بمجموعة من القيم التى تتوافق مع سياسة المملكة المتحدة»، استلزمت هذه المبادرة تمويل من الحكومة البريطانية «لدعم النشاط الإعلامى الشعبى السورى فى كل من دوائر المعارضة المدنية والمسلحة»، واستهدفت السوريين الذين يعيشون فى كل من الأراضى التى تسيطر عليها المعارضة سواء المتطرفة أوالمعتدلة.

بعبارة أخرى، وضعت وزارة الخارجية البريطانية بالتعاون مع المخابرات الأمريكية خططا لشن حرب إعلامية شاملة على سوريا. 

قائمة الشركات

لإنشاء بنية تحتية قادرة على إدارة الحملة الدعائية، دفعت بريطانيا سلسلة من المتعاقدين الحكوميين، بما فى ذلك شركة ARK، والشبكة الإستراتيجية العالمية TGSN، وشركة الاتصالات المبتكرة والاستراتيجيات InCoStrat، وشركة ألبانى. 

حسب التقرير يتلاعب المقاول الحكومى الغربى ARK بوسائل الإعلام مثل الكمان، فى الواقع ARK هى أداة استخباراتية تعمل كذراع للتدخل الغربى، فى وثيقة مسربة قدمتها الشركة إلى الحكومة البريطانية، قالت ARK إن «تركيزها منذ عام 2012 كان تقديم برامج سورية فعالة للغاية وحساسة من الناحية السياسية وحساسة للقضايا الأساسية التى تهم المملكة المتحدة والولايات المتحدة والدنمارك وكندا واليابان والاتحاد الأوروبى».

تفاخرت شركة ARK بالإشراف على عقود بقيمة 66 مليون دولار لدعم الجهود المؤيدة للمعارضة فى سوريا، فى عملياتها بسوريا، عملت ARK مع مقاول بريطانى آخر يسمى شبكة الإستراتيجية العالمية TGSN، والتى يديرها ريتشارد باريت، المدير السابق لمكافحة الإرهاب العالمى فى المخابرات البريطانية.

يبدو أن شركة ARK كان لديها عملاء على الأرض داخل سوريا فى بداية محاولة تغيير النظام فى عام 2011، حيث أبلغت وزارة الخارجية البريطانية أن «موظفى شركة ARK على اتصال منتظم مع النشطاء والجهات الفاعلة فى المجتمع المدنى الذين التقوا بهم فى البداية أثناء اندلاع الاحتجاجات فى ربيع 2011». 

دربت شركة ARK جميع مستويات المعارضة السورية فى مجال الاتصالات، من «ورش عمل صحافة المواطنين مع نشطاء الإعلام السوريين، إلى العمل مع كبار أعضاء الائتلاف الوطنى لتطوير سرد إعلامى أساسى»، اعترفت ARK بأنها سعت إلى تبييض المعارضة المسلحة فى سوريا، التى كان يسيطر عليها إلى حد كبير السلفيون الجهاديون، من خلال «تليين صورة الجيش السورى الحر».

أخذت شركة ARK زمام المبادرة فى تطوير شبكة ضخمة من النشطاء الإعلاميين المعارضين فى سوريا، ونسب الفضل إليها علانية فى إلهام الاحتجاجات داخل البلاد.

داخل المراكز التدريبية فى سوريا وجنوب تركيا، « تم تدريب وتجهيز أكثر من 150 ناشطاً من قبل ARK حول مواضيع من أساسيات التعامل مع الكاميرات والإضاءة والصوت إلى إنتاج التقارير وسلامة الصحفيين والأمن عبر الإنترنت»،أغرقت الشركة سوريا بالدعاية المعارضة، فى خلال ستة أشهر فقط، أفادت ARK أنه تم توزيع 668600 من منتجاتها المطبوعة داخل سوريا، بما فى ذلك «الملصقات والنشرات والكتيبات الإعلامية وكتب الأنشطة وغيرها من المواد المتعلقة بالحملة».

