شباب لبنان يتحدثون لـ«الفجر» عن وطن أضاعه الفساد

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر



لم يعد لبنان جميلا كما كان، شوه الفساد وانتهازية السياسيين إحدى أجمل عواصم العرب إن لم تكن الأجمل على الإطلاق، وبعدما كان الجميع يحسدون اللبنانيين على وطن حر، أصبح مثلا حيا على التفكك والفوضى والفقر، والفشل.

منذ سنوات ومع صعود ميليشيا حزب الله، وكيل إيران فى لبنان وتغلغلها فى مفاصل الدولة، لم يعد لحرية لبنان معنى بعدما تم تأميم قراره السياسى لصالح ملالى طهران ونهمهم فى التحول إلى قوة إقليمية على حساب الشعوب العربية وثرواتها.

وعندما عصفت المؤامرات بلبنان وبدأ اقتصاده الجيد فى التهاوى وأصبحت الأسعار أكبر من القدرة على الاحتمال نزل الشباب إلى الشوارع فى وجه الحكومة المتحالفة مع حزب الله مطالبين بنظام سياسى جديد قائم على المواطنة وليس المحاصة الطائفية التى كانت فى فترة توفر الأمن إلا أنها أصبحت قنبلة أصبحت قريبة من الانفجار ويمكنها تمزيق البلد وإغراقه فى حرب أهلية سبق وعانى منها لبنان طيلة 20 سنة.

ومع فشل حكومة حسن دياب ومن ورائها التحالف بين الرئيس عون وحزب الله أصبح لبنان فى حاجة إلى معادلة جديدة خالية تماماً من الطبقة السياسية الفاسدة التى لم تعد مهتمة بإخفاء الفساد مع انشغالها فى سرقة مدخرات اللبنانيين ونقلها إلى الخارج.

ثم جاء انفجار مرفأ بيروت ليترجم الفساد الذى جعل قوى سياسية تتهاون لدرجة وضع شحنة متفجرات كانت كفيلة بنسف بيروت بالكامل لولا أنه كان استخدم الجزء الأكبر منها فى تصنيع متفجرات ونقلها إلى عواصم عربية أخرى.

الشباب وغيرهم متمسكون بالإطاحة بالطبقة السياسية لأنها ماهرة فى الإفلات من العقاب والبقاء فى السلطة وتحقيق مزيد من الثروات. «الفجر» التقت شباب ثوار لبنان منهم سارة كريم صبح، التى ترى أن النزول إلى الشارع هو الحل الوحيد لإنهاء فساد الطبقة السياسية.

تريد سارة وغيرها دولة مدنية قائمة على المواطنة وإنفاذ القانون على الجميع ومحاسبة الفاسدين جميعاً، من خلال انتخابات برلمانية مبكرة ليست على أساس اتفاق الطائف وبعد استقالة رئيس الجمهورية ومحاكمته، تريد سارة أيضا استعادة الأموال المنهوبة، وسحب الجنسية من الفاسدين والمتآمرين وطردهم من لبنان لأنهم لا يليقون بهذا الوطن الذى أضاعوه.

يرى شباب كثيرون أن التفسير الوحيد الذى أوصل لبنان إلى هذه المأساة أن زعماء لبنان الذين كانوا قادة الحرب الأهلية التى شهدت سفك دماء اللبنانيين بالذبح على الهوية وهؤلاء أتت بهم الدولة العثمانية واستوطنوا جبل لبنان للبطش بأبنائه، لذا لا يمكن أن يستقيلوا خصوصا عون إلا لو تحمل الجيش المسئولية كما حدث من قبل عندما شهد لبنان فراغا رئاسيا لمدة 3 سنوات، قبل تولى ميشال سليمان، المسؤولية، بشرط أن يعمل الجيش على فرض سلطة الدولة على كامل لبنان وألا يترك الجنوب لحزب الله مع إصدار قوانين جديدة تعزز حماية حقوق المواطنين وحرياتهم، لأن الثوار ليس لهم قيادة موحدة ما يسهل على الطبقة الفاسدة أن تقلب الأمور لصالحها مجدداً.

وترى سارة أن زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، هدفها إبرام صفقة مع جميع الأطراف فى لبنان تتضمن تشكيل حكومة «وحدة وطنية»، للإشراف على إعادة إعمار لبنان وعدم سرقة الأموال المخصصة، وفى المقابل ترسخ فرنسا من نفوذها فى احتلال فرنسى جديد.

