طارق الشناوي يكتب: أغاني مهرجانات بأسلوب العندليب

الفجر الفني

بوابة الفجر


عندما سألنى الإعلامى عمرو عبدالحميد عبر برنامجه «رأى عام» بفضائية «تِن» عن موقف عبدالحليم لو أدرك زمن أغانى المهرجانات.. أجبته بلا تردد: سوف يغنى «مهرجانات» بأسلوب عبدالحليم. أتذكر أننى سألت الموسيقار كمال الطويل عام 1999 فى إطار الاحتفال بمرور 70 عاما على ميلاد عبدالحليم ومع بداية انتشار أغانى (الفيديو كليب): لو كان عبدالحليم بيننا، ما الذى كان سيفعله الآن؟، أجابنى: سوف يغنى مؤكد (فيديو كليب).


الفنان لا يناصب الزمن العداء، ولكنه يأخذ منه ما يتلاءم معه ويضفى عليه مذاقه الخاص، هكذا نجد الكبار قادرين على استيعاب المفردات الجديدة وهضمها جيدا ثم تقديمها.

أم كلثوم.. رغم تواجد عمالقة بحجم رياض السنباطى والشيخ زكريا أحمد ومحمد القصبجى، إلا أنها قررت أن تغنى عام 1960 لشاب لم يبلغ بعد الثلاثين من عمره بليغ حمدى وكلمات شاب آخر عبدالوهاب محمد أصغر منه بعامين، وبروح تقترب من المونولوج رددت بكل تحدٍّ (حب إيه إللى إنت جى تقول عليه).

حالة الخصام مع الجديد والتعالى على ما يردده الناس هى بداية الانفصال عن الشارع، ويعقبه الشعور بالهزيمة، وهو ما يعانى منه قطاع ضخم من المطربين حاليا، ولهذا يوجهون غضبهم لأغانى المهرجانات.

عبدالحليم مثل أستاذه عبدالوهاب يتابع كل شىء، ربما لا يفصح عن ذلك مباشرة ولكنه يدرس ويراجع.. وهكذا مثلا تواجد فى حفل لأحمد عدوية عام 76، ولم يكتف فقط بهذا القدر، ولكنه أيضا غنى (السح الدح امبوه)، وروى نور الشريف أنه فى مرحلة أسبق شاهده يذهب إلى أحد الفنادق لمتابعة محمد نوح وهو يغنى (مدد مدد شدى حيلك يا بلد).

دراسة نجاح الآخرين والاستفادة منه لا يعنى ذلك أن الفنان سيفقد شخصيته، ولكنه سيحيل كل شىء إلى مذاقه ومنطقه الفنى، لأنه لو لم يدرك أن المسافة تتسع مع الجمهور سيجد نفسه خارج الزمن، من الممكن أن يتجاوز الواقع خيال الفنان، أو يستشعر أنه غير قادر على التماهى كليا معه، إلا أنه لا ينعزل تماما عنه.. وهكذا مثلا وافقت أم كلثوم بعد تردد على أن يصاحبها على المسرح أوكورديون فاروق سلامة وجيتار عمر خورشيد وأورج هانى مهنا ومجدى الحسينى، وعندما حاول بليغ حمدى فى واحدة من أغنياته العاطفية أن يدخل الربابة والمزمار قالت له: (اعمل جِنانك ده بعيد عنى)، ولكنها أخذت منه بعض الجِنان الذى يتوافق معها، وهو ما أثبتت الأيام أنه عين العقل.

ترشيد الطاقة هو ما ينقصنا فى كل مناحى الحياة، مثلما تفعل نقابة الموسيقيين التى تركت أكثر من 30 ألفًا، هم الأعضاء الذين ينتمون لها، ولدى كل منهم عائلة من أربعة أو خمسة بلا مورد رزق بعد توقف النشاط الغنائى، ولا تفكر النقابة فى المواجهة ووضع الحلول.. هل لدى النقابة خطة لضمان حياة كريمة لأسر هؤلاء الفنانين من خلال تنمية مواردها؟. أصدرت الدولة، مؤخرًا، قرارها بالسماح بعودة الحفلات الغنائية، وهذا يعنى أن الحياة الغنائية فى طريقها للتعافى، فما الذى أعدته النقابة لإنقاذ أعضائها من البطالة، أم أنهم لا يزالون يبددون الطاقة فى معاركهم الخائبة؟!!.