جبانة المماليك.. هل ما تم هدمه تراثيا؟ نعرض الآراء والقوانين (تحقيق)

أخبار مصر

بوابة الفجر


ثارت منذ أسابيع ضجة لم تهدأ، حول هدم عدد من المقابر والأضرحة في منطقة جبانة المماليك، هي مقابر حديثة نسبيًا، عدها البعض ضمن التراث والنسيج العمراني للقاهرة التاريخية، في حين قال آخرون إنها مبان ملك أهالي وهي غير مسجلة سواء في عداد الآثار أو في جهاز التنسيق الحضاري.


وكانت الفجر تابعت القضية منذ بدايتها، حيث كان لنا عدة جولات في المنطقة، ورصدت عدسة الفجر من خلال عدة موضوعات ما جرى من إزالات، وعبر التحقيق التالي نرصد أبرز الآراء في هذه القضية، سواء من المتخصصين أو المهتمين بالشأن الأثري والتراثي، كما سنورد المقابر التي تم التوصية بالمحافظة عليها، ونحاول أن نجيب عن السؤال.. هل ما تم من هدم خالف القانون، أم أن هذه مبان ليست ذات قيمة؟




التقت الفجر أثناء جولتها بالمنطقة بأحد شباب الأثريين، وهو أحمد فتحي بكالوريوس آثار إسلامية جامعة القاهرة، والذي علق قائلًا إن مسألة أن الهدم يتم لقباب أثرية مسجلة أو غير مسجلة هو الكارثة، حيث من المفترض على الهيئات المعنية أن يكون شغلها الشاغل هو الحفاظ على كل طوبة تمثل جزءً من تراث مصر، بحيث يتم تفادي كل ما يمثل طرازًا خاصًا أو تراثًا، كما يجب السعي لتسجيل ما يستحق تسجيله، وما لم تتوافر له الشروط يُسجل في جهاز التنسيق الحضاري.


وأضاف أن المشروع غير واضح، ولكن في حال تعرض قباب أخرى للهدم سيكون هذا المشروع تدميرًا للمنطقة وخطرًا على الآثار المسجلة وبقية المباني التراثية، والتي ستتأثر بأعمال الإنشاءات وحركة السيارات فيما بعد، وفي حالة صحة ما سمعناه عن العزم بإنشاء كوبري، فهذا سيقطع بانوراما الجبانة وسيهدد قبة قانصوه أبو سعيد، كما أن توسيع الشارع يعد تفكيك لوحدة وترابط الجبانة كمنطقة كاملة تعتبر مدينة للموتى كما يفكك نسيجها العمراني الممتد على مر العصور وذلك بكون المقابر التي هدمت كانت تمثل تكملة حضارية متناسقة للمنطقة بشكل عام.





عن قانون المائة عام

فيما قال الدكتور مصطفى الصادق أحد أشهر المهتمين بالشأن التراثي في مصر، إن مسألة مرور مائة عام على المبنى كي يتم تسجيله أثرًا يجب أن يُعاد النظر فيها، فالمشكلة أنها ليست مائة عام من وقت ما نتحدث الآن، بل هي مائة عام وقت صدور هذا القانون، أي ما قبل 1983م، وهو الأمر الذي يجعل الكثير من المباني ذات الطراز أو القيمة الاجتماعية والتاريخية عرضة للتدمير بحجة كونها غير مسجلة في عداد الآثار.

وأضاف الصادق، "ما حدث قد حدث فماذا عن القادم، وقد تناثرت عدة أقاويل أنه لازالت هناك أعمال هدم قادمة، والتي ستطال عدد من المباني الأثرية "الغير مسجلة"، سواء في مقابر الإمام الشافعي أو الإمام الليث، هل نستطيع أن نوقف بلدوزر الهدم عند هذا الحد ونبتكر بدائل تبتعد به عن المناطق التراثية والأثرية بشكل عام"

وأشار إلى أن المشروعات القومية للدولة لا يستطيع أحد أن ينكر المجهود المبذول فيها، وأهميتها بل وضروريتها وأنها جزء من إعمار مصر، وفتح مسارات جديدة نحو المستقبل، نحن فقط نأمل أن لا تصطدم هذه المسارات بمناطق أثرية أو تراثية جديدة".

