رامى المتولى يكتب: «صاحب المقام».. رحلة صوفية للبحث عن الروح المصرية

مقالات الرأي



يوازن الفيلم بين الحقائق الثابتة والماورائيات من خلال متابعتنا لرحلة يحيى (آسر ياسين) الذى لا يملك من صفة اسمه شيئا فى بداية الرحلة، شخص بلا روح جامد كصخرة، ناجح ويملك من المال والنفوذ الكثير وأسرته مكونة من زوجة تدعى راندة (أمينة خليل) وابن يدعى ياسين (عمر حسن)، واسع الحيلة نتعرف على الكثير من التفاصيل بشكل مختزل فى الدقائق الأولى من الفيلم من خلال موقفين رئيسين يرسمان طبيعة علاقته بعائلته وعمله الأول تصرفاته فى الحفل المدرسى المشارك فيه ابنه والثانى هو قراراته حيال موقف خطف العاملين لدى شركته فى العراق، ما بين الموقفين نتعرف على تفاصيل يحيى بالشكل الذى يقود إلى بداية الرحلة وهو هدم مقام ولى فى أرض يملكها من المقرر أن يبنى عليها مشروع إسكان فاخر والضريح يقف عقبة أمام ذلك، فيقرر ببعض التلاعب أن يهدم الضريح بعد أن يميل لرأى حكيم (بيومى فؤاد) شريكه فى العمل مغلبًا رأيه على رأى أخيه التوأم حليم.

يحمل الفيلم جزءا كبيرا من المباشرة فلا غموض ولا جهد فى التعامل مع تفاصيله، يبدو كل رمز وحالة واضحين للجمهور، سواء فى تفاصيل رحلة يحيى أو فى رسم الشخصيات، فحكيم وحليم هما صوت العقل وصوت العواطف واللذان يصحبانه حتى بدايات رحلته ويمنحانه بعض الدعم، لكن عندما يبدأ فى التعمق فى الرحلة يغيب العقل وتغيب العواطف وتظهر روح (يسرا) الوعى المختلف الذى يرى به الدنيا والشخوص حوله، حتى تفاصيل عمله تغيب، نعرف ضمنًا أنه قد وجد طريقًا للموازنة بين مهمته الجديدة وسير عمله بشكل مستقر، يرى يحيى روح فى الكثير من التفاصيل حوله، هى الطبيبة وفرد الأمن والسيدة البسيطة فى الشارع، بمعنى آخر هى انعكاس لعشرات الشخصيات فى رحلته يراهم بروحه فى البداية ومع النظرة الثانية يرى حقيقتهم.

عنوان الفيلم «صاحب المقام» يطرح التساؤل هل هو الراقد فى قلب الضريح ويذهب عليه الناس طلبًا للعون والمدد؟ أم من يحمل ويمرر شعلة المحبة ويضع صاحب المقام فى قلبه ويسير فى دنيا الله يسهل الطريق لعباده الحائرين ويشد أزرهم ويعزز سعيهم لتتحول الرحلات المتباعدة لأشخاص لا يربط بينهم أى رابط لرحلة واحدة ترسم حياة ملايين من البشر متصلين على الرغم من تباعدهم واختلافهم، ولو اختارنا شكلا للبطل الخارق المصرى المناسب لطبيعتنا لن يكون مختلفًا عن يحيى مرسول الإمام الشافعى الذى يوفر له هذا اللقب الكثير من الشرح والبدايات، بشكل يعرفه المصريون بطريقة تصوفهم وحبهم لآل البيت والاولياء سواء المسلمين او المسيحين، فالفيلم لا يمكن قياسه بالشكل التقليدى وتقييم عناصره بشكل جامد مخالف لطبيعته التى تعتمد على المشاعر، فرحلة يحيى هى روحية فى الأساس تفاصيلها مصرية خالصة وهو ما يمنحها خصوصية تفرض التعامل معها بأكبر قدر من العواطف ويفرض التفاعل مع القصص القصيرة المكونة لرحلة يحيى بنفس القدر من التفاعل العاطفى والذى دعمه وعبر عنه عنصرا التمثيل والموسيقى التصويرية لخالد الكمار، الذى صاحبتنا موسيقاه فى معظم المشاهد بالشكل الذى يبدو عند قياسه بشكل جامد ضعفًا فى عنصر الموسيقى التصويرية لكثرة تواجدها فى شريط الفيلم، لكن لطبيعته الشاعرية وجودها كان أساسيا وداعما للحالة الروحية ومناسب للجو العام المتعلق بالصوفية المرتبطة بدورها بالموسيقى والإنشاد.

عنصر التمثيل هو العصب الرئيسى فى الفيلم والأداة التى اعتمد عليها المخرج محمد العدل فى ترجمته البصرية لسيناريو إبراهيم عيسى، الذى تحتل فيه الشخصيات الجانب الأكبر من القصة على اختلاف المساحات فى الفيلم، فالسيدة التى ظهرت ليحيى من العدم فى مسجد السيدة نفيسة ولطمته على وجهه جزاء لهدمه الضريح وقدمتها هالة فاخر فى مشهد لا يتعدى ثوانى مع جملة واحدة تتساوى فى أهميتها داخل الرحلة مع روح التى صاحبت يحيى من بداية تحوله وحتى تمام وصوله لشاطئ الأمان، مرورًا بأهل الله المتصلين ببعضهم البعض المتعلقة قلوبهم بالأمل ومنهم الراحلين إبراهيم نصر ومحمود مسعود، ومنهم فريدة سيف النصر ومحسن محى الدين ومحمد ثروت وإيمان السيد وإبراهيم السمان وغيرهم من أصحاب الأداءات التى دعمت رؤية عيسى وأدارهم بشكل جيد العدل، الفيلم فى مجمله دعوة للعودة إلى التمسك بالأمل والعبادة التى تعتمد على المحبة والتواصل واهتمام المصريين ببعضهم البعض، الدعوة لآن يسير المصريون على خطى يحيى فى رحلته ليبحث عن الحياة ويستعيد رونق اسمه وتدب الحياة مرة أخرى فى أوصاله.