طارق الشناوي يكتب: "سُمعة".. ظلمه البشر وأنصفه التاريخ

الفجر الفني

بوابة الفجر


فى غرفة نوم الفنان الكبير الراحل حسن حسنى كان يحتفظ بتمثال يبدأ يومه بعد أن يُقرئه السلام، إنه إسماعيل يسن، ضحكة عابرة للأجيال، لا يزال فيه حاجة تُسعد القلوب، الزمن كان قاسيًا عليه، ولكنى أستعيد بيت الشعر للإمام الشافعى (نعيب زماننا والعيب فينا.. وما لزماننا عيب سوانا).

لم يلق بالاً لحساب للزمن، الكوميديا فن سريع التغير لأنه مرتبط بأى تغير اجتماعى يؤثر على مفردات التخاطب، يجب أن تظل حواس الاستقبال فى حالة يقظة، هل كان إسماعيل يتابع مثلا مسرح التليفزيون الذى بدأ انتشاره داخل البيت المصرى فى عز نجومية إسماعيل يسن، هل شاهد جيل الكوميديانات الجدد مثل المهندس ومدبولى وأمين الهنيدى ومحمد عوض، والجيل الأصغر الذى بدأ يلمع مثل عادل إمام وسعيد صالح وسمير وجورج والضيف. الإنكار كما هو واضح من سيرة حياته كان هو سلاحه، فهو لم يعترف بهم، والدليل أن الكاتب أبوالسعود الإبيارى توأم إسماعيل على المسرح والشاشة والعقل الذى آمن بموهبة إسماعيل يسن منذ أن التقيا فى مطلع الأربعينيات فى مسرح (بديعة مصابنى)، كان الإبيارى يدرك أنه يجب أن تمتد مظلة مسرح إسماعيل يسن للجميع، بينما إسماعيل لديه يقين بأن قطار الضحك توقفت محطته الأخيرة عنده، ولا توجد محطات أخرى.

على عكس ما فعله فؤاد المهندس مثلا مع من جاءوا بعده مثل عادل إمام، بل لم يجد أى مشكلة فى أن يسبقه اسم عادل فى كل الأفلام التى شاركه بطولتها.

عادل فعل ذلك أيضا مع الجيل التالى له، والذى أطلقنا عليهم (المضحكون الجدد).. وهكذا تواجد معه فى مساحات مقننة محمد هنيدى وأشرف عبدالباقى وعلاء ولى الدين وأحمد آدم وأحمد حلمى وأحمد مكى، وفى مسلسلات التليفزيون منح مساحات لنجوم مسرح التليفزيون، لكن لا أتصور أنه سيرضى سوى أن يظل هو الأول على الأفيش والتترات، لن يقبل أبدا أن يفعل مثل فؤاد ويتساوى معه، ولا أقول يسبقه اسم آخر مهما كانت المبررات.

عادل صار الآن أكبر من إسماعيل يسن بنحو 20 عامًا، إسماعيل غادر الدنيا وهو فى الستين من عمره، وقبلها بنحو خمس سنوات كانت قد غادرته نجومية الشباك، بينما عادل تجاوز الثمانين ولا يزال هو العنوان.

لا أحد يتوقف كثيرا أمام العيش والملح، حاول إسماعيل فى خطابه الأخير للمسؤولين أن يثير عاطفة الدولة ويذكرهم بالخدمات الجليلة التى قدمها بأفلامه للقوات المسلحة وتبرعاته للجيش، وحضوره فى كل حفل داخل وخارج الوطن استجابة لأوامر عليا صادرة إليه، ولكن لا أحد كان يستمع لأنّـاته.. من المواقف غير المعلنة ذهابه إلى محمد عوض لكى يشارك فى فرقته التى كان قد كونها مع فؤاد المهندس، وافق عوض مبدئيا بينما المهندس رفض الفكرة، اعتبر أن إسماعيل سيشكل عبئًا أدبيًا وماديًا. حتى فيلمه الأخير (الرغبة والضياع) حل اسمه خامسًا بعد هند رستم ورشدى أباظة ونور الشريف وهياتم، رغم أن الفيلم عرض بعد رحيله بنحو شهر، أى أن تصدره للأفيش كان له ما يبرره، ولكنهم قتلوه حيًا وميتًا.

تركوه وحيدًا يلقى مصيره، والزمن رد له الاعتبار.. فلا تزال ضحكات سُمعة عابرة للأجيال وتلك هى كلمة التاريخ.