يوسف وهبي.. أول فنان حاول تجسيد الأنبياء في أعماله.. والملك فؤاد هدد بسحب جنسيته

الفجر الفني

بوابة الفجر



تحل اليوم ذكرى عميد المسرح العربي يوسف بك وهبي، أحد الرواد الأوائل في مجال السينما والمسرح.

كان ينوى يوسف وهبي، تجسيد شخصية سيدنا محمد في فيلم سينمائي عام 1926 وواجه معارضة وهجومًا شديدًا وصل إلى حد التهديد بسحب جنسيته وأن هذه المحاولة كانت سببًا في إصدار الأزهر لفتواه بتحريم تجسيد الأنبياء والصحابة.

نشرت صحيفة الأهرام فى مايو من عام 1926 مقالًا للكاتب عبد الباقي سرور بعنوان: "كيف يصورون النبى محمدًا"، أشار فيه إلى أن شركة ماركوس الألمانية، وبتمويل مشترك مع الحكومة التركية، اتفقت مع يوسف وهبي، على أن يقوم ببطولة عمل فني يجسد رواية النبي محمد.

وذكر في المقال أن يوسف وهبي التقط لنفسه صورًا فوتوغرافية تظهر الشكل الذي ابتدعه لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وأكد أن مجلة المسرح نشرت موضوعًا تشير فيه إلى أن هذه الصورة تشبه صورة راسبوتين.

وقال كاتب المقال: في عرف يوسف وهبي، يكون نبينا محمد رسول الله، وحامل علم الدين الإسلامي وناشر كلمته، يشبه تمامًا راسبوتين، فما رأي علماء الدين الأجلاء في هذا العمل؟

وتابع: "ما مبلغ علم يوسف وهبي، بالدين وأخلاق النبي عليه السلام وصفاته حتى يقدم على إبراز شخصيته ؟ ألا يعد هذا تهزيئا مؤلمًا، وإهانة جارحة لكل المسلمين؟، هذا التجسيد يعد تشهيرًا بالنبي وتحقيرًا لشأنه، واستهزاء بدينه، وإساءة لمعتنقي دعوته وحطا من كرامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

قرأ يوسف وهبي، المقال وانزعج منه بشدة، وقام بالرد عليه في اليوم التالي قائلًا: "اطلعت في عدد الأمس على مقال كتبه مسلم غيور وبه يشكو لولاة الأمور عن عزمي تمثيل رواية النبي محمد بشكل وهيئة لا تليق بكرامة النبوة ولا تتفق مع عظمة الدين، وأنني طبقا لما نشرته مجلة المسرح صورت شخصية النبي كشخصية الراهب الدنىء راسبوتين".

وتابع: "الخبر كاذب، ولا أصل لها إلا التشويه والطعن من مجلة أخذت على عاتقها تقبيح كل حسن والنيل من كرامة كل عامل على خدمة وطنه، إنني إذا كنت قد رضيت أن ألعب هذا الدور فليس إلا لرفعة شأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتصويره أمام العالم الغربي بشكله اللائق به وحقيقته النبيلة، وليس الغرض من هذا الفيلم سوى الدعوة والإرشاد للدين الإسلامي".

وأضاف: "ليثق سيدي الغيور أنني أول من يعمل على رفعة شأن ديننا الحنيف، ولكن رجائي إليه ألا يصغى لأقوال ترهات قوم عُرفوا بالخديعة والملق".

وكشف يوسف وهبي، عن قصة الإتفاق على الفيلم قائلًا: "زارني بمسرح رمسيس الأديب التركي وداد عرفي، وقدم لي شخصًا يدعى الدكتور كروس، وأفهمني أنه شخصية لها وزنها، وأنه رسول عاهل تركيا الرئيس أتاتورك ومستشاره الخاص وجنسيته ألمانية".

وتابع: "طلب مني أن أحدد موعدًا معه لأمر مهم جدًا، وعلمت في اللقاء أن "كروس" يمثل مؤسسة سينمائية ألمانية مشهورة، وأنه حصل على موافقة رئيس الجمهورية التركية لإنتاج فيلم إسلامي ضخم كدعاية مشرفة للدين الإسلامى الحنيف وعظمته وسمو تعاليمه، تشارك في نفقاته الحكومة التركية باسم محمد "صلى الله عليه وسلم" وأنه أعد السيناريو، وصرحت بتصويره لجنة من كبار علماء الإسلام في اسطنبول.

وتوجه يوسف وهبي، بكلامه في هذا الرد إلى رجال الدين، وطالبهم بإرشاده إلى الصواب وأن يقولوا له هل يقوم بهذا الدور أم يرفضه، مؤكدًا أنه إذا رفض فسيقوم بهذا الدور ممثل أجنبي لا يهمه من أمر الدين شىء.

وفي نهاية الرسالة أكد يوسف وهبي، أنه سيرفض القيام بالدور عن طيب خاطر حتى لو كان سيجني من ورائه أرباحًا طائلة، إذا رأى العلماء ذلك، وأنهى الرسالة بقوله: ليعلم إخواني المصريون أن شعاري ديني قبل كل شىء.

واجه يوسف وهبي، ضغوطًا كبيرة بعد نشر المقال بعد تداول أخبار بأنه وقع عقد الفيلم بالتعاون مع المخرج وداد عرفي.

أرسل شيخ الأزهر خطابًا إلى وزارة الداخلية يطالبها بالتحقيق معه ومنعه من القيام بالدور حتى لو اقتضى الأمر منعه من السفر، كما طالب بأن تخاطب مصر حكومة باريس، لمنع تمثيل هذه الرواية.

واستدعت وزارة الداخلية يوسف وهبي، وحققت معه وأرسلت ردًا للمشيخة يؤكد فيه أنه سيعتذر في الصحف عن قبول الدور، وأرسل الملك فؤاد تحذيرًا شديدًا ليوسف وهبي، وهدده بسحب الجنسية.

وقبل انتهاء شهر مايو نشرت صحيفة الأهرام بيانا باسم يوسف وهبي، قال فيه: "بناء على قرار أصحاب الفضيلة العلماء واحترامًا لرأيهم السديد، أعلن أنني عدلت عن تمثيل الدور وسأخطر الشركة بعزمي هذا".