د. رشا سمير تكتب: ثلاثية النفوذ والمال والبلطجة

مقالات الرأي




منذ أسابيع قليلة مضت طفت على سطح المجتمع قضية الشاب أحمد بسام ز كى الذى قدمه الرأى العام للعدالة على طبق من فضة، قضية أثبتت لنا جميعا أن قوة السوشيال ميديا اليوم هى قوة لا يستهان بها.. فالقصة بدأت ببوستات على الإنستجرام وانتهت خلف القضبان..

وعلى الرغم من أن القضية لم تنته بعد ولم يتم الحكم فيها نهائيا، إلا أنها جعلت من الصفحة التى تم إنشاؤها على الإنستجرام منصة حقيقية للبوح ولمشاركة الفتيات العديد من قصص التحرش والانتهاكات الجسدية، وكأننا نفتح صفحة مصرية للهاشتاج الشهير #Me too الذى فضح المجتمع الأمريكى وفضح شخصيات عامة لم نكن نتوقع يوما أنها تتخفى وراء تلك الأقنعة الزائفة.

لم تكن لتتوارى قضية الشاب المغتصب من على السطح إلا وظهرت فى أعقابها قضية أخرى أشد قسوة ووضاعة وتدنيا.. هى قضية تورط مجموعة من الشباب أصحاب النفوذ فى اغتصاب فتاة منذ ستة أعوام بعد تخديرها فى أحد فنادق القاهرة الكبرى وتناوب اغتصابها بشكل وحشى وهى فاقدة للوعى، ثم كتابة أسمائهم على جسدها وكأنهم يوقعون على وثيقة انتصار! وانتهت الحفلة بتصويرها ومشاركة أصدقائهم بهذا الفيديو وتهديد الفتاة!..

وحيث إن تلك القضية لم تأخذ طريقها بعد إلى ساحة المحاكم ومكتب النائب العام ولأن مبدأ التشهير قد يضر بالبعض ما لم تظهر وقائع دامغة، فقد قررت عدم ذكر أسماء الشباب ليس من باب الخوف ولا التعاطف.. إطلاقا، فهم لا يستحقون سوى الإعدام والتنكيل بهم لو ثبت تورطهم، ولكن احتراما لمبدأ أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته..

ما جعلنى أتطرق لهذا الموضوع اليوم، هو مشهد يتكرر فى كل عيد، مشهد رأيته ثانى أيام عيد الأضحى فى شوارع القاهرة، وهو مشهد الشباب الضائع المراهق الذى يرتدى النظارات الشمسية وتسريحات الشعر العجيبة والبانطلونات الضيقة، وإما يسيرون فى الشارع متأبطين ذراع فتاة وإما يبحثون مثل الحيوان الجائع عن فتاة يلتهمونها كجزء من الاحتفال!.. إنهم يملأون الشوارع فى الأعياد وكأنهم يظهرون فقط فى المناسبات.. هم نفس الشباب المتحرش الذى كان متخصصا فى دخول أفلام العيد ليخرج لاهثا وراء الفتيات فى الشوارع!.

ماذا حدث للمجتمع؟ ماذا حدث للعالم بأكمله؟ ما هو سر هذا التحول الغريب؟

الأمر لم يعد يقتصر فقط على هؤلاء المتسكعين الجهلاء الذين لا يجدون لهم مأوى ولا قدوة ولا عملا.. لا، بل وصل الأمر إلى أولاد الذوات، أصحاب النفوذ، من يمتلكون السيارات الفارهة ومن يرمى ذووهم تحت أقدامهم كل يوم آلاف الجنيهات ليشتروا بها المخدرات والفتيات، أو بالأحرى ليشتروا المخدرات ويغتصبوا تحت تأثيرها الفتيات!.

ما يحدث هو بلا شك نتيجة انفتاح مخيف لم يعد هناك طريقة لوضع حدود له، الانفتاح على المواقع الإباحية وأفلام العنف واستعراض العضلات بين الشباب فى صالات الجيم وفى عوالم الشباب حيث المخدرات أسهل من المياه الغازية..

لقد ضل جيل بأكمله طريقه، ضل جيل تصور أن الحرية هى هذا المشهد العبثى الفوضوى.. ضل جيل لم يعد هناك من يقومه أو من يصنع له قدوة، جيل وجد كل شىء مباحا حتى أجساد النساء!..

الطبقة الفقيرة ألقت أبناءها فى الشوارع ولم تعد تبالى، والطبقة الغنية ألقت أبناءها على الكافيهات والفنادق.. والنتيجة واحدة، انفلات أخلاقى!.

الكل متهم.. إعلام وفن وتعليم وثقافة وأسرة ومؤسسات دينية.. الكل فى قفص الاتهام..

أحاول أن أستوعب الفعل الذى قام به هؤلاء الشباب الذين مازالوا حتى تلك اللحظة يتمتعون بحياتهم ويقيمون حفلات فى الساحل ويمرحون غير آبهين برد فعل المجتمع ولا الدولة.. لماذا؟ لأنهم يعلمون تماما أن ذويهم أصحاب نفوذ ويمتلكون المال للرشاوى والمحامى..

ومن آمن العقاب يا سادة اغتصب بنات الناس!.

أتمنى أن يدرك آباؤهم أن أبناءهم فى أمس الحاجة إلى علاج نفسى.. فالشاب الذى يغتصب فتاة مخدرة فاقدة للوعى هو شاب مريض، والشاب الذى يروج لفيديو وهو عار فى حفل جماعى ويتباهى بكتابة اسمه على جسد ضحيته هو حيوان موتور نفسيا وعقليا..

ماذا لو وقع هؤلاء فى أيدى العادلة؟ هل ستنتهى المأساة؟ لا أعتقد.. ستظهر ألف قصة أخرى.

القصة ليست قضية واحدة بل هى قصة مجتمع مهزوم وزمن مختلف ووجع لا ينتهى..

أتمنى ألا تسكت أى فتاة على أى اعتداء يقع عليها حتى لو كان لفظيًا، وأتمنى من كل قلبى أن تُطبق العدالة بقوة وبحزم.. إعدام المغتصب فى ميدان عام هو حل يبدو قاسيا ولكنه ليس أشد قسوة مما يحدث فى نفسية ضحايا تلك الحوادث..

آن أوان أن يتأكد أصحاب النفوذ فى هذا البلد أنهم ليسوا فوق العدالة وأن المال والسطوة لن تمنع رقاب أبنائهم من المشنقة..

كم أتمنى أن يُسلم هؤلاء الشبان أنفسهم للعدالة، عل دفعهم ثمن ما اقترفوه فى الدنيا يسمح لهم بالنجاة من بعض عقاب الله سبحانه وتعالى فى الدار الآخرة.. الدار التى لا قيمة فيها للنفوذ ولا للمال.. الدار الحق حيث لا وجود فيها إلا للحق.