د. رشا سمير تكتب: البطالة بين الشباب.. إلى أين؟

مقالات الرأي




مما لا شك فيه أن تبعيات أزمة وباء الكورونا باتت خطيرة، تهدد العالم كله على حد السواء..

كساد، ووفيات، وإفلاس وبالقطع الأزمة الأكبر وهى أزمة البطالة..أزمة أطاحت بالآلاف من أشغالهم وقد تتسبب بلا شك فى بطالة قادمة بين دفعات الخريجين الجدد للجامعات على الأقل لمدة ثلاثة أعوام قادمة..تلك هى الصورة المخيفة فى أنحاء العالم، ولكن؟..

هل أزمة البطالة جديدة على مصر، أم إنها أزمة قديمة طفت على السطح مع تبدل الأسباب؟.

ما جعلنى أفكر فى فتح هذه القضية اليوم هى عشرات الرسائل التى تأتينى كل يوم على بريدى الإلكترونى وصفحتى الرسمية من شباب وشابات يحاولون إيجاد فرص عمل وأملهم الوحيد فى شخصيات عامة ربما تستطيع أن تساعدهم بحكم العلاقات..

ما أدهشنى وأحزننى فى آن واحد أنهم حاصلون على بكالوريوس وليسانس من جامعات محترمة، بل أحيانا ماجيستير ودكتوراة، ويسعون إلى العمل فى أى مجال!..

من جانبى أحاول المساعدة على قدر الإمكان ولكن..المأساة الحقيقية أن ما يحبطهم حقيقة مؤسفة، فالوظيفة فى مصر تحتاج إلى شيئين..معجزة وواسطة!.

الظاهرة الأغرب هى البطالة التى بدأت تتفشى بين خريجى الجامعات الخاصة التى كانت يوما مجرد ذكر اسمها يساوى راتبا ضخما ومكانا فى أكبر المؤسسات..الجامعة الأمريكية والألمانية والأكاديمية البحرية وغيرها!.

تحدثت مع شاب خريج هندسة الجامعة الألمانية منذ أربع دفعات وترتيبه الخامس على دفعته، ولازال حتى يومنا هذا يبحث عن عمل!..ما قاله لى ويحيره يحتاج فعلا إلى رد، هو كيف أن فى كل مرة يطرق باب العمل ويقدم سيرته الذاتية يسألونه: عندك خبرة؟!

فيرد بائسا: «ما يمكن لو كان حد قبل يشغلنى، كان بقى عندى خبرة!»..

إذن، هل هو سؤال تعجيزى؟ أم إنها حُجة لقبول من لهم نفوذ وواسطة؟!.

كما حكت لى شابة تدرس بالجامعة الأمريكية أنها تحاول الحصول على فرصة فى التدرب بإحدى شركات القطاع الخاص الكُبرى وهو ضمن ما يطلب منهم من الجامعة للتخرج..كانت محاولاتها فى كل مرة تبوء بالفشل لمجرد أنها لم تلجأ لأونكل فلان أو طنط علان لأن العدد المتقدم للتدريب عادة ما يفوق المطلوب، والشركات الكبيرة تأخذ أولاد الناس الكبار!..

هكذا إذن نضيق الخناق على شبابنا ونقتل فيهم الطموح بخنق فرصهم فى الحصول على فرصة عمل مناسبة، هكذا يصبح الحل الوحيد هو التفكير الجذرى فى الهجرة والهروب لدول أخرى لطرق باب العمل.. يالها من مأساة!.

قيل لنا إن الزيادة السكانية من الأسباب الرئيسية للبطالة فى مصر، فماذا عن الصين والهند، وماذا عن المشروعات الصغيرة والكبيرة التى تستغل فيها تلك الدول الطاقة البشرية لزيادة الإنتاج والارتقاء؟..

فى رأيى أن خصخصة القطاع العام من أجل زيادة الأجور، أدى إلى استبعاد الكثير من العمال من وظائفهم العامة، وبالتالى زيادة معدل القوى العاملة العاطلة عن العمل.

كما يوجد العديد من المشاكل فى النظام التعليمى العالى المصرى، ومنها عدم الاستثمار فى التدريب المهنى وعدم قدرة سوق العمل على استيعاب أعداد الخريجين الباحثين عن عمل فى تخصصاتهم.. ومن ثم أصبح أغلب خريجين الجامعات الكُبرى يعملون كمسوقين فى مشاريع الاستثمار العقارى وشركات التأمين، وهو ظلم بين لمن تصور يوما أن الاستثمار فى التعليم هو الاستثمار الأعظم! فلم يبخل الأهل عن ضخ كل ما لديهم من أموال فى مصاريف الجامعات المجحفة..والحقيقة إنها مسئولية وزارة التعليم العالى والدولة التى عجزت عن توفير نظام جامعى حكومى محترم مثل الدول الأوروبية والأمريكية يتفوق على الجامعات الخاصة التى تبتز الأهالى بلا نهاية فى ظل غياب دور الوزارة فى الرقابة عليهم.

الأكيد أيضا أن ضعف النمو الاقتصادى والاتجاه إلى المشروعات العقارية بدلا من المشروعات الصناعية والزراعية قلص فرص العمل وجعلها محدودة..

الشباب اليوم فى حالة إحباط، يمثلون طاقة مهدرة وهو خطر حقيقى على الدولة..المؤهل منهم دراسيا ويحمل شهادة محترمة من جامعة خاصة يتجه لفكرة الهجرة والهروب عله يجد فرصة عمل أفضل بالخارج تناسب مؤهلاته.. والشباب النصف مؤهل يبحث عن الحل الأسهل، واسطة من خلال المعارف للعمل فى مؤسسات بها راتب ثابت ومعاش ويفضل لو كان نائما على مكتب بلا شغلة ولا مشغلة!.. أو ربما الالتحاق بالأكاديمية الوطنية للشباب علها تدفعه لتبوء منصب مستشار محافظ أو مساعد وزير حتى لو كان منصبا مُعطلا بلا صلاحيات..

حتى فكرة المشروعات الصغيرة التى تتبناها المؤسسات بدأت جيدة ثم أصبحت بلا جدال شو إعلامى يستفيد منه فقط صُناع المؤتمرات والمهرجانات أما الشباب أنفسهم فقد أصبحوا بضاعة يُتاجر بها من يتخذهم واجهة للتربح..

ويبقى الجالسون على المقاهى وفى المولات والمتسكعين فى الشