مخالفات البناء تكشف معركة البائع «النصاب» والمشترى «الخبيث»

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


الفقر والبحث عن سبل للكسب دون مجهود، إضافة لمعرفة حيلة قانونية تضمن الإفلات من تنفيذ الأحكام التى قد تصدر ضده، من أهم السمات الشخصية التى يعرفها العاملون بمجال العقارات عمَّا يسمى بـ «الكاحول»، الذى هو شخص يتقبل القيام بعمليات البناء المخالف نيابة عن المالك الأصلى، وكذلك بيع الأراضى غير المسجلة.

أما مؤهلاته فتتمثل فى بطاقة رقم قومى يتمكن من خلالها من إتمام عمليات البيع والشراء وتوقيع العقود باسمه، مع أخذ ورقة ضد عليه كى لا يتمكن من بيع العقار دون الرجوع للمقاول أو «صاحب المصلحة» كما يطلقون عليه المخطط الرئيسى لعملية الاحتيال، ويتقاضى «الكاحول» نظير تصدره واجهة جميع العمليات التى تتم بالمخالفة ما يتراوح ما بين ١٠ إلى ٣٠ ألف جنيه، وغالباً ما يبدأ «الكاحول» أول عملياته بأجر ٥ آلاف جنيه فقط.

«الفجر» رصدت دائرة نشاط بيزنس «الكاحول» بالقاهرة والإسكندرية، والتى وصلت ذروتها بالمناطق التى يكثر بها البناء غير المخطط، مثل مناطق فيصل، والهرم، وبولاق، ويزداد نشاط كواحيل الأراضى فى بيزنس بيع أراضى الظهير الصحراوى للقاهرة، والتى انتشرت إعلاناتهم على الطرق والقنوات الخفية.

«امتلك قطعة أرض بالشروق بسعر خيالى، المتر بـ ١٥٠ جنيهاً»، أو بالتقسيط على 7 سنوات امتلك قطعة أرض فى القادسية بسعر ١٠٠ جنيه للمتر»، بتلك الصيغة تنتشر إعلانات لأراضى يظهر فيها الكاحول عند إتمام العقد.

تواصلنا مع أحد ضحايا تلك الإعلانات «أ.م»، والتى قامت بشراء قطعة أرض تبلغ مساحتها ٩٠٠ متر بناحية مدينة الشروق بعد إعلان شاهدته فى طريق مصر الإسكندرية الزراعى، وبعدما تواصلت مع الأرقام المعلنة أبلغوها بمقر الشركة الكائن بزهراء مدينة نصر بأن مقدم الحجز ٦٠ ألف جنيه.

وبعد توقيع عقد مع أحد الأشخاص الذى عرفته بالشركة على أنه مالك الأرض فوجئت بعد ذلك بأنه نفس الذى الشخص قام ببيع القطعة لأكثر من ١٠٠ شخص، وأن هناك العديد من القضايا ضده ونال بالفعل أحكاماً جنائية سابقة، وقامت الضحية بتحرير محضر بالواقعة برقم «١٠٣» لسنة ٢٠١٣.

كاحول العقارات يختلف عن سابقه فى الأراضى، فهو يلتزم بالتواجد فى الموقع لمدة أطول، ويكون وسيلة المقاول للتهرب من غرامات المبانى المخالفة والضرائب وسرقة التيار الكهربائى، ويلتزم بالتوقيع على جميع العقود حتى بيع الشقق بدلاً من المقاول.

فى منطقة فيصل والمريوطية ومدينة السلام والمرج، تتجمع أكثر العمارات الصادر بحقها محاضر مخالفات بناء بسبب الارتفاعات أو عدم اتباع المعايير الهندسية، ومعظم تلك العمارات اعتمد المقاولين فى بنائها وتسويقها وبيعها على «الكاحول»، ولعل أشهرها عمارات محور المريوطية التى اشتكى سكانها مؤخراً من مرور الكوبرى من أمام شققهم، ثم اكتشفوا أن العمارة مخالفة، وأصابتهم صدمة عندما فتشوا عن المالك وعلموا أنه «كاحول».

تقابلنا مع أحمد فؤاد، أحد سماسرة العقارات بمنطقة فيصل، قال إن بيزنس بناء العمارات المخالفة انتشر فى المنطقة خلال الفترة من ٢٠١١ إلى ٢٠١٤، وظل مستمراً حتى قامت الدولة بمواجهته مؤخراً، ويعتمد المقاولين وأصحاب العمارات على أشخاص من الأرياف والصعيد لتخليص الأوراق بأسمائهم.

وأضاف: قد تجد أكثر من عمارة فى منطقة واحدة تعامل مع الأوراق الخاصة بها شخص واحد، كان نصيبه 10 آلاف جنيه من المقاول عن كل طابق مخالف، وأحياناً ٥٠ ألف جنيه عن العمارة بالكامل.

شخصية «الكاحول» لا تقتصر فقط على الرجال، وهناك سيدات يقمن بمهمة العمل «دوبلير» للمقاول بغرض النصب على المواطنين، ومن بينهن «ع. ح « التى استولت على 35 ألف جنيه فى القضية رقم «710» جنح النهضة، مقابل التنازل عن وحدة سكنية ثم اكتشفت ضحيتها أن الأرض مملوكة لشخص آخر، تم الاستيلاء عليها بوضع اليد.

إحدى الوقائع أظهرت نموذج آخر لكاحول يدعى «ش.أ» قام بالاستيلاء على 25 ألف جنيه للتنازل عن شقة بمدينة السلام، ثم فوجئ المشترى «أ. ع» بأنها ليست ملكاً لهذا الشخص الذى انتحل صفة مالك العقار وقام ببيع الوحدة السكنية لأكثر من شخص، وحرر الضحية المحضر رقم «13180» لسنة 2012 جنح السلام.

وخلال الفترة الماضية أصدرت الحكومة قانون التصالح فى مخالفات البناء والذى سيتم العمل به كمرحلة انتقالية قبل بدء تطبيق قانون البناء الموحد، وبدأت فى رصد العقارات المخالفة واتخاذ إجراءات المصالحة أو الهدم، فضلاً عن تحويل صاحب العقار المخالف للقضاء العسكرى.

الحيلة القانونية التى يلجأ إليها «الكاحول» طبقاً للمحامى محمد سعد، تتمثل فى أن الأحكام التى تصدر تكون غيابية، وتسقط بعد مرور ثلاث سنوات طبقاً لقانون الإجراءات الجنائية فى مادتيه «15 و16»، ولا يقوم «الكاحول» بالاستئناف على الأحكام مطلقاً لعلمه بأنها تسقط بالتقادم.

أما عن نطاق عمل «الكاحول» بالإسكندرية فحدث ولا حرج، فالمحافظة مليئة بمخالفات البناء، وبالتجول فى شوارعها الساحرة ستجد ارتفاعًا فى بعض العمارات يصل إلى ٢٥ طابقاً، حتى أن مجرد النظر إليها يشعرك بالرعب والخوف من سقوطها عليك، فالارتفاع لا يتناسب إطلاقاً مع مساحة الأرض الصغيرة ولا عرض الشارع الذى تحتله.

كل مالكى مثل هذه العمارات تجاهلوا كل القوانين لاطمئنانهم بأنه لن تتم محاسبتهم، والذى سيحاسب هو «الكاحول» الذى يكتب المقاول كل شيئ يخص العقار المخالف باسمه، مثل الرخصة والأرض وفى نفس الوقت يؤمن نفسه بكتابة ورق وعقود ضد «الكاحول» تثبت ملكيته للأرض والعقار.

وفى محافظة الإسكندرية هناك الكثيرون تلك مهنتهم، ومصدر رزقهم الوحيد، ومنهم سيدات، وهناك مجموعة من الطرق لتسخير «الكاحول» منها أن المقاول يختار شخصًا بعينه، أو يعرض آخر نفسه على المقاول، خاصة أن المقاولين المخالفين بالمحافظة معروفين بالاسم، ومنهم من كتب أكثر من 5 عمارات باسم «كاحول» واحد.

وهناك أيضا طريقة مرعبة لتوفير شخص يقوم بدور «الكاحول»، تتمثل فى قيام المقاول بتزوير بطاقات رقم قومى يستخرج من خلالها الرخص المطلوبة، وبعض البطاقات تكون لأشخاص ماتوا بالفعل ويتم وضع صورة «الكاحول» عليها.

وهناك تسعيرة لـ«الكاحول» وأيضا تعويض فى حالة تم القبض عليه، قيمته ١٠ آلاف جنيه عن الثلاث سنوات سجن، وقال أحد السماسرة إن هناك «كاحول» تم حبسه ١٥ عاماً مقابل ألف جنيه على كل سنة، ويمتلئ سجن «الغربنيات» حالياً بـ «الكواحيل»، فى حين يفلت المجرم الأصلى من العقاب.