دكتور خالد صلاح: "كان يا مكان..."

مقالات الرأي

بوابة الفجر



كان يا مكان ليست مقدمة لحكي قصة.

وليست بداية لكي أحكي لكم رواية.

وإنما كان يا مكان عبارة عبّرت في فترة من الفترات الماضية التي مرت على التاريخ المصري أسلوب حياة في التربية الخُلقية التي أشتقنا إليها في التاريخ المعاصر.

فاالتربية الخُلقية عنصراً أساسياً من عناصر وجود المجتمع وبقائه ومقوماً جوهرياً من مقومات كيانه وشخصيته, فالأخلاق وما تنطوي عليه من قيم ومبادئ تعمل على تنظيم علاقات أفراد المجتمع الذي ينتمون إليه، والتربية الخلقية ضرورية للمجتمع ضرورتها للفرد إذ تجعل أفراده متماسكين ضمن إطار اجتماعي واحد، فهي ضرورية للفرد كي يستطيع تحقيق التكيف الاجتماعي؛ لأنها تمكنه من الانتقال من الاهتمامات الأنانية إلى المسؤوليات الاجتماعية وتجعله فرداً صالحاً يدرك حاجات الآخرين وكيفية التعامل معهم ويتحمل مسؤوليات أعماله.

والنمو الأخلاقي ما هو إلا عملية نمو للبناء العقلي نتيجة تفاعل الفرد وخبراته مع بيئته الخارجية, وعملية النمو هذه مرتبطة بالعمر على شكل تغيرات متتابعة عامة تشمل جميع الأفراد تقريباً وتبدأ من مرحلة ما قبل الفهم الأخلاقي والأحكام الأخلاقية حيث يحاول الفرد أن يمارس دوره في المجتمع فيبدأ بمحاولة فهم علاقته مع الآخرين وإعادة تنظيمها بشكل مستمر وفي أثناء تنظيم علاقته يتمثل المتغيرات في بيئته الاجتماعية ويلائم بناءه المعرفي معها ليصل إلى حالةالتوازن المنشود.

وتعليم التربية الخُلقية وتطور النمو الأخلاقي يتم من خلال التنشئة الاجتماعية إبتداءً من الأسرة ومروراً بالمدرسة بمراحلها المختلفة وإنتهاءً بالتعليم الجامعي والخبرات التي يكتسبها الفرد خلال هذه المراحل ويتفاعل معها ويفهم جيداً نتيجة أفعاله وسلوكاته.

ومن الغريب أن في القدم وليس قديماً كثيراً بل من حوالي ثلاثين عاماً كان يمارس أجدادنا أسلوب تنمية التربية الخلقية من خلال أسلوب الحكي وقص الرويات والقصص التي تعظّم شخصية البطل الذي كان نموذج للأمانة والشهامة وكل صفات الأخلاق الحميدة ودوماً كان الخير الذي ينتصر,

وهذا الأسلوب الفطري خرّج في المجتمع من ابناء جيلي الصيدليين الحقيقين وأساتذة الجامعات المثقفين والمرموقين والأطباء البيطريين أصحاب المبادئ وقادة الجيش.

وعندما اختفت هذه العادة التربوية في تربية الأطفال؛ ظهرت كل السلبيات والمساوئ في حياة القرية.

عندما أختفت وسائل التربية الخلقية ظهر إنعدام الضمائر في الأعمال والمهن الانسانية العليا, فلم نعد نرى أمثال الاستاذ إسحق والأستاذة نبيلة والأستاذ صوفي والأستاذ حمدي مدرسي المرحلة الإبتدائية بمدرسة الريفية الفترة المسائية, عليهم مني لحيهم وميتهم أنا وأبناء جيلي كل تحية وسلام.

وعندما اختفت أساليب التربية الخُلقية ومنها أسلوب الحكي ظهر جيل الأسطورة في ردود أفعاله والبرنس في انتقامه.

ولمًا أختفت أساليب التربية الخُلقية السليمة ظهر عدم الوعي حتى في التعامل مع ابناءنا ومساعدتهم أن يقرروا اختيار مستقبلهم بأنفسهم بما يتوافق مع قدراتهم, وتسابقنا في أن نلحقهم بكليات الصيدلةبالجامعات الخاصة نكاية في قريب أو صديق وهم لا يعلمون أن نسبة صيادلة مصر تعددت النسبة العالمية بخمس أضعاف.

عندما غابت أساليب التربية الخُلقية السليمة ظهر بيننا الطبيب الفاشل الذي لا يحسن آداب مهنته إنسانياً ولا مهنياً في التشخيص والعلاج.

عندما غابت التربية الخلُقية السليمة ظهر عدم الوعي لدى البعض في اختيار نوابهم في المجالس النيابية وهجر ابناء القرية والالتفاف حول مرشحين من خارج القرية نكاية في ابن بلدهم وفي عائلته أو غلبة للمصالح الشخصية أو العائلية.

عندما غابت أساليب التربية الخُلقية السليمة تراكمت النفايات عند المقابر وكأننا نعاقب اباءنا في قبورهم ولا نراعي حرمة لهم.

عندما غابت التربية الخُلقية ظهرت خيانة الأمانة وعدم مراعاة حقوق الجار المادية والمعنوية.

عندما غابت أساليب التربية الخٌلقية السليمة في قرية أكتظت بأصحاب المناصب التنفيذية ولم يساعدوا قريتهم حتى في أبسط الأشياء والتمتع بالحقوق الانسانية المشروعة.

عندما غابت التربية الخُلقية السليمة غابت الضمائر حتى مع ذوي الاحتياجات الخاصة وظهرت مراكز للتربية الخاصة ذات الغرفتين والصالة وكوادرها وأصحابها لا يحملون إلا دبلومة شهرين وهم لا يعلمون أن الأمر ليس بالسهولة ويجب مراقبة ضمائرهم في ذلك فلم يشفع لي خبرة خمسة عشر عاماَ في العمل بهذه المهنة الدراسات التكميلية بعد الليسانس إلا بتكليل جهودي بالماجستير والدكتوراة لكي اكون سبباً في تخفيف معاناتهم ومعاناة أسرهم.

فيا كل أب ويا كل أم أغرسوا في ابناءكم الأخلاق الرفيعة وعلموهم أن بالأخلاق ترتقي الأمم" إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، صلاح أمرك للأخلاق مرجعه، فقوّم النفس بالأخلاق تستقم، إذا أُصيب القوم في أخلاقهم، فأقم عليهم مأتماً وعويلا.

ويا كل معلم ومعلمة ربوا تلاميذكم على الأخلاق الحميدة فالتربية قبل التعليم.

ويا أبناء قريتي العقلاء تعاونوا في ما بينكم على الخير واختاروا مجلساً للحكماء من بينكم يقرر من ترشحون من ابناء القرية لمجلس النواب وألتفوا حوله وحاسبوه إذا لم يحقق آمالكم.

ويا أهلي في جميع انحاء البلدة علموا ابناءكم نتيجة الأخلاق الحميدة وأحكوا وقصوا عليهم حكاية قدوة حسنة يقتدوا بها، لأن من أساليب التربية الخُلقية كان يا مكان.

للتواصل مع كاتب المقال: [email protected]