وتتفق نجاة أبى شبلى، مع رأى سارة وتقول أيضاً إن ولاء شباب لبنان لوطنهم فقط وليس لأى شىء آخر ويريدون أن يعود كما كان فى الماضى أقرب إلى سويسرا البلد المحايد والثرى، ولهذا الهدف شاركت نجاة فى الثورة، «قتلونا وقتلوا أحلامنا، بهروشيما التى جرحت عاصمتنا».

ويدعم فراس القاضى، ثورة لبنان الراقية، ومستعد للاستشهاد فى سبيل نجاحها، لأنه سئم القوانين التى لا تطبق إلا على الضعفاء والحياة المبنية على أوهام فى العيش الكريم، والطائفية وخطابات الفتن.

وقضى فراس عمره وسط حرب أهلية واغتيالات وفقر وحروب تشنها إيران من الجنوب فتعاقب إسرائيل لبنان كله، «أريد وطنا لا يخونه حكامه، وفرصة لأحقق أحلامى وطوحاتى بدلاً من أن تكون أقصى أمنياتى أن أعيش ليوم ثان أو أن أوفر وجبة دون أن أكون متأكدا من أننى سأشبع فى اليوم التالى».

ويواصل فراس حديثه المؤلم ويقول «فى ١٧ أكتوبر الماضى، قررنا نحن شباب لبنان تحرير عقولنا والتوحد لمواجهة الفساد والمطالبة بحقوق الـ30 عاما التى ضاعت من أعمارنا ورفاهية لبنان».

ترى فرح مرعى، إحدى المشاركات فى الحراك الثورى أنه منذ استقلال لبنان عام ١٩٤٣ وصولا إلى اليوم ينخر الفساد أجهزة الدّولة ومؤسٌساتها دون رقابة أو محاسبة وتجمع الطبقة السياسية الأموال ما دفع الشعب إلى الفقر المدقع والبطالة، وبدلاً من أن يكبر الأطفال محبين وفخورين بوطنهم يكره أطفال لبنان وطنهم، آلاف الأيدى العاملة المثقفة تبحث عن طريقة للهجرة إلى بلد يقدرهم ويمنحهم أدنى حقوقهم.

وحسب قول فرح ظل اللبنانيون يتحملون الذل والفساد حتى وصلوا إلى حافة الانفجار فى وجه حكام لا يملكون أدنى معايير الإنسانية، خصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت الإجرامى الذى قتل المئات وجرح الآلاف وشرد مئات الألوف وحول منازلهم التى لم يصبها الحادث مباشرة إلى خرائب.

تريد فرح أن تعيش داخل وطن يقدرها وأن تكمل حياتها بين أهلها، لذا تتمسك بالأمل وأن طريق تحرير البلد من الفاسدين ما زال فى بدايته.

سيوين منذر، نموذج لملايين اللبنانين الذين يريدون أن يكونوا مواطنين وليسوا أعضاء فى طائفة لأنها لا تنتمى لأى حزب، لكنها مجرد ثورية حرة مستقلة مثل أهلها ومحيطها، «هذه الثورة كانت لنا الحل والأمل الوحيد لاسترجاع أرضنا من اللصوص الذين سلبوا منّا عملنا وكرامتنا وأموالنا ومستقبلنا دون أن تطرف عيونهم».

كانت سيوين تتقاضى مبلغاً صغيراً مقابل حصص دراسية داخل منزلها، سرعان ما تبخرت هذه الوظيفة غير المنتظمة لأن أولياء الأمور لم يعودوا قادرين على الدفع لأنهم ققدوا وظائفهم وإذا حدث فإن قيمة الدروس تضاءلت لدرجة لم تعد تكفى لشراء الخبز الحاف، فحتى هذا لم يتركوا لى أملا فيه، لذا «قررت أن أرسم مستقبل بلدى الحر بالثورة الحرة ضد جميع أركان الدولة الفاسدة دون استثناء..

لبنان بلد يجب أن يعود جميلا كما كان وحرا كما ينبغى ومستقلا وخاليا من اللصوص والمستبدين وأريد أن يفخر أبنائى بوطنهم».

أما مروة مفيد أبوفراج، الناشطة السياسية والاجتماعية، فترى أنه بعد انفجار المرفأ لم يعد رحيل الحكومة يمثل الانتصار المنشود.