عادل حمودة يكتب: زواج سياسى بين «أميرة» ترك الرب توقيعه عليها و«شاه» تسيطر عليه شقيقته المسترجلة

مقالات الرأي



من هى السيدة المتساهلة أخلاقيًا التى هددتها فريدة بإطلاق النار عليها؟

جمال الأميرة التى حملت لقب إمبراطورة كان سببا من أسباب تعاستها وجعل منها لعبة سياسية ترصدها وتحللها أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية

الملكة نازلى تصف محمد رضا بهلوى بـ«الجلنف» وتلطم على وجهها حتى لا يتزوج ابنتها فوزية

توارى فاروق وراء طلاق فوزية من الشاه حتى يمرر طلاقه هو وفريدة

سرق فاروق حقائب شقيقته الإمبراطورة فوزية بـ«طفاشة» ففشلت خطة على ماهر ليصبح ملك ملوك الشرق

من شدة جمالها تصورت أن فوزية لم تتجاوز الأربعين فى الوقت الذى كانت فيه فى السبعين

شاء القدر أن يطلب على ماهر من فاروق التنازل عن العرش وهو الذى خطط ليكون أهم ملوك المنطقة 

أمرت الأميرة أشرف شقيقها بقبول الطلاق فتراجع عن إصلاح العلاقة مع فوزية


وصفت بأنها أجمل أميرات العائلات الملكية.. بل.. أجمل نساء الأرض.. تجاوزت سحر نجمات السينما.. حولت حكام العالم من الخشونة إلى الرومانسية.. حولتهم إلى شعراء يهيمون فيها عشقا.

ينسب إلى الجنرال شارل ديجول (أشهر رؤساء فرنسا) أنه اعتبرها المرأة التى ترك الرب توقيعه عليها.

وينسب إلى ونستون تشرشل (أشهر رئيس وزراء فى بريطانيا) قوله: إنها صاحبة جمال نادر غامض يجبرك على التمعن فيها بلا كلل ولا ملل إنها منحوتة فائقة الفتنة.

ولم يصدق شاه إيران محمد رضا بهلوى أنها قبلت به زوجا وتحمل 25 يوما سفرا من طهران إلى القاهرة حتى يلقاها ويصدق أنها وافقت عليه.

فى ذلك الوقت من شتاء عام 1939 لم تكن هناك خطوط طيران بين العاصمتين.. لم يجد الشاه الشاب أمامه سوى السفر برا وبحرا ليصل إليها.. بدأت رحلته هو وحاشيته بالسيارات إلى بغداد حيث نزل ضيفا على ملك العراق فيصل الثانى فى قصر الزهور.. ومن بغداد واصلت السيارات الرحلة إلى دمشق حيث زار آل البيت النبوى فى مقبرة الباب الصغير.. ومن دمشق انطلق إلى بيروت لتبدأ منها رحلته البحرية إلى الإسكندرية.. وما أن وصلها حتى استقل القطار الملكى إلى القاهرة.

كأننا أمام أسطورة من أساطير ألف ليلة وليلة حيث يعبر الفارس بحورا وأنهارا ويهبط وديانا ويتسلق جبالا ويواجه أخطارا حتى يظفر بـ«ست الحسن والجمال».

والحقيقة أن الأميرة فوزية الابنة البكر للملك أحمد فؤاد وزوجته نازلى صبرى تستحق أن تكون بطلة ألف أسطورة وأسطورة تستحق أن تروى إلى يوم القيامة.

لم أر صورة امرأة شابة مثلها.. كأنها المرأة التى وصفها نزار قبانى فى قصيدة حب بلاحدود بأنها صنعت من فاكهة الشعر ومن ذهب الأحلام.. المرأة التى ليس عليها الاهتمام بإيقاع الوقت وأسماء السنوات لأنها: تبقى امرأة فى كل الأوقات.

يكفى الرجل أن تعشقه امرأة مثلها ليدخل كتب التاريخ وترفع من أجله الرايات.

والحقيقة أن الزمن لم يخاصمها.. وظل لسنوات طوال يخشى النيل من جاذبيتها.. كأنه يخشى ألا تجود الدنيا بامرأة مثلها.. بل ظل الزمن على ما يبدو يرجو الموت ألا يقربها حتى تجاوزت التسعين من عمرها.

وأعترف أننى شددت إليها عندما رأيتها صدفة فى مطعم سانتا لوتشيا.. أشهر مطاعم السهر فى الإسكندرية حيث يسمح بتحطيم الأطباق فى سهرات رأس السنة على الطريقة الجريكية (اليونانية).. كانت تحتفل بعيد ميلادها وسط أسرتها الصغيرة.. زوجها الثانى إسماعيل شيرين وابنتها (نادية) وابنها (حسين) منه.

كان الدكتور هشام صادق (العميد الأسبق لكلية الحقوق جامعة الإسكندرية) قد دعانا أحمد حمروش وأنا للعشاء فى المطعم ذاته.. وما أن عبرت عن دهشتى باحتفاظ امرأة بجمالها رغم أنها لم تتجاوز الأربعين عاما حتى أطلق أحمد حمروش (واحد من الضباط الأحرار ورئيس تحرير روزاليوسف فيما بعد) ضحكته المميزة قائلا: إنها اليوم فى السبعين.. وتضاعفت دهشتى بالطبع.. ووجدتنى أنظر إليها غير مصدق حتى شعرت بالخجل من تجاوزى الحدود.

سألنى أحمد حمروش: ألا تعرفها؟.

وقبل أن أجيب تلقيت الصدمة الثانية: إنها الأميرة فوزية.

وأمام الصمت الذى أخرسنى أمسك أحمد حمروش بيدى وقادنى حيث تجلس وقدمنى إليها فردت بجملة فرنسية تعنى تشرفت بمعرفتك.

وقام زوجها ليصافحنى وهو يقول: تعرفت عليك من كتاباتك الجريئة فى «روز اليوسف».

وراح يتحدث إليها عنى بالفرنسية فقد كانت تهز رأسها وهى تنظر إلى وعلى شفتيها ابتسامة رقيقة جدا.

وما أن عدنا إلى مائدتنا حتى لحقت بنا قطع من تورتة احتفالها فرفعنا الكؤوس فى صحتها.

عرفت من الدكتور هشام صادق أنها تعيش فى حى سموحة وأنها فى حالها مضيفا: لم نسمع لها حسا.. انزوت على نفسها وعائلتها وتجنبت الحديث عنها منذ أن انهارت عائلتها بعد خروج شقيقها من مصر.. إنها ملاك لم تغتر.

شهادة يجب تصديقها من رجل آمن بثورة يوليو ودافع عن توجهاتها وتبنى سياستها وعرف جمال عبد الناصر عن قرب بحكم المصاهرة (شقيقه حاتم متزوج من هدى عبد الناصر) وناقشه بجرأة فى تعديل كثير من التشريعات المتعلقة بالقضاء والحريات.

ولدت فوزية فى الإسكندرية (5 نوفمبر 1921) وتوفيت فيها (2 يوليو 2013) بعد أن عاشت هناك أكثر من ستين سنة قبل أن تدفن بجوار زوجها فى القاهرة بعد الصلاة على جثمانها فى مسجد السيدة نفيسة حسب وصيتها.

لكن جمال الأميرة التى حملت لقب إمبراطورة كان سببا من أسباب تعاستها وجعل منها لعبة سياسية ترصدها وتحللها أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية.

كانت العائلة المالكة المصرية عائلة عريقة تمتد جذورها إلى عام 1805 حين قفز مؤسسها محمد على باشا الكبير فوق عرشها.. وجيل بعد جيل وولى بعد خديو وسلطان بعد ملك اكتسبت تلك العائلة قواعد وأصول وتقاليد استقرت وتوارثت ورفعت من قدرها حتى طالت العائلات المالكة الأرستقراطية فى بريطانيا وروسيا وإسبانيا.

فى الوقت نفسه كانت الملكيات الأخرى فى الشرق لا تزال بلا استثناء تحبو فى اتجاه الترف والثراء والبحث عن مكانة لها تحت الشمس الحارقة فى العراق والأردن والسعودية وإيران لتزيد من تميزها وتثبت عروشها.

ولم تخف تلك العائلات انبهارها بالملكية فى مصر وكثيرا ما أرسلت رجال بلاطها إلى قصر عابدين لاكتساب الخبرات فى إدارة الديوان وتسجيل المكاتبات ووضع قوائم الطعام وتربية الأمراء والأميرات.

وأرسلت مصر إليها خبراء بروتوكول وطهى وتنسيق أثاث وحدائق وزهور وسبقهم مستشارون فى السياسة والإدارة والقانون.

وأوحى ذلك الواقع إلى على ماهر (باشا) بفكرة وجيهة ومحفزة ومغرية وحالمة تحمس الملك فاروق لدراستها فور سماعها بعد أن صور له خياله سيطرته على المنطقة بأسرها.

وعلى ماهر كان رئيس ديوان الملك فؤاد قبل أن يصبح رئيسا للحكومة أكثر من مرة فى عصر ابنه الملك فاروق.

وبسبب حنكته ومرونته وبراعته السياسية وموهبته فى المناورة وصف بأنه رجل الأزمات والمهمات الصعبة.. وشاء القدر أن يختاره الضباط الأحرار رئيسا للوزراء فى أعقاب نجاح ثورة يوليو.. وكانت مهمته الأولى إقناع الملك فاروق بالتنازل عن العرش والرحيل من مصر.

وينسب للملك فاروق أنه قال له: إنها سخرية القدر يا باشا أن تطالبنى بالتنحى وكنت فى يوم من الأيام تسعى لوضعى ملكا فوق الملوك من حولنا.

كانت خطة على ماهر أن تصاهر العائلة المالكة المصرية العائلات المالكة الأخرى فى المنطقة ليصبح فاروق ملك الملوك وتصبح مصر سيدة الدول الشرقية.

والفكرة مقتبسة من النظام القبلى الإسلامى حيث يتزوج الملك أو الأمير أو السلطان امرأة من كل قبيلة ليضمن ولاءها وتتجنب الحرب معه خاصة إذا أنجب من كل امرأة ابنا تسانده قبيلة أمه.

وبتلك الفكرة ضمن فاروق امتداد نفوذه إلى البيوت المالكة فى المنطقة بعد زواج شقيقاته (فوزية وفايزة وفائقة وفتحية) بملوك وأمراء منها.

وبدأت التجربة بالأميرة فوزية.

حسب كريم ثابت (السكرتير الصحفى للملك) فإن فاروق وصف فوزية بأنها خام جدا.. لم تعرف من الحب إلا اسمه.. لم يزد حديثها مع الجنس الآخر عن عبارات التحية.. لم يكن لها رأى فى الرجل الذى تود أن تتزوجه.

أما سبب ما كانت عليه شخصيتها فكان القسوة والصرامة والحدة التى ورثتها نازلى عن زوجها فى معاملة بناتها.

وبلسان ابنها: كانت تملى عليهن مشيئتها باستبداد وتطالبهن بالاحترام والخضوع لها بلامناقشة أو مراجعة ولم تكن لتتورع بشتم وصفع من تخرج عن طوعها.

ولو كانت فوزية قد نجت لطبيعتها الناعمة من عقاب الأم فإن شقيقتها فايزة قبلت بالزواج من أول رجل يطلب يدها عن طريق خاطبة هو محمد على رؤوف وكان مصير فتحية أسوأ كما سنعرف فيما بعد.

كانت فوزية بشهادة مربيتها الفرنسية مدام تابورية ومدرس اللغة العربية أحمد يوسف التى نقلها كريم ثابت فتاة عاقلة وجد وقليلة الكلام وأكثر شقيقاتها رصانة وهدوءًا وأقلهن حركة ومرحا حتى أن من يعرفها يظن أنها تعانى من الكآبة ولم يكن أحب إليها أكثر من الجلوس فى مكان منعزل وقراءة الروايات العاطفية التى عوضت بها واقعها المنغلق.

وما أن كاشفها فاروق بفكرة زواجها من الشاه (وكان وقتها وليا للعهد) حتى قالت بحياد مذهل:

ــ لو كنت تريدنى أن أتزوج به فليكن ما تريد.

ــ إننى أود أن يتم الزواج ولكن لا أجبرك عليه إذا كنت لا تميلين إليه.

ــ مادمت تراه مناسبا فلابد أن يكون مناسبا.

وعندما أطلعها على صورته ابتسمت قائلة:

ــ إنى لا أعرفه ولا أعرف غيره ولكنى أعتمد على رأيك وأقبل به.

ــ إذن أتمنى لك زواجا سعيدا موفقا.

وأبلغ فاروق الشاه الأب بالموافقة على زواج شقيقته من ابنه.

وعرفت الخارجية المصرية من سفيرها فى إيران أن مصادره فى القصر الإمبراطورى (خاندان بهلوى) تجمع على أن زواج ولى العهد من فوزية يلقى شعورا بالفخر والسعادة.

ولكن فى القاهرة لم تخف الملكة نازلى غضبها من زواج ابنتها الراقية من رجل جلنف لم يتعلم قواعد البروتوكول ويفشل فى الالتزام بآداب المائدة ولا يتمتع بذوق كاف فى الملبس والحديث ولا يعرف كيف يتعامل مع النساء؟.

وعندما بلغها أن هناك هدفًا سياسيًا وراء الزواج لطمت على وجهها حسب ما ذكر لى أمين فهيم فيما بعد.

وأضافت نازلى: حرام عليكم البنت غلبانة وحبتها صغيرة (تقصد نحيفة) ولن تحتمل تبعات توترات العلاقات بين البلدين وربما راحت فيها كما أننى لن أحتمل أن تعيش ابنتى بعيدا عنى فى مكان لا يرقى للقصور التى تعيش فيها.

وسألت ابنها:

ــ كيف تقبل زواجا فيه خلاف واضح بين مذهب الزوج (المذهب الشيعى) ومذهب الزوجة (المذهب السنى)؟.

أجاب فاروق:

ــ فى الفراش والحكم لا أحد يلتفت للمذاهب.

وتعمد فاروق أن يبهر الشاه الصغير بما فى قصوره من لوحات وثماثيل وأثاث وتحف عمرها عشرات السنين إلى جانب ما يملك من سيارات ونقود وأسلحة تذكارية وتعمد الحديث عما يملك من ثروات سائلة وثابتة تفوق الخيال.

وتزوجت فوزية من محمد رضا بهلوى الذى لم تره سوى مرة واحد ولم تتبادل معه سوى كلمات أقل من أصابع اليد الواحدة.

فى كتابها نساء الأسرة العلوية نقلت مروة على حسين عن الصحف المصرية (خاصة مجلة الاثنين والدنيا) أن العروس نالت طاقما من ألماس صنع لها خصيصا بيت المجوهرات فان كليف فى باريس بجانب مجموعة من الفراء الثمين وثياب السهرة والرياضة والاستقبالات الرسمية.

ومنحت فوزية قبيل قرانها براءة نيشان الكمال المرصع بالماس من الملك فاروق.

واستقبلت هدايا كثيرة من وجهاء وأمراء البلدين وأهدتها العائلة المالكة البريطانية طاقما فضيا للمائدة.

وعقب عقد القران فى 15 مارس 1939 انتقلت فوزية من مصر إلى إيران وبدا واضحا أنها نالت رعاية والد الزوج فقربها منه لتكون عونا لزوجها فى تسيير الأمور عندما يتولى العرش فيما بعد بل أكثر من ذلك أطلق اسمها على مدينة إيرانية هى مدينة: شافيد تششمة لتصبح: فوزية آباد.

ولكن سرعان ما فقد الشاه الأب عرشه بعد تدخل الإنجليز للتخلص منه خشية الانضمام لدول المحور (ألمانيا الهتلرية وإيطاليا الموسولينية) وتزويدها بالنفط فى الحرب العالمية الثانية ونفى إلى جنوب إفريقيا وما أن فاضت روحه هناك حتى نقل جثمانه إلى مصر ليدفن فى مسجد الرفاعى بأسلحته الشخصية وفيما بعد اكتشفت عائلته أن فاروق سرق سيفه المرصع بالماس.

تولى محمد رضا بهلوى العرش فى 16 سبتمبر 1941 وأصبح شاها بمباركة بريطانيا ونالت فوزية لقب إمبراطورة.. ولكنها لم تنجب وليا للعهد وإنما أنجبت ابنة هى شاهيناز.. وكان لابد أن تبدأ متاعبها.

من المؤكد أن اختلاف الحياة فى إيران عن مصر ضاعف من شعور فوزية الطبيعى بالعزلة كما أن نوعية الطعام وطرق تناوله زادت من نحافتها وتسببت معاملة الأميرة أشرف لها فى مزيد من متاعبها النفسية.

والأميرة أشرف الشقيقة التوأم للشاه.. ولدت بعده بخمس دقائق.. سميت زهراء عند ولادتها.. لكن الشاه الأب أطلق عليها أشرف الملوك.

اشتهرت بالقسوة وقوة الشخصية وتمتعت بنفوذ أكبر من أخيها حتى أن والدهما كان يعتبرها الولد وشقيقها البنت وأسعدها أن يطلقوا عليها ولو همسا: النمر الأسمر.

وما أن أنجبت فوزية ابنتها حتى شنت أشرف وأمها تاج الملوك حربا عصبية شرسة بدعوى أنها لم تنجب ولى العهد.

الغريب أن أشرف تزوجت ثلاثة رجال كان ثانيهما مصريا هو أحمد شفيق بك المدير العام لهيئة الطيران المدنى وكانا قد التقيا فى القاهرة عام 1944 بعد طلاقها من زوجها الأول وما أن تزوجا حتى سافرا إلى طهران ليقيما فى القصر الشاهنشاهى وقد أنجبا ابنا (الأمير جوهر شهريار) وابنة (الأميرة آزاده) قبل أن ينفصلا عام 1959.

وفيما بعد عندما أمم رئيس الحكومة المنتخب محمد مصدق البترول فى إيران قادت أشرف المعارضة السياسية ضده حتى أجبر على نفيها إلى فرنسا ولكنها أدارت انقلابا مضادا دبرته وكالة المخابرات المركزية (تحت قيادة كيرميت زوزفلت) أطاح به وأعاد الشاه إلى عرشه واستردت شقيقته نفوذها.

وبذلك الانقلاب انتقت كفالة الشاه من لندن إلى واشنطن وسيطرت شركات النفط الأمريكية على ثروات إيران والأهم أنها وجهت سياساته إلى حيث تشاء.

وفيما بعد أيضا عندما نجحت ثورة الخومينى لم يجد الشاه سوى مصر ليقيم فيها ولحقت به أشرف وشاءت الأقدار أن يدفنا فى مسجد الرفاعى بجانب والدهما.

وكشفت أشرف عن كل ما تعرف من أسرار بصراحة لم تخل من الوقاحة فى مذكراتها التى نشرت تحت عنوان: وجه فى المرآة.

اعترفت أنها كانت تميل لنساء جنسها أكثر من ميلها للرجال وكشفت عن غيرتها من رقة فوزية وأرستقراطيتها وتجاهلها لكل أميرات البلاط الإيرانى ولم تخجل من البوح بأنها تعمدت تحطيم معنويات الأميرة المصرية واستكثرت عليها لقب إمبراطورة.

ورغم كل ما تعرضت إليه من مضايقات فإن فوزية لم تفكر فى الطلاق وظلت مطيعة ومحبة له ولكن كان لشقيقها فاروق رأى آخر أصر عليه ولم يسترح إلا عندما تحررت من زوجها الخشن على حد تعبيره.

يروى كريم ثابت القصة كما عاشها فى كتابه: طلاق إمبراطورة والكتاب لو جردته من الثرثرة لما زاد عن مقال كبير لا يحتاج نشره سوى صفحتين فى جريدة ولكنها براعة صحفى عرف كيف يكسب ثقة الملك ليعرف أسراره وعرف كيف يتحكم فى أسلوب كتابتها.

وكريم ثابت من أسرة هاجرت من الشام واستوطنت مصر فى القرن التاسع عشر وتولى والده رئاسة تحرير جريدة المقطم التى يمتلكها فارس نجم وكانت وثيقة الصلة بالاحتلال البريطانى وورث كريم ثابت المنصب ذاته.

انتقل كريم ثابت إلى جانب محمد التابعى ومحمود أبو الفتح وذات يوم قرر الثلاثة الاستقالة لتأسيس جريدة المصرى ولكنه باع حصته عندما اختير سكرتيرا صحفيا للملك فى عام 1942 فى أعقاب أزمة 4 فبراير.

رشحه للمنصب والتر سمارت المستشار الشرقى فى السفارة البريطانية المتزوج من ابنة فارس نمر خال كريم ثابت.

ظل كريم ثابت فى منصبه عشر سنوات انتهت بقيام الثورة وسقوط الملكية ولقربه من فاروق سجن سنوات طوالًا بعد محاكمته بتهمة إفساد الحياة السياسية واستفاد من وجوده فى السجن بكتابة مذكراته التى نشرت فى جزءين بعد وفاته: عشر سنوات مع فاروق وفاروق كما عرفته والملفت للنظر أن محمد حسنين هيكل كتب مقدمتهما.

وكان الكتاب أو الكتيب الثالث: طلاق إمبراطورة.

حسب كريم ثابت فإنه كان يجلس فى شرفة قصر المنتزه عندما دخل عليه الملك فاروق مرتديا الروب دى شامبر ثم حدق فى الفضاء شاردا قبل أن يتحدث فجأة بالفرنسية قائلا:

إن شقيقتى فوزية تعيسة جدا.

وأضاف:

معلوم فوزية تعيسة جدا وتعيش عيشة قاسية عيشها كلها مرارة وكلها نكد وكلها بكاء.

كان مصدر معلومات فاروق تقارير سرية يرسلها من طهران شاب مصرى يقيم هناك ويتصل بالإمبراطورة عن طريق آنسة مصرية مقربة إليها ولكن لم يفصح فاروق عن اسمه وإن بدا واثقا مما يرسل من معلومات.

وتوالت المعلومات السرية:

فوزية مريضة جدا وغالبا ما أصيبت بالملاريا.. فوزية أحبت معلمها وتعلقت به حتى سيطر عليها.. فوزية تفكر فى الهرب مع المعلم إلى جهة مجهولة أملا بأن تجد فى العيش معه السعادة المحرومة منها.

لكن كريم ثابت شكك فى صحة هذه المعلومات مؤكدا أن طبيعة فوزية لا تقبل بالمغامرات العاطفية كما أن السفير المصرى فى طهران وثيق الصلة بحاشية الشاه لم يرسل معلومة واحدة ولو عابرة تشير إلى صحة تلك المعلومات بل على العكس تؤكد أن الإمبراطورة تحب زوجها وتعيش معه فى سعادة واضحة رغم ما تتعرض إليه من مضايقات تسببها شقيقته.

ولكن فاروق كان مصرا على صدق معلومات مصدره ولشعوره بالذنب لمسئوليته عن زواج فوزية بدأ يفكر فى خطة إنقاذها من الجحيم الذى تعيش فيه.

وكانت الخطة فى البداية سفر الأميرة فايزة إلى طهران لتزور شقيقتها ولتقدم زوجها إليها وإلى الشاه وفى خلال هذه الزياة العائلية سوف يتسنى لفايزة كشف حقيقة معاناة فوزية وستكون الأكثر دقة فى رصدها ومعرفتها.

ولكن سرعان ما قلب فاروق الخطة.. أن تستأذن فوزية الشاه فى القدوم إلى مصر للقاء شقيقتها بمناسبة زواجها ولقضاء وقت مع أهلها وخلال الزيارة سيتاح معرفة ما أثير من شبهات حول ما نسب إليها من معلومات المصدر المجهول.

لم يتردد الشاه بالترحيب بالفكرة وكانت موافقته دليلا على أن لا خلاف بينه وبين فوزية وإلا ما سمح لها بالسفر إلى أهلها حتى لاتشكوه إليهم.

بل أكثر من ذلك أبدى البلاط الإيرانى اهتماما بالزيارة وأرسلت معها حاشية لتوفير مصادر الراحة إليها.

وراحت السفارة الإيرانية فى القاهرة تتابع التفاصيل باهتمام مضاعف لتتأكد من حسن ضيافة الإمبراطورة واستجاب فاروق لطلبها بأن يكون فى مقدمة مستقبليها عند هبوط طائرتها فى مطار النزهة وأن يؤدى لها حرس الشرف التحية العسكرية وتعزف الموسيقى السلام الوطنى الإيرانى على أن يتكرر الاستقبال الرسمى عند وصولها إلى قصر أنطونيادس التى ستقيم فيه وسيكون تحت تصرفها هى وحاشيتها.

وقصر أنطونيادس قصر الضيافة الصيفى لكبار ضيوف الدولة وسبق أن نزل فيه ملك إيطاليا السابق عمانويل الثالث وزوجته الملكة هيلانة والعاهل السعودى عبد العزبز بن سعود وملك الأردن عبد الله الأول.

وما أن دخلت فوزية جناحها فى القصر حتى أخرجت من حقائبها صورتين واحدة لزوجها وأخرى لابنتها ووضعتهما بجانب الفراش وعندما وصف كريم ثابت صورة الشاه بأنها صورة لطيفة أجابت فوزية: إنه أحسن جدا من صوره وبينما هما فى السيارة أكدت فوزية مرة أخرى أنها مبسوطة فى زواجها وأنها كويسة وأن الشاه ظريف معها.

ولكن رغم أن ذلك خالف التقارير السرية فإن فاروق بدا مصرا على أن حالة شقيقته ليست على ما يرام.. ادعا مرة أنها مصابة باضطراب عصبى شديد.. وادعا مرة أخرى أنها تعبانة فى عقلها.. ومرة ثالثة ادعا أنها على وشك الجنون.

لكن لا أحد عرف سر ادعاءاته الوهمية حتى حدث أمر ما فى قصر أنطونيادس.

ما أن وصلت حقائب فوزية من المطار إلى القصر حتى طلب فاروق من كبير خدم القصور الملكية أن يلقى نظرة عليها وأصر على ذلك قبل أن يقترب منها أحد حتى ولو كانت الإمبراطورة نفسها.

ودخل فاروق الحجرة التى صفت فيها الحقائب وخلع سترته وعكف على معالجة أقفالها بمجموعة من المفاتيح من مختلف الأحجام والأشكال أحضرها معه من قصر المنتزه خصيصا لهذا الغرض فأفلح فى فتح بعضها وعجز عن فتح أغلبها فلم ترضه النتيجة وأمر بإحضار آلة حادة ولم يزل يخلع الأقفال التى عاندته ويهشمها حتى يرتاح منها كلها.

لم تتفوه فوزية بكلمة عندما طلب رئيس خدم القصور الملكية سليمان قاسم رؤيتها لتبرئة ساحته قائلا:

إن مولانا هو الذى فتح هذه الحقائب بيده.

المثير للدهشة أن فاروق استولى من حقائب شقيقته على قطع من الفراء وفساتين سهرة وحقائب يد وأدوات زينة وروائح عطرية أما الخسارة فى المجوهرات فكانت يسيرة لأن فوزية وضعت أغلاها فى حقيبة صغيرة لم تفارق خادمتها الخاصة فلم تصل إلى يد شقيها المصاب بمرض الخطف والسرقة.

لم يكن فاروق يحتاج لما سرق ولكنها متعة الحصول على الأشياء التى يملكها غيره كما أنه كان بخيلا لا يدفع مالا فى هدايا لنسائه وإنما يقدمها إليهن من هدايا حصل عليها أو سرقها.

ولم يشعر فاروق بالحرج عندما وجدت فوزية سيدة أمريكية تزين صدرها بحلية جميلة الشكل دقيقة الصنع إيرانية الطراز أهداها إليها فاروق زاعما أنها من مجموعته الخاصة فصدقته وقدمت هذه السيدة الأمريكية للإمبراطورة أسوة بسائر النساء الحاضرات فى الحفل فلمحت الحلية على صدرها ولم يكن أمامها سوى أن تبتسم فى صمت.

وذات يوم فوجئ كريم ثابت بشاب يمنحه فاروق اهتماما خاصا وبدا واضحا أن فوزية تعرفه جيدا ولم يكن من الصعب اكتشاف أنه كان المصدر المجهول الذى كان يرسل التقارير السرية عن فوزية من طهران.

وبخبرة كريم ثابت أدرك أن الشاب يستغل حالة الانفصال التى تعيشها فوزية قبل طلاقها من الشاه ليزيد قربا منها حتى يضمن أنها ستقبله زوجا بديلا لها.

وما أن فاتح الملك فيما يعتقد حتى شكك الملك فيما وصل إليه ولكنه فيما بعد اختفى الشاب من حفلات الملك ومن مناسبات العشاء التى كان ضيفا دائما عليها.

لكن رغم قناعة فاروق بأن فوزية سعيدة مع الشاه فإنه أصر على طلاقها منه وكان وراء ذلك الإصرار هدف شخصى.. أن يعلن خبر الطلاق هو وفريدة فى نفس توقيت طلاق فوزية والشاه.

تصور أن الناس ستجد فى طلاق الإمبراطورة والشاه ما يغرى بالابتعاد عن سيرته هو وفريدة كما أنه أراد أن يثبت أنه ليس وحده بين الملوك والأمراء الذى لم ينجح فى زواجه.

على أن المفاجأة أن الناس تناولت طلاقه هو وفريدة بالسباب واللعنات ولم تجد فى طلاق فوزية والشاه ما يغرى بالنميمة.

ومن جانبه حاول الشاه إصلاح العلاقة مع فوزية ولكن الأميرة أشرفت أمرته بطلاقها فلم يناقش وبذلك الطلاق فشل مشروع على ماهر ولم يعد فاروق ملك الملوك.