قوانين الجهاز القومي للتنسيق الحضاري

وفي ذات السياق قال معاذ لافي الباحث في الآثار الإسلامية، والذي قام بجولته الخاصة في المنطقة بعد الهدم، إن المنطقة خاضعة للحماية بالقانون رقم 119 لسنة 2008 الخاص بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري وقانون حفظ التراث التابع لمنظمة اليونيسكو، والذي ينص على ‫أنه لا يجوز إقامة أو تعديل أو تعلية أو ترميم أي مبان أو مشروعات أو منشآت ثابتة أو متحركة ولا وضع إشغالات مؤقتة أو دائمة ولا تحريك أو نقل عناصر معمارية أو تماثيل أو منحوتات أو وحدات زخرفية في الفراغات العمرانية العامة "الطرق"، كما يحظر إقامة أي مبان مثل كباري المشاة أو الطرق العلوية للسيارات أو الإعلانات واللافتات الإرشادية التي تقطع الشوارع.  



وأكمل لافي أن ما سبق يتفق مع قانون حماية الآثار الذي يحظر إقامة أي منشأه تعلو الأثر، كما يتحدث قانون الجهاز القومي للتنسيق الحضاري عن عدم إقامة أي منشأة أو مبنى لا يتناسق ولا يتفق مع النسيج العمراني للمنطقة، فضلاً عن إقامة أي منشأة ضخمة تضر بالمنطقة، وهو ما يتعارض مع فكرة إنشاء الكوبري.

فإقامة محور أو كوبري في تلك المنطقة معناه انتهاء القيمة التراثية لها، وإلحاق الضرر بالأثر، حيث أن المحور سيكون ملاصقاً لقبة قانصوة أبو سعيد، وقريبٌ من مجموعة السلطان إينال ومسجد الأمير قرقماس مما سيلحق الضرر ببنية الأثر نفسه نتيجة للمجسات الخرسانية في تلك التربة الهشة، فضلاً عن تأثير عبور السيارات، وهو ما قد يتسبب في سقوط العديد من الأبنية سواء كانت مسجلة أو غير ذلك.

وتابع لافي، قائلًا، إن رئيس القطاع، قال إنه لا مساس بالآثار المسجلة، وأنقل له مشاهداتي من أرض الواقع، فعندما نزلت للمنطقة جدت أن الكوبري أو المحور سينتهك حرم الأثر حيث لن يبتعد عنه أكثر من ثلاثة أمتار والأعمال الخرسانية بجانب القبة ستؤثر بالسلب عليها مما يهددها بشكل كبير.

ثم علق على ما تم نشره على لسان مسؤولي الآثار، من أنه سيتم تشكيل لجنة لمعاينة شواهد القبور ذات القيمة الفنية بعد عمليات الهدم، ويبدو أنهم تأخروا على أرض الواقع، حيث لم يُعلن عن حفظ أي شاهد قبر قبل أن تعبث به يد مقاولو الهدم.

وأضاف، تاريخ المنشآت في تلك المنطقة يرجع إلى عصر سلاطين المماليك بتسلسل زمني مستمر حتى وقتنا الحاضر له طرز معمارية مختلفة تعبر عن ثقافة وتذوق مهندسي تلك الأبنية سواءً كانت مسجلة وهي النسبة الأقل أو غير مسجلة وهي منشآت أواخر القرن 19 أوائل القرن 20 لشخصيات محورية في التاريخ ونالتهم يد الهدم مثل مدفن عائلة إحسان عبد القدوس وأحمد لطفي السيد وزكي بك المهندس وتلك هي النسبة الأكثر.




اللوم ليس على وزارة الآثار

فيما قال عماد عثمان كبير أثريين ومدير منطقة شرق سابقًا، إن وزارة الآثار تم إقحامها إقحامًا في هذا الأمر، ولو أننا سنلقي باللوم حقيقة فسيكون على جهاز التنسيق الحضاري، والذي كان يجب أن يعمل على تسجيل الطرز المعمارية المميزة في مقابر الغفير، وإحقاقًا للحق فإن وزارة الآثار لم تقم بتسجيل بعض المباني التي طالبنا بتسجيلها مثل قبة شيوه كار، والتي لم يسجل فيها سوى التركيبة حتى الآن.

ومن ناحية أخرى قال أحد مسؤولي تسجيل الآثار ورفض ذكر اسمه أن العديد من المباني التي يطلق عليها الطراز المميز في جبانة المماليك لا ترقى للتسجيل الأثري، حيث أن التسجيل له إحدى عشر بندًا يجب أن تتوافر في المبنى حتى يتم تسجيله أثرًا.



قرار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية 

وفي ذات السياق حصلت الفجر على قرار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الصادر بتاريخ 31 يناير 2019 والمنشور في العدد 44 من الوقائع المصرية في ٢٣ فبراير ٢٠١٩م، حيث أوصت اللجنة  بحصر وتسجيل مقابر الغفير بالطرف الشمالي من قرافة صحراء المماليك لأنها "ذات الطراز المعماري المتميز والقيمة المتميزة من جهة وتمثل حقبة تاريخية"، والقانون رقم 144 لسنة 2006 في شأن تنظيم هدم المنشآت والمباني غير الآيلة للسقوط والحفاظ علي التراث المعماري.

وقرار رئيس الوزراء رقم 2276 لسنة 2006 بمعايير ومواصفات المباني والمنشآت ذات الطابع المعماري، والقرار الوزاري رقم 289 لسنة 2016بإعادة تشكيل اللجنة المختصة بمراجعة المستندات الخاصة بلجان حصر المباني ذات القيمة المتميزة المشكلة بالمحافظات، ويمكن مطالعتها عبر الملف التالي:



وهذه مقابر أوصت اللجنة بالحفاظ عليها وإدراجها بالحصر وذلك لكونها ذات طراز معماري متميز ولكونها تمثل حقبة تاريخية باعتبارها تمثل النمط الذي كان سائدا في وقت بنائها وهي، منطقة مقابر الغفير، والتي وصل عددها إلى 58 مقبرة وجاءت كالآتي:

 رقم القيد بكشوف الجهاز

142                              المهندس علي علمي أحمد شلبي تاريخ الإنشاء 1971 م

143                              المهندس علي نور محمود تاريخ الإنشاء غير معلوم

145                              الحاج مصطفي أحمد عوض وعائلته تاريخ الإنشاء 1972 م

146                              أنجال الحاج محمد محمد حسن تاريخ الإنشاء 1971 م

271                              السيد عبد العزيز محمد السباعي الجواهرجي تاريخ الإنشاء 1930 م

المهندس مختار إبراهيم تاريخ الإنشاء 1985م

الحاج حسن مرزوق وأنجاله تاريخ الإنشاء 1971 م

الحاج عبد الحميد عبد العزيز تاريخ الإنشاء 1970م

الحاج وليد حمدان تاريخ الإنشاء 1970م

120                              الحاج محمد متولي أحمد السني تاريخ الإنشاء 1962م

258                              اللواء صالح باشا فريد عضو مجلس الجيش الأعلي تاريخ الإنشاء 1930م

حرم المرحوم محمد أحمد إدريس إبن كيران تاريخ الإنشاء 1972م

الحاج محمود السيد أبو كريشة"الشهير بأبو كريشة"1981 م

الحاج أحمد الهادي بزان تاريخ الإنشاء غير معلوم

إبراهيم إبراهيم واصل تاريخ الإنشاء 1975م

مصطفي يوسف حافظ الزهار تاريخ الإنشاء 1975م

محمد رمضان مخلوف وعائلته تاريخ الإنشاء 1972م

3                                  الدكتور محمد إبراهيم رضوان تاريخ الإنشاء غير معلوم

مبروك باشا فهمي / الدكتور محمد القلماوي بك تاريخ الإنشاء غير معلوم

الحاج علي فرج حسانين تاريخ الإنشاء 1972م

أسرة المرحوم مصطفي شكيب تاريخ الإنشاء غير معلوم

عدد 13 مقبرة بلا أرقام وغير معلوم أسماء أصحابها ولا تاريخ الإنشاء

عائلة إسماعيل بك راجي تاريخ الإنشاء غير معلوم

عز الدين محمد إسماعيل تاريخ الإنشاء غير معلوم

عائلة الحاج بكر مصطفي/عائلة الشربيني/عائلة الجنيدي تاريخ الإنشاء غير معلوم

الدكتور محمد الشافعي الظاهري 1967م

عائلة المهندس الاستشاري محمد علي بهجت 1985م

اللواء أركان حرب أحمد حلمي المتيني باشا تاريخ الإنشاء 1936 م

أحمد نعيم أحمد تاريخ الإنشاء 1984م

كمال الدين حافظ رمضان 1984م

الحاج عرفة السيد حسين وعائلته تاريخ الإنشاء غير معلوم

عائلة الحاج عباس حافظ رمضان تاريخ الإنشاء غير معلوم

أل عبد المنعم تاريخ الإنشاء غير معلوم

193                              محمد بك صادق خلوصي تاريخ الإنشاء 1932م

195                              الأميرلاي حامد بك حمدي تاريخ الإنشاء 1935م

الشيخ علي زكي من علماء الأزهر 1354 هجري

مهندس محمد داوود علي تاريخ الإنشاء غير معلوم

190                              الشيخ محمد عبد اللطيف الفحام وكيل الجامع الأزهر تاريخ الإنشاء 1943م

191                              الشيخ أحمد مكي عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف تاريخ الإنشاء 1936م

192                              الدكتور محمد بك عساكر تاريخ الإنشاء 1943م

الحاج أحمد سويلم التاجر تاريخ الإنشاء 1947م

10                                إسماعيل علي محمد تاريخ الإنشاء 1966م

63                                سيد عثمان الخولي وأسرته تاريخ الإنشاء 1939م

75                                أحمد باشا عطية وزير الدفاع السابق تاريخ الإنشاء 1951م

أل بليغ تاريخ الإنشاء غير معلوم

180                              علي عنتر جمعة تاريخ الإنشاء غير معلوم.


قانون حماية الآثار المواد 20 و 21 

فيما يلي ننشر مادتين من قانون حماية الاثار والتي تعتبران أن حرم الأثر والأرض المحيطة به جزء منه يمكن مطالعتها عبر الملف التالي:



المادة 20 من قانون الآثار بحظر إقامة منشآت او شق قنوات أو إعداد طرق أو الزراعة في المواقع أو الأراضي الأثرية أو المنافع العامة للآثار أو الأراضي الداخلة ضمن حرم الأثر أو خطوط التجميل المعتمدة، كما لا يجوز غرس أشجار أو قطعها أو رفع أنقاض أو أحجار أو أخذ أتربة أو أسمدة أو رمال، أو القيام بأي عمل يترتب عليه تغيير في معالم هذه المواقع، ويسري حكم الفقرة السابقة علي الأراضي المتاخمة التي تقع خارج نطاق المواقع المشار إليها، والتي تمتد حتي مسافة ثلاثة كيلو مترات في المناطق غير المأهولة، أو المسافة التي يحددها المجلس بما يحقق حماية بيئة الأثر.

مادة 21 من قانون الآثار، يجب عند تغيير تخطيط المدن أو الأحياء أو القرى مراعاة مواقع الآثار والأراضي والمباني الأثرية التي توجد بها، ولا يجوز تنفيذ التخطيط المستحدث أو التوسع أو التعديل في المناطق الأثرية والتاريخية، الا بموافقة كتابية من المجلس بذلك، مع مراعاة حقوق الارتفاق التي يرتبها المجلس.


تساؤلات مشروعة

وفي النهاية هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها المقابر التراثية للإزالة، فعند إنشاء طريق الأوتوستراد تعرض عدد كبير منها للإزالة، وكذلك عند شق طريق صلاح سالم، والسؤال الذي نطرحه الآن، هل سيستمر الحال على ذلك؟ ألا نستطيع الابتعاد ولو قليلًا بيد الهدم عن تلك المقابر التراثية، ثم ما حقيقة الأقوال المتناثرة عن بدء أعمال هدم في مقابر الإمامين، الإمام الشافعي والإمام الليث؟

وقد لا حظت الفجر خلال العمليات التي تمت لإزالة تلك المقابر في منطقة مقابر الغفير، هو عدم التنسيق ما بين الأجهزة المختلفة سواء المحافظة أو التنسيق الحضاري أو الآثار، وكل جهة تحاول أن تلقي بالمسؤولية على الجهة الأخرى، وهو الأمر الذي كانت محصلته في النهاية إزالة عدد من المباني التراثية، والتي كانت هناك توصيات بالحفاظ عليها.

كل محب للتراث لا يرغب في إزالة ولو طوبة واحدة من مبنى تم على يد الأسبقين ولو لم يمر عليه مائة عام، ولو لم يتوافر فيه كل الشروط الواجبة للحفاظ عليه، والقوانين التي سقناها خلال التحقيق تقف في صف رغبة محبي تراث هذا البلد، وهي حماية هذا التراث ولو كان حديثًا، وفي نفس الوقت نرغب جميعًا في النهوض ببلادنا، وإكمال مشروعاتنا القومية التي انطلقت ولا نريد لها التوقف، فمحور الفردوس من المشروعات الهامة للغاية، ونقف إلى جانب الحكومة في سبيل إكمالها على الوجه الذي ييسر للمواطن حياته، ولكن هل نستطيع التوفيق والتنسيق بين الجانبين، نكمل المشروع من جهة، ونحافظ على تراثنا من جهة أخرى؟، سؤال ننتظر الإجابة عليه خلال الأيام القادمة.