رامى المتولى يكتب: «مملكة إبليس 2».. «نار الجنة» تضع حدا للصراع بين الخرافة والمعرفة

مقالات الرأي




بعد انتهاء عرض حلقات الموسم الثاني من مسلسل «مملكة أبليس» يبدو بوضوح السبب وراء حرص مؤلفه محمد أمين راضي على تسميته بالفصل الثانى، هو بالفعل (فصل) فى كل شيء بداية من طبيعة ما يناقشه الموسم الأخير وطريقة أداء الممثلين وشكل المسلسل ككل، فيما كان الموسم الأول «أسطورة الأساطير» يحمل جذورا وارتباطا واضحا بمسلسل «العهد» لنفس المؤلف واقرب لفكرته الرئيسية فى التعاطي مع علاقة السلطة بالدين والتى تظهر من خلال الصراع على السلطة بين مجموعة من الأشخاص فيما بينهم ويرث الأبناء نفس الصراع كامتداد زمنى لهذا الصراع، لكن الموسم الأول أيضًا مثل مرحلة وسط للتمهيد إلى الختام وهو «نار الجنة» والتى تتمثل فى صراعات الجيل الثالث من الأحفاد والأقارب ويتخطاها ليصل إلى الخاتمة وهى التفاعل مع الصراع وكسر دائرته بالشكل الذى يسمح بتحرر البعض من سطوته والانطلاق أو النجاة من الميراث الملعون.

التحول الكبير ما بين «العهد» و«أسطورة الأساطير» من جانب و«نار الجنة» على الجانب الآخر هو مدى الانغماس فى الصراع ففيما كان الجانب الأول يصور الصراع بكل قوته فى عدد من الاتجاهات، الجانب الثاني كان يصور مصير من اختار استمرار الصراع ومن اختار الحرية ورفض الميراث على الرغم من مما يأتى مع هذا الميراث من مميزات، لا يوجد خطأ ولا يوجد صواب هناك زوايا تحكم رؤية الأشخاص، على الرغم من قربهم من بعضهم البعض لكنهم مختلفون كل شخص هناك ما يحكم تواجده ويملى عليه تصرفاته كجزء من الميراث، لذلك يبدو فى هذا السياق أهمية غريبة (أسماء جلال) كونها الابنة الاصيلة لهذا العائلة التى جمعت بين الخير والشر بكل تقلباتهما خلال المسلسل هى الابنة الأولى لفتحى ابليس (صبري فواز) الذى كنا نظنه اكثرهم شرًا لنكتشف انه اكثرهم حكمة وخيرًا وحنية (رانيا يوسف) التى حفزت الصراعات فى البداية وأعلنت توبتها وتظن أنها على حق لكنها فى الحقيقة هى أكثرهم شرًا، وقعت فى غرام حماصة (كريم قاسم) ثالث عصابة الخواجة (أحمد داود) والعجوز (محمود الليثي)، أقلهم أذى وأكثرهم إنسانية أفعاله السلبية فى معظمها يقع ضررها عليه فقط، واخوها الأصغر بودى (خالد أنور) صاحب الرؤية المثالية التى قادته إلى الشر على الرغم من نواياه الطيبة وساهمت فى تأصيل الخرافة.

«غريبة» هى حفيدة الصراعات والتي اختارت ان تقول لا وتكسر الدائرة وتطالب بحريتها، الحارة على اتساعها تبدو شديدة الضيق بسبب الصراعات، وتركها لهذه الصراعات التى تحمل إسقاطات سياسية ودينية واجتماعية تمثل تيارات فكرية وعقائدية مختلفة يعدها بدنيا مختلفة أكثر اتساعًا، تسير عكس الاتجاه الذى سلكه شكيتح (ميدو عادل) وحنية ورمزي (علاء حسنى) والأخص (أحمد طلعت) ومن قبلهم إلينور (فرح)، كمجموعة من الطامعين فى كنز خلف صراع لم يحسم بين عائلتين، لذلك سلسلة الصراعات الطويلة حسمتها غريبة والنتيجة واضحة، الحياة لها والموت كلل كل من سار عكس اتجاهها، بالطبع هذا الاستنتاج لم يكن سهلاً الوصول له منذ البداية بل كان مهما أن نعيش الصراعات من بدايتها ونتقلب كمشاهدين على كافة الأوجه لنصل إلى اليقين، من خلال توظيف عناصر طبيعية وتحويلها إلى غرائبية مثل النار، التى اختارتها الينور كوسيلة ترهيب فى «نار الجنة»الحلقة الخامسة وحاول فتحى استغلالها كوسيلة عقاب فى «أسطورة الأساطير» فى الحلقة الأولى، عند هذا الحد لم نكن ندرك التأثير الغرائبى للنار فى عالم المسلسل، وتوظيفه شكلا يخدم الدراما وهو كون فتحى لا تؤذيه النيران، هذا بخلاف كونها عنوانا للفصل الثانى والأخير فى الصراع، بما يحمل أكثر من معنى بعد ما عرفنا كيف تحولت حارة حِدق (أحمد صيام) لحارة الجنة كما سبق وتحول كفر النسوان لكفر باب الجنة فى «العهد»، لنعرف أنه مجازيًا نار الجنة مستعرة وان بدت الحارة هادئة مع الاعتبار التضاد الواضح بين الجنة والنار وكونهم لا يجتمعان إلا فى حارة حِدق، ومعناها ماديًا فى النار التي اشعلتها ومستمرة فى تزكيتها حنية والتى قضت على معظم اهل الحارة من عائلة الاقزام وعائلة حِدق وهى كما عرفنا السلاح المتعارف عليه فى الصراع بين العائلتين استخدمه حِدق ورضوان (شريف الدسوقي) فى صراعهما مع الاقزام واستخدمته كاسيا (سلوى خطاب) وأزهار (غادة عادل) لأنهاء الحرب فى الحارة، أي ان النار لها اكثر من استغلال وراءه المؤلف لتأصيل المعنى وزيادة تأثيره من خلال التنويع فى استخدامها كعنصر درامي له عدة أوجه.

مؤلف المسلسل محمد أمين راضي دائمًا ما يخاطب المشاهد من زاوية جهله بالتفاصيل والأحداث، عادة ما يكون المشاهد دائما فى بقعة الضوء يعرف كل التفاصيل ويوجه من كرسيه البطل/ الأبطال فى صراعاتهم التى يجهلون هم تفاصيلها، يملك المشاهدون فى هذه الحالة قوة المعرفة وأفضلية توقع اتجاه سير الاحداث، لكن العكس دائما يحدث فى اعمال راضي الذى يمنح قوة المعرفة لأبطاله لا مشاهديه الذين يظلون فى الظلام يتحسسون التفاصيل الدقيقة التى يزرعها طوال الوقت وكثيرًا ما يبنون عليها توقعات خاطئة، هذه الحالة بما تصنع توحدا مع الابطال بشكل مختلف لا لحمايتهم من الخطر وتنبيههم بل لمعرفة مصائرهم ترفع حالة الاثارة نتيجة الغموض والرغبة فى المعرفة التى يسعى لها الجميع وهى المحرك الأساسي نفس الشيء مع شخصية غريبة التى اختارت المعرفة وصنعت قرارها فى النهاية، هذه الزاوية أداة رئيسية عند المؤلف تثير الجدل حوله خاصة مع التفاصيل التى لا تحمل تفسيرًا موجودا فى الدراما واحيانًا تحركها لكنها قواعد ثابته غرائبية لا تحمل أى صلة بالواقع يستطيع المشاهد أن يربطها بها أو حتى تفسير فى عوالم أعماله.