د. رشا سمير تكتب: وماذا بعد التطوير؟

مقالات الرأي




مما لا شك فيه أن وجه مصر يتغير، والأكيد أن أزمة المرور حدث فيها نوع من الانفراجة عقب تطوير الشوارع وإعادة تخطيطها..مصر الجديدة ومدينة نصر كانتا من الأماكن التى وصلت لمرحلة الخنقة والأزمة فى كل الأوقات وخصوصا فى أوقات الذروة.

إعادة تخطيط الشوارع أحدث نوعا من الانفراجة المرورية ولكنه أحدث أيضا أزمات من نوع آخر، فبعض الكبارى منعت الزحام فوقها ولكن تكدست السيارات تحتها فى المخارج الصغيرة مما جعل الدولة تعيد حساباتها بتوسيع الشوارع المحيطة أو إنشاء كوبرى جديد يحل مشاكل الكوبرى القديم..

تغيير الوضع قد يترتب عليه بعض الأخطاء التى يجب أن تُراجع وهذا ليس عيبا إلا إذا كان عيبا فى التنفيذ مثل الذى يتسبب مثلا فى هبوط أرضى وهذا يترتب عليه حساب المقاول المُنفذ وهو ما يقوم به رئيس الدولة وفورا.

عندما أعيد تخطيط مصر الجديدة ظهرت أزمة مرور المشاه بالشوارع الرئيسية وأصبحت الحوادث ظاهرة يومية، حتى تم تركيب إشارات مرور تُجبر السيارات على السماح للمشاه بالعبور فى أمان، واليوم ظهرت مشكلات جديدة بعضها له علاقة بسلوكيات البشر وبعضها نتيجة فساد المحليات، فعلى سبيل المثال وليس الحصر...

ظاهرة السيارات القديمة التى تستخدم بمثابة الكافيه المتحرك وأصبحت مكانا لتجمع السيارات مُحتلة مكان انتظار سيارات أهالى المنطقة، ظاهرة وجود محال وكافيهات تم تأجيرها أسفل الكبارى تسبب زحاما غير مبرر وتحتاج لإعادة نظر، ظاهرة الانتظار صف واحد موازى للرصيف فى حين أنه لا يوجد مكان مخصص لانتظار سيارات سُكان المنطقة مشكلة أرهقت السُكان، قرار منع الشيشة من الكافيهات قرار لايزال الكثيرون لا يتقيدون به فقد حكى لى أكثر من شاب أنهم يذهبون لكافيهات فى منطقة الميرغنى والتجمع الخامس ومدينة نصر تقدم الشيشة عينى عينك ودون خوف من حساب فقط لأنهم ذوو نفوذ أو يعملون بأماكن حساسة فى الدولة مستغلين نفوذهم (وكارت من البيه جوزك لابنى يخلص الحكاية كلها)!.

أما عن أزمة سلوكيات المواطنين، فهذه أزمة أخرى..المواطن الذى بعد تطوير المنطقة بأيام يكتب بكل فخر على قاعدة الكوبرى بالأسود الثقيل (ماتصلوا على النبى!) مواطن يستحق أن يُجبر على إعادة طلاء الكوبرى بنفسه كنوع من العقاب، وسكان العشوائيات التى يتم تطويرها وخروجها على أعلى مستوى ثم يقررون تخريب الأرصفة وخلع السيراميك وسرقة لمبات الكهرباء لبيعها والتعامل مع المكان وكأنه لم يكن لهم أو لخدمتهم، يستحقون حرمانهم من دخول المكان.

منطقة عين الصيرة ومتحف الحضارات منطقة تم إبدالها بالكامل وأصبحت بحق شيئا يدعو للفخر، ولكن يجب أن تفكر الحكومة فى نشر حملات توعية للمواطن لإجبارهما على احترام الشكل الجديد والحفاظ عليه.

إحساس المواطن بأن الشارع ملكه والمتحف سوف يعود عليه بالفائدة، شعور المواطن بالطمأنينة والأمان شعور يولد لديه الانتماء للمكان، فيوم استطاع وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى إقناع الباعة الجائلين بشارع المُعز بإخلاء المنطقة على وعد منه أنه سوف يخلق لأبنائهم فرص عمل فى الشارع ذاته ومنحهم مرتبات مقبولة، تحول الشارع فى ظرف أشهر لمنطقة عالمية نظيفة وجميلة بفضل حرص أبناء المنطقة عليه واختفت العشوائية من أروقته بالتفاهم والإقناع..

التفاهم والحوار أقرب الطُرق لحل المشكلات وعندما يفشل الحوار يبدأ تطبيق القانون..

إذن التطوير لابد أن يعقبه محافظة وصيانة وتشكيل لجان لمتابعة ما بعد المرحلة، فالشوارع التى تم توسيعها وإلزام القاطنين بها بالوقوف صفا واحدا موازيا للرصيف عادت وكأنها سيرك، صف ثان وثالث، ولو تم توقيع العقاب على المواطن الغلبان فلايزال العشرات غيره لا يقعون تحت طائلة العقاب بنفوذهم، الأرصفة تم تخريبها والزرع الذى تم وضعه على إستحياء فى منتصف الشوارع لازال مرتعا لمن يخربونه ولرمى القمامة فوقه وسط مظهر أعاد للشوارع القُبح من جديد.

التطوير هو تطوير للبشر قبل الحجر..والتطوير لن ينجح إلا إذا أعقبه تطوير للعقول وللأخلاق.