ضياء داود يكتب: لبنان تولد من رحم الأحزان

مقالات الرأي

بوابة الفجر


كنت طالبا بالفرقة الأولى لكلية الحقوق سنة ١٩٩٣ عندما زرت لبنان للمرة الأولى ضمن وفد من شباب الحزب الناصرى لحضور مخيم الشباب العربى الأول بالبقاع لنقيم بدار الحنان لرعاية الأيتام طوال أيام المخيم ونحضر فاعليات المخيم بمركز عمر المختار التربوى لأعيش لأول مرة أجواء الريف اللبنانى عن قرب وأتفهم طبيعته وأتنقل بين محافظاتها لنرى آثار الحرب الأهلية التى وضعت أوزارها شكليا قبل أربع سنوات لا تزال واضحة بجلاء على المبانى والطرقات والنقاط الأمنية الكثيفة بكل ضاحية نمر عليها، ونرى عيون لبنانية شابة تتطلع للمستقبل بأهازيج راجع راجع يتعمر راجع لبنان راجع متحلى وأخضر أكتر ما كان.

وتعددت الزيارات بمناسبات مختلفة خلال سنوات الإعمار لأرصد متغيرات الاقتصاد والسياسة وتأثيراتها على المجتمع اللبنانى.

لهذا لا أعتبر أن (معركة مرفأ بيروت) شأنا لبنانيا داخليا لأسباب عدة:

أولها: كونى قومياً عروبياً أرى كل شبر من الأرض العربية وطنى وكل مواطن عربى هو شريكى فى العروبة وإن لم يؤمن بها وبوحدة هدفها ومصيرها.

ثانيها: أن تداعيات هذا الانفجار قد تمتد خارج حدود لبنان إقليميا وربما دوليا.

ثالثها: أن حجم الدمار الناتج عن التفجير لم يسقط ضحايا وشهداء وبنايات فقط بل أسقط أيضا ماسكات سياسية عن وجوه قبيحة لا طالما تاجرت بأوجاع الشعوب

رابعها: أن حجم التوغل الخارجى فى الشأن العربى سيزداد بعد معركة الميناء عن ذى قبل.

لهذه الأسباب ولغيرها أعتبر أن معركة الميناء - وأصر أن أصفها بالمعركة رغم أنه لا يوجد طرفان ظاهران حتى الآن - معركة عربية بامتياز ربما تكون حاسمة فى مستقبل بلاد الشام ككل.

وهذا يدفعنا للتوغل مرة ثانية فى تفاصيل المشهد اللبنانى بإعادة قراءة اتفاق تقسيم لبنان طائفيا والذى اصطلح على تسميته اتفاق الطائف والذى وقع عليه فى ٣٠ سبتمبر / أيلول ١٩٨٩ والصادر بقانون فى ٢٢ تشرين / أكتوبر من ذات العام والذى أسس لمحاصصة السلطات بين المسلمين والمسيحيين بلبنان وطوائفهم فى السلطات الثلاث رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان وكذا الوظائف العامة على وعد منقوص بإنهاء الطائفية السياسية والتى حرص كل الشركاء المتناحرين منذ توقيع الاتفاق على تعميقها وتثبيت أسبابها للحفاظ على المكتسبات الشخصية للطبقة السياسية ومن خلفهم دوائر الاستفادة الحزبية والدينية والمناطقية.

إلا أن أى منصف متابع للشأن اللبنانى لا يسعه إلا أن يرصد بجلاء تطلعات الشعب العربى فى لبنان ورغبته طوال الثلاثين عاما الماضية أن ينفض عن نفسه غبار الطائفية والمذهبية والمحاصصة السياسية، ليستعيد لبنان زهرة الوادى ورئة الأمة فى الحرية مرة ثانية، إلا أن مخططات إجهاض هذا المسعى تعارضت مرات كثيرة مع مصالح إقليمية ودولية للاعبين مؤثرين بالمشهد اللبنانى من خلال مراكز ثقلهم بالداخل.

ومع اقتراب كتلة اللهب الإقليمى خلال السنوات العشر الأخيرة من الحدود اللبنانية فكان متوقعا تورط أو توريط لبنان فى متغير إقليمى ليلقى بظلاله على معادلة المكون السياسى اللبنانى بما يحقق تغيرا نوعيا واستراتيجيا لحساب اللاعبين الإقليميين.

وحينئذ يبقى السؤال هل سيقبل الضمير العربى أن يقف مشاهدا لإعادة ترتيب لبنان داخليا بما يحقق مصالح أبعد ما تكون عن مصالح الشعب العربى دون أن يكون هناك تحرك عربى موحد وفاعل لإعادة إعمار لبنان سياسيا واجتماعيا واقتصاديا بإعادة صياغة اتفاق جديد يؤسس لدولة المواطنة القائمة على الحرية والمساواة دون طائفية مقيتة أو محاصصة بغيضة.