فى إحدى الوثائق التى توضح العمليات الإعلامية للمقاولين البريطانيين فى سوريا، تفاخرت شركة ARK وشركة TGSN بالإشراف على الأصول الإعلامية التالية داخل البلاد: 97 مصور فيديو، 23 كاتباً، 49 موزعاً، 23 مصوراً، 19 مدرباً محلياً، وثمانية مراكز تدريب وثلاثة مكاتب إعلامية و32 مسئول أبحاث.

كما تظهر وثيقة مسربة كيف قامت شركة TGSN، بتطوير منفذ خاص بها يسمى « المكتب الإعلامى لقوى الثورة السورية (RFS)» ، وكانت الصحفية رانيا خالق، التى تشارك فى موقع جراى زون، قد حصلت على رسائل بريد إلكترونى تظهر كيف عرض المكتب الإعلامى RFS المدعوم من الحكومة البريطانية دفع مبلغ مذهل لصحفى واحد قدره 17 ألف دولار شهريا لإنتاج دعاية للمتمردين السوريين.

يُظهر سجل آخر تم تسريبه أنه فى عام واحد فقط، فى عام 2018 - والذى كان على ما يبدو العام الأخير لبرنامج ARK فى سوريا - أصدرت الشركة فاتورة مذهلة للحكومة البريطانية تصل قيمتها إلى 2.3 مليون جنيه إسترلينى. 

من جانبها دعمت شركة InCoStrat العديد من عمليات تغيير النظام المدعومة من الغرب، فى إحدى الوثائق المسربة قالت الشركة إنها ساعدت فى تدريب منظمات المجتمع المدنى على التسويق والإعلام والاتصالات فى أفغانستان وهندوراس والعراق وسوريا وليبيا، بل إنها دربت فريق من الصحفيين المناهضين لصدام حسين داخل البصرة بالعراق بعد الغزو الأمريكى البريطانى المشترك.

بالإضافة إلى التعاقد مع المملكة المتحدة، كشفت شركة InCoStrat أنها عملت مع حكومات الولايات المتحدة وسنغافورة والسويد والدنمارك وليبيا.

بعد أن دمر الناتو الدولة الليبية فى حرب تغيير النظام فى عام 2011، تم إحضار InCoStrat فى عام 2012 لإجراء أعمال إعلامية مماثلة للمجلس الوطنى الانتقالى الليبى والمعارضة المدعومة من الغرب والتى سعت للاستيلاء على السلطة.

حسب شركة InCoStrat، فقد كانت على اتصال دائم بشبكة تضم أكثر من 1600 صحفى ومؤثر دولى، واستخدمتهم لدفع نقاط الحوار المؤيدة للمعارضة داخل العالم العربى. 

تسلط الوثائق المسربة مزيدا من الضوء على مقاول حكومى بريطانى يدعى ألبانى، تفاخر ألبانى بأنها «ضمنت مشاركة شبكة محلية واسعة تضم أكثر من 55 مراسلين ومصورى فيديو «للتأثير على السرد الإعلامى وتعزيز مصالح السياسة الخارجية للمملكة المتحدة»، ساعدت الشركة فى إنشاء جماعة إعلامية سورية معارضة مؤثرة تسمى عنب بلدى، تأسست فى عام 2011 فى داريا، مركز مناهض للأسد، فى بداية الحرب، وتم تسويق عنب بلدى بقوة فى الصحافة الغربية على أنها عملية إعلامية سورية شعبية. 

على العكس من المتعاقدين الحكوميين الغربيين الآخرين النشطين فى سوريا، والذين حاولوا غالبا التظاهر بنوع من التوازن، أوضح ألبانى أن تقاريرها الإعلامية لم تكن أكثر من دعاية. 

2دعم الإرهابيين

العديد من هذه الجماعات المعارضة المدعومة من الغرب فى سوريا كانت من الإرهابيين السلفيين المتطرفين، بعض المتعاقدين مع حكومة المملكة المتحدة الذين تم الكشف عن أنشطتهم فى هذه الوثائق المسربة كانوا فى الواقع يدعمون جبهة النصرة السورية التابعة لتنظيم القاعدة وفروعها الإرهابية. 

عملت هذه الشركات الممولة من المملكة المتحدة كمندوبى علاقات عامة بدوام كامل للمعارضة المسلحة السورية التى يهيمن عليها المتطرفون.

صاغت شركة ARK، إستراتيجية «لإعادة تصنيف» المعارضة المسلحة السلفية الجهادية السورية من خلال «تلطيف صورتها». تفاخرت شرطة ARK بأنها قدم دعاية للمعارضة «تبث كل يوم تقريبا».

تؤكد هذه الوثائق دور المقاول ARK، الذى يتعاون مع الحكومة البريطانية والأمريكية، فى الترويج للجماعات المتطرفة والمرتبطة بالتنظيمات الإرهابية مثل حركة الخوذ البيضاء فى وسائل الإعلام الغربية. أدار ARK حسابات الخوذ البيضاء على وسائل التواصل الاجتماعى، وساعد فى تحويل المجموعة الممولة من الغرب إلى سلاح دعاية رئيسى للمعارضة السورية.

3- محطة الجزيرة 

قامت هذه الشركات بتدريب وتقديم المشورة لقادة المعارضة السورية على جميع المستويات، من نشطاء الإعلام الشباب إلى رؤساء الحكومة الموازية فى المنفى، كما نظمت هذه الشركات مقابلات مع قادة المعارضة السورية على وسائل الإعلام الرئيسية مثل بى بى سى والقناة الرابعة فى المملكة المتحدة. 

كما تكشف الوثائق، كيف تم تدريب أكثر من نصف المراسلين الذين استخدمتهم قناة الجزيرة فى سوريا فى برنامج مشترك بين الحكومة الأمريكية والبريطانية يسمى بسمة، والذى أنتج المئات من النشطاء الإعلاميين المعارضين السوريين. 

حسب الوثائق تم تدريب تسعة من المراسلين الستة عشر التابعين لمحطة الجزيرة فى سوريا من خلال برنامج بسمة للحكومة الأمريكية البريطانية، كما تفاخرت شركة ARK فى وثيقة مسربة.

تم تنظيم الحرب الإعلامية للمعارضة السورية فى إطار مبادرة بسمة. عملت شركة الاتصالات ARK مع متعاقدين حكوميين غربيين آخرين من خلال برنامج بسمة لتدريب نشطاء المعارضة السورية.

وبتمويل من حكومتى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تطور برنامج بسمة ليصبح منصة مؤثرة بشكل كبير. تضم صفحتها العربية على الفيسبوك أكثر من 500 ألف متابع، وعلى موقع يوتيوب، اكتسبت أيضا عدداً كبيراً من المتابعين.

صورت وسائل الإعلام التابعة لهذه الشركات مبادرة بسمة بشكل مضلل على أنها «منصة صحافة المواطن السورى» أو «مجموعة مجتمع مدنى تعمل من أجل» انتقال تحررى تقدمى إلى سوريا جديدة». 

تتكون الوثائق المسربة أساسا من المواد المنتجة تحت رعاية وزارة الخارجية البريطانية والكومنولث، تم التعاقد مع جميع الشركات المذكورة كما تكشف الوثائق المسربة من قبل الحكومة البريطانية، ولكن العديد منها كان يدير أيضا «مشاريع متعددة المانحين» حيث تلقت هذه الشركات تمويل من حكومات الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية الأخرى.

بالإضافة إلى إظهار الدور الذى لعبته هذه الشركات التابعة إلى الاستخبارات الغربية فى تشكيل التغطية الإعلامية، تسلط الوثائق الضوء على برنامج الحكومة البريطانية لتدريب وتسليح الجماعات المتمردة فى سوريا، ختاما أشار موقع جراى زون إلى أن هذه الملفات المسربة هى تذكير بالدور القيادى الذى لعبته الدول الغربية وشركاتها المستفيدة من الحرب فى التدمير المنظم للعالم العربى.