بطرس دانيال يكتب: الصلاة نداء الحُب

مقالات الرأي




يوصينا السيد المسيح قائلاً: «وإذا صلَّيْتُم فلا تُكَرِّروا الكلامَ عَبَثاً مثل الوثنيين، فهُم يَظُنُّون أنَّهُم إذا أَكْثَروا الكلامَ يُستجابُ لهم. فلا تتَشبَّهوا بهم، لأن أباكُم يَعلَمُ ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه» (مت 6: 7-8). لا يستطيع الإنسان أن يحيا بدون صلاة، ولكن للأسف كم من الأشخاص الذين لا يصلّون إلا وقت الاحتياج إلى الله؟ فإذا نالوا ما تمنّوا، ماتت الصلاة على شفاهم وفى قلوبهم، لأنهم لا يدركون بأن الصلاة هى حوار بين الله وأبنائه. هل نقبل بأن الابن لا يتحدث مع والديه، إلا إذا كان فى حاجةٍ إليهما؟ كم من الأشخاص الذين يصلّون عندما يمرضون، لا حبّاً بالله أو قياماً بواجب الصلاة؛ ولكن طمعاً فى الصحة والعافية، كأنما الله بالنسبة لهم طبيب يقصدونه للعلاج مقابل صلوات يدفعونها له! مما لا شك فيه أن الله هو الطبيب الشافى لجميع أمراضنا، ولكنه قبل كل ذلك هو أبٌ حنون يعرف ما نحتاج إليه. وهناك آخرون يصلّون فقط إذا ما أصابهم الفقر والبطالة، كما لو أن الله فى نظرهم صاحب مكتب تموين وتوظيف فقط. ويوجد مَنْ يصلّون طلباً للنجاح سواء فى الامتحانات أو فى مشاريعهم الخاصة، أو لينجيهم من الشدة والضيق، أو ليحل مشاكلهم. هؤلاء وغيرهم يلجأون إلى الله عندما يمرون بأزمة أو يشعرون باحتياج، وخلاف ذلك لا يتذكرون الله. يُحكى أن كاهناً قديسا يعيش بإحدى قرى إيطاليا، لذلك كان سكان تلك القرية يلجأون إليه عندما يمرون بأزمةٍ أو يشعرون باحتياج، فكان يختلى فى ركنٍ من الغابة ويرفع لله صلاةً خاصة، فكان يستجيب له ويحقق كل ما يريدون. ثم انتقل الكاهن من هذا العالم، فكان هؤلاء يذهبون إلى خليفته؛ ولكنه لم يكن قديساً، بل كان يعرف الركن السرى والصلاة المناسبة، فكان يردد هكذا: «يا الله، أنت تعلم أننى لستُ قديساً، ولكن هذا لا يمنعك من مساعدة شعبى؟ استمع لصلاتى وأسرع إلى نجدتنا». فكان الله يستجيب لهذه الصلاة ويحقق لهم كل شىء. وبعد انتقال هذا الكاهن أيضاً، كانوا يهرعون لخليفته الذى كان يعرف الصلاة ولكنه لم يكن يعرف المكان، وكانت كلماته هكذا: «يا رب، ما فائدة هذا المكان أو غيره بالنسبة لك؟ أليس حضورك يُقَدّس كل مكان؟ أرجو أن تستمع لصلاتى وتأتى لخلاصنا». فاستجاب الله لصلاته وحقق لهم طلباتهم. ثم رحل هذا الكاهن، فكانوا يلجأون إلى خليفته الذى لم يكن يعرف الصلاة ولا المكان؛ فكان يكلّم الله هكذا: «يا رب، أنت لا تهمّك الصيغة؛ ولكن صراخ المسكين والبائس؛ إذاً استجب لتوسلاتى وتعالى لمعونتنا». وسمع الله أيضاً لهذه الصلاة وحقق لهم رغباتهم. وبعد رحيله، كانوا يستنجدون بخليفته، ولكنه كان مُحبّاً للمال وكان يعاتب الله فى صلاته قائلاً: «إذا كنت تعلم احتياج هؤلاء؛ لماذا لا تستجيب لهم دون صلاة؟ فافعل ما تشاء»، فاستجاب الله لهم أيضاً وقدّم معونته لهم. إذاً فالصلاة هى حديث الإنسان مع أبيه السماوى! فالأبوّة وحدها تجعلنا نُدرك معنى وصية الله التى تأمرنا بأن نصلى دائماً. وإذا اعترض البعض على هذا قائلين: «ما الفائدة من صلاتنا إن كان الله يعرف ما نحتاج إليه قبل أن نسأله؟» مما لا شك فيه أن الله يعرف كل هذا، وبما أنه أبٌ حنون، يريد منّا أن نتحدّث إليه، فالحديث يجلب السعادة للمحبين، ومَنْ يُحب بصدقٍ وأمانة، لا يشبع أبداً من حديث المحبوب، فكلاهما يشعران بالسعادة. ونجد هذا فى العلاقة بين الوالد والأبناء، فالطلب لم يعد سؤالاً من أجل الحاجة، بل دليل ثقة واعتراف بالأبوّة. إذاً فالصلاة هى نداء الحُب، والمحبّون الصادقون يدركون معنى الصلاة ولا يشبعون منها. ويقول الفيلسوف كيركيجارد: «الصلاة هى بمثابة التنفس للإنسان... فمن البلادة والبلاهة أن تسأل: لماذا يصلى الإنسان؟ بل أسالك أنا: «لماذا أنت تتنفس؟» فتجيب: «إذا لم أتنفس، أموت. وكذلك إذا لم تُصلِّ تموت روحياً، أى يختل توازنك النفسانى ....». أى شرف لنا أن نتحدّث مع الله أبينا؟! وكم من النعم والبركات يغمرنا بها؟! إذاً فالصلاة ما هى إلا حديث بنوى بين الله والإنسان، كما أنها تبدد الظلام وتضىء النفس وتنعش القلب. ويقول فيلسوف الصين العظيم كونفوشيوس: «صلاتى هى حياتى»، ويقصد بهذا أنه لا يستطيع العيش بدون صلاة. كم ستتغير حياتننا للأفضل عندما نحياها بالصلاة والقرب من الله؟ ونختم بكلمات أفلاطون: «إن أحسن ما نعمله لجعل حياتنا مشرقة وثمينة، هى أن نحياها تحت أنظار الله».