بطرس دانيال يكتب: كيف أكون توماس إديسون

مقالات الرأي



يعلّمنا القديس بولس الرسول الاحترام المتبادل بين الآباء والأبناء قائلاً: «أيُّها الأبناء، أطيعوا والديكم فى الرب... وأنتم أيُّها الآباء، لا تُغيظوا أبناءَكم، بل أدِّبوهم بتأديب الرَّبِّ ووَعْظهِ» (أفسس 6: 1-4). مما لا شك فيه أن الاحترام والتشجيع مع التأديب للأبناء عنصرٌ مهم للنهوض بالأسرة وخلق جيل جديد مبنى على الأخلاق والحُب والإبداع والنجاح فى مختلف المجالات. يجد الوالدان صعوبة لتوجيه أبنائهما نتيجة سيطرة التكنولوجيا الحديثة التى يلجأ إليها الأبناء معتبرين إياها المصدر الوحيد لتثقيفهم وتعليمهم ونموّهم، لذا يجب على الوالدين الانفتاح على هذه الوسائل لمساعدة أبنائهما على استخدامها بالطريقة الصحيحة والمُثلى. ولا ننكر أسلوب التشجيع من الآباء للتأثير على أبنائهم وتربيتهم بطريقةٍ صحيّة وسليمة. مَنْ يستطيع أن ينسى هذا المثال الرائع وبطلته أم حَزِنَ قلبها وتألمت كثيراً عندما طردوا ابنها من المدرسة، فذهبت إلى مُدرّس مادة الرياضيات المتسبب فى هذه المحنة، ثم قالت له بعاطفة الأمومة المتألمة والمكلومة: «إن فى عقل طفلى من الذكاء أكثر مما فى عقلك وعقول جميع المدرسين، وسأثبت لك هذا. ورجعت إلى منزلها لتتولى بنفسها تعليم ابنها، فعكفت على تنوير ذهنه، وتهذيب مخيلته، إرهاف حسّه، بكل ما تمنحه إياها الأمومة من تضحية وصبر وحُب، وبكل ما تملك من خبرة طويلة فى مهنة التدريس التى زاولتها قبل وبعد الزواج. كما أنها حرصت كل الحرص على تلقينه سِيَر المخترعين وعظماء الرجال، ومرت السنون سريعاً، وما إن بلغ ابنها وأصبح رجلاً حتى خلّد اسمه بمئات الاختراعات التى أفادت البشرية جمعاء، إنه العبقرى العظيم توماس إديسون. ومن الغريب ما قاله عنه المعلمون حين قرروا طرده: «إما أن يكون عبقرياً أو مجنوناً». ولكن أمّه مثل كل أمٍّ واعية، هى خلاّقة، صنعت منه عبقرياً، حتى إن إديسون كتب عنها هذه الكلمات: «لو لم تكن هذه المرأة أمى، لتغيّرت حياتى تماما، فهى علّة وجودى بعد الله وخالقة كيانى. لولاها ما رأيتُ نور الوجود، ولا تعلّمت ولا أصبحت ما أنا عليه، فهى خالقتى بعد ربى، وكانت مُدَرّستى وملهمتى، وأنا من أجلها درست وعملت وتفوقت وعشت لأقدّم لها وللإنسانية عُصارة فكرى ونشاطى ونجاحى». فالأمومة والأبوّة هما قبل كل شىء الاهتمام بنفوس الأبناء والسهر على أخلاقهم، وتذكيرهم بوجوب مخافة الله واحترام الآخرين، فالوالدان يتحمّلا كل شىء فى سبيل أبنائهما ليصنعا منهم جيلاً عظيماً من أجل خير المجتمع والأسرة والبشرية. ومما لاشك فيه أن تأثير المحيط العائلى على عقلية وسلوك الأبناء لا مثيل له، لذلك يجب على الآباء والأمهات ألا يتهاونوا فى تربيتهم وتركهم لأمواج وعواصف الصداقة المزيفة، بل يجب عليهم أن يعملوا على توعيتهم وتنويرهم فى اختيار الصديق المثالى الذى يساعد على البناء لا الهدم، حتى لا يتشكّوا من فساد الأخلاق وانحلال الأبناء. فالعلاج الوحيد لمستقبل هذا الجيل هو دور الأسرة فى تعليم الأبناء معنى البطولة الحقّة والشرف والإنسانية والأخلاق النبيلة وخوف الله، كما يجب عليها أن تعوّدهم على حُب الكدّ والاجتهاد، والنظرة الثاقبة والفاحصة فى مباشرة دراستهم وأعمالهم، ومعرفة واجباتهم إجمالاً وتفصيلاً، ويقوموا بها على أكمل وأحسن وجه. وعندما تبدأ التربية الأخلاقية فى الأسرة بواسطة الوالدين ستكون عندئذٍ أعلق بالنفس وأكثر تأصلاً وأبعد أثراً، ولا سيما إذا عرف الأهل أن يقرنوا الأقوال بالأفعال، وكما نعرف جيداً أن أطفال العالم يغلقون آذانهم عن النصيحة ويفتحون أعينهم على المَثَل الصالح، لذلك فالقدوة الصالحة للوالدين تترك أثراً بالغاً فى مستقبل أبنائهما، ولن تستطيع الأيام والسنون أن تمحو آثار تعاليم وأفعال الآباء والأمهات وتقواهم ومحبتهم المتبادلة والتحلّى بالصدق والاستقامة. لكن عندما يخلق الأهل جواً من الخصومة والشجار فى البيت ولا يبالون بالكذب أمام أبنائهم، أو التفوّه بكلامٍ بذىء ونهش أعراض الناس أو الغش فى المعاملة؛ سيخلقون جيلاً فاسداً على غرارهم، وبهذا السلوك يرتكبون جريمة فى حقهم وحق المجتمع. إذاً يجب على الأهل أن يدركوا جيداً أهمية التربية السليمة التى تساعد أبناءَهم فى ترك أثراً عميقاً فى مستقبلهم وسعيهم للعمل البنّاء والرسالة الناجحة التى تميّز كل شخصٍ عن الآخر، كما أنهم يستطيعون أن يلعبوا دوراً فعّالاً فى مصير وطنهم. لذلك فالمحيط العائلى له تأثير مهم على عقلية وتصرفات وسلوك الأبناء، كما أنه يترك دَمْغَته وبصمته فى حياتهم. ونختم بالقول المأثور: «يجب أن تبدأ تربية الطفل قبل ولادته بعشرين أو ثلاثين عاماً، وذلك بتربية والديه».