د. سوزي عدلي ناشد تكتب: مجلس الشيوخ.. الغرفة الثانية للبرلمان

مقالات الرأي

بوابة الفجر



يتكون نظام الدولة من ثلاث سلطات أساسية هى: السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية والسلطة القضائية.

وعندما نتحدث عن السلطة التشريعية، أو ما يسمى فى التعبير الدارج البرلمان، يجب علينا أن نعى جيداً أننا نتكلم عن سلطة وليس مجرد مؤسسة عادية. وهذا ما يقودنا إلى التأكيد على أن مصر، الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، التى عرفت الحياة البرلمانية منذ أكثر من 150 عامًا، هى دولة، دائماً وأبداً، ذات حضارة وعراقة وريادة ليس فقط فى المنطقة العربية بل فى العالم بأسره.

وظلت السلطة التشريعية بغرفتيها (مجلس الشعب أو النواب، ومجلس الشورى أو الشيوخ) منذ دستور 1923، وتأرجح الأمر بين غرفة واحدة أو غرفتين بحسب التداعيات السياسية حتى دستور 2014 الذى ألغى الغرفة الثانية للبرلمان. ويمكن تأصيل ذلك لأسباب تاريخية وسياسية، خاصة أن الدستور كُتب بعد ثورة استعادة الهوية المصرية فى 30 يونيو 2013، ولا يمكن أن نتغافل الظرف التاريخى والتجربة السلبية لمجلس الشورى الذى سيطر عليه جماعة الإخوان فى ذلك الوقت، وتأثير ذلك على مشرعى دستور 2014، والذى استوجب إلغاء الغرفة الثانية للبرلمان.

وبعد استقرار الدولة المصرية سياسياً ودولياً، واستردادها لثقلها السياسى فى العالم، بات الأمر يستدعى عودة الغرفة الثانية للبرلمان. وقد تمت التعديلات الدستورية والتى شملت من بينها استدعاء الغرفة الثانية للبرلمان بمسمى مجلس الشيوخ والتى أسُتفتى عليها الشعب فى أبريل 2019. وبذلك أصبح إحياء مجلس الشيوخ استحقاقاً دستورياً يتطلب إجراء انتخابات نزيهة تحت إشراف قضائى كامل.

ويتولى مجلس الشيوخ مجموعة من الاختصاصات التى نص عليها الدستور لتصبح ذات صفة إلزامية، دون أن يكون هناك ازدواج أو تكرار فى الاختصاص بينه وبين مجلس النواب. فمجلس الشيوخ يعيد التوازن فى الحياة السياسية والنيابية، بل يمثل رد اعتبار للحياة البرلمانية ويدعم الحياة السياسية المصرية.

وعلينا نحن الشعب المصرى العظيم أن نتفهم جيداً، أنه لا مجاملة أو محاباة فى اختيار أعضاء سلطات الدولة، فاستقراء الواقع يؤكد على ذلك بصورة واضحة، سواء فى اختيارات أعضاء الحكومة من جهة أو انتخاب أعضاء البرلمان من جهة أخرى. ومن يتحدث عن ذلك لا يعى قيمة وقامة الدولة المصرية التى يتم بناؤها من جديد، وهو بذلك يحاول أن يثبط من عزيمة الناخبين، بل يمكن اعتبار ذلك جريمة تحريض ضد بناء الدولة المصرية الجديدة.

ومن الأمور المهمة التى يجب أن تؤخذ فى الاعتبار عندما نتحدث عن الحياة السياسية فى مصر هى مكتسبات المرأة، ومنها نسبة المرأة فى المجالس التشريعية بغرفتيها، والتى تمثل مؤشراً صحياً على نضوج المجتمع المصرى بصورة عامة.

وباستعراض قوانين انتخابات مجلس الشيوخ نجد أن القانون خصص نسبة لا تقل عن 10% من المقاعد للمرأة. بمعنى أن عدد العضوات لن يقل عن 30 مقعداً من إجمالى 300 مقعد، وهذا يتماشى مع سياسة الدولة فى إبراز أهمية دور المرأة فى الحياة السياسية، وإيمان القيادة السياسية بضرورة تمكين ودعم المرأة فى كافة المجالات وخاصة المجال السياسى، ليس مجاملةً بل لقدرتهن وكفاءتهن وخبرتهن، مما يساهم فى تكوين كوادر سياسية نشيطة تستطيع أن تنافس فى المستقبل.

أضف إلى ذلك ما حصلت عليه المرأة من مكتسبات غير مسبوقة فى التعديلات الدستورية العام الماضى، والخاصة بنسبة المقاعد فى مجلس النواب القادم، فقد نص الدستور فى المادة (102) على أن لا تقل نسبة تمثيل المرأة عن 25% من إجمالى عدد المقاعد، بعد أن كانت نسبتها لاتتعدى 2% قبل 2014.

فيا شعب مصر الواعى، شعب الحضارة والتاريخ، لا تلتفتوا للحناجر الهدامة التى تدعو المواطنين للعزوف عن المشاركة فى العملية الانتخابية، فهؤلاء هم أعداء الوطن الذين يتخفون فى ثوب الحملان وهم فى الحقيقة ذئاب، يظهرون فى كل استحقاق دستورى لهدم الدولة.

فلنشارك جميعاً فى انتخاب واختيار من يمثلنا فى المجالس النيابية، ونعلم أن صوتنا أمانة، والمشاركة السياسية حق وواجب، والاختيار دائماً للشعب، ولنتذكر دائماً أن إثراء الحياة السياسية من سمات تقدم الأوطان.