طارق الخولى يكتب: لماذا تعود الغرفة الثانية للبرلمان ؟

مقالات الرأي

بوابة الفجر


فى أبريل من العام الماضى.. أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات عن نتائج الاستفتاء الشعبى على تعديل الدستور الذى وُضع وظهر للنور فى مطلع عام 2014.. وجددت التعديلات الدستورية -حيث استحدثت باباً سابعاً بالدستور ينشئ ويحدد اختصاصات مجلس الشيوخ- الجدل حول جدوى عودة الغرفة الثانية للبرلمان بمسمى «مجلس الشيوخ».. وهو نفس ذات الجدل الذى أثير فى عام 2013 فى مناقشات وضع الدستور.. سواء داخل لجنة الخمسين «المشرع الدستوري».. أو حتى فى الأوساط السياسية والحزبية والثقافية والشعبية.

فإن مصر قد عرفت على مدار عمرها النيابى العريق والممتد لأكثر من 150 عاما.. نظام الغرفتين فى موضعين عبر تاريخها.. الأول.. كان فى عام 1922.. عند إعلان استقلال مصر.. ليصدر دستور 1923.. الذى أخذ بنظام الحكم البرلمانى القائم على الفصل بين السلطات.. فجعل الوزارة مسئولة أمام البرلمان الذى يملك حق طرح الثقة فيها.. بينما جعل من حق الملك حل البرلمان.. وقد تم العمل بنظام المجلسين «الشيوخ والنواب».. وفقاً لدستور عام 1923.. وكانت مدة الفصل التشريعى للبرلمان خمس سنوات.. لتندلع بعدها بعقود ثورة 23 يوليو 1952.. ويُعلن إنهاء العمل بدستور 23 ومع صدور دستور 1956.. تم إلغاء نظام العمل بالغرفتين.. وأُطُلق على البرلمان مسمى «مجلس الأمة».

أما الموضع الثانى عبر تاريخنا.. والذى شهد نظام العمل البرلمانى بمجلسين.. فقد كان فى عام 1980.. حيث أجرى استفتاء شعبى على تعديل دستور عام 1971.. والذى تضمن بين تعديلاته عودة العمل بنظام الغرفتين للبرلمان.. حيث تم تغيير مسمى مجلس الأمة إلى «مجلس الشعب» لتكون الغرفة الأولى.. وإنشاء الغرفة الثانية بمسمى «مجلس الشورى».. ومع اندلاع ثورة الـ30 من يونيو 2013.. وبعد صدور دستور عام 2014.. وطبقاً لنصوصه فقد تم إلغاء مجلس الشورى.. لتقتصر السلطة التشريعية على نظام المجلس الواحد.. وقد أطلق عليه مسمى «مجلس النواب».. حيث انعقد الفصل التشريعى الأول لبرلمان الغرفة الواحدة فى مطلع عام 2016 المنصرم.

أما نحن الآن فبصدد صياغة الموضع الثالث فى تاريخنا.. بعودة نظام العمل البرلمانى بغرفتين.. فما أن انتهت الهيئة الوطنية للانتخابات من إعلان الجدول الزمنى.. لإجراء انتخابات مجلس الشيوخ.. حتى تفجرت من جديد سيول الجدل حول جدوى وجود غرفة ثانية للبرلمان.. وقد كنت من قبل فى عام 2013 من المؤيدين لإلغاء مجلس الشورى أو الغرفة الثانية للبرلمان.. إلا أننى مع خوض غمار التجربة البرلمانية.. وصلت إلى نتيجة يقينية بأن المشرع الدستورى فى عام 2013.. لم يجانبه الصواب والتوفيق فى إلغاء الغرفة الثانية للبرلمان.. حيث كان ذلك بمثابة ردة وجب تصحيحها فى مسيرة برلمانية عظيمة دامت لـ١٥٠ عاما فكانت التعديلات الدستورية التى أُقرت فى أبريل من العام الماضى.

فعند مناقشة جدوى عودة الغرفة الثانية للبرلمان.. سنجد عددا من النقاط المثارة على السطح.. ومنها أن مجلس الشيوخ لا فائدة ترجى منه.. والحقيقة أن تجربة البرلمان الحالى خلصت إلى وجود حاجة ملحة لغرفة ثانية من ذوات الخبرة الفنية العالية فى مختلف المجالات.. لتدعيم العمل البرلمانى.. حيث يشكل مجلس الشيوخ من ذوات الخبرة.. فيصبح مجلس الشيوخ صاحب الخبرة.. ومجلس النواب صاحب القرار.. فيشكلان توازنا داعما للبنية التشريعية للدولة.. فهل يمكن أن نجادل فى أن مرور المنظومة التشريعية من خلال مجلسين.. واتخاذ أى عمل أو قرار على درجتين -بين مجلسى الشيوخ والنواب- سيقود لما هو أصح وأفضل.

أما عما يثار حول أن وجود مجلس الشيوخ يمثل عبئا مالياً ضخما وكبيراً على الدولة.. فما لم ينتبه له الكثيرون بأن الهيكل الوظيفى لمجلس الشورى –بعد صدور دستور 2014- قد انتقل بالكامل للعمل بجانب الموظفين والعاملين فى مجلس النواب.. مع تقاضيهم بالطبع لكامل رواتبهم المقررة.. وبالتالى فليس هنالك عبء مالى يذكر عند انتقال الموظفين والعاملين القدامى فى مجلس الشورى.. إلى مجلس الشيوخ.. مع الأخذ فى الاعتبار أن مقر وأصول مجلس الشورى السابق.. سوف يرثها مجلس الشيوخ.‏

إضافة لما سبق.. فإن ما تجاوز الـ70 دولة حول العالم.. تقوم على النظام البرلمانى ذى الغرفتين.. فعند الاستئناس بالتجارب البرلمانية العريقة.. للدول العاتية فى الديمقراطية.. نجدها قد استقرت على الازدواج البرلمانى – أى العمل بنظام المجلسين – لما يحققه من تعزز وتدعيم للديمقراطية لأنه ينوع التمثيل السياسى والشعبى فى الدولة، ومن أبرز الأمثلة «مجلسا العموم واللوردات» فى المملكة المتحدة.. والكونجرس الأمريكى الذى يتألف من «مجلسى الشيوخ والنواب».. والبرلمان الفرنسى بغرفتيه «مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية».. و«مجلسى الشيوخ والنواب» بإيطاليا.. و«مجلسى الدوما والاتحاد» الروسى.. والدايت اليابانى الذى يتكون من «مجلس النواب ومجلس المستشارين».

فكل الغرف العليا أو الثانية فى البرلمانات السابق ذكرها فى مختلف الدول.. تكون ما بين تعيينها بالكامل مثل مجلس اللوردات فى بريطانيا.. وبين تشكيلها بنسب كبيرة من المعينين تصل إلى 50% فى بعض الدول.. أما فى مصر ووفق التعديلات الدستورية التى جرت على دستور 2014.. فإن ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ يأتون بالاقتراع الشعبى المباشر.. أما الثلث الباقى فيعينه رئيس الجمهورية.. والحكمة من وراء النسب الكبيرة للمعينين فى الغرف الثانية لبرلمانات العالم.. ترجع إلى ضمانة قيام تنوع فى التمثيل الفئوى والسياسى.. ووصول ذوى الخبرات مما ليس لهم باع بالمعارك الانتخابية.

وفى النهاية.. بات على الشعب المصرى العظيم مصدر السلطات.. مسئولية الإمعان فى اختيار من يستحق تمثيلهم فى انتخابات مجلسى الشيوخ والنواب القادمين.

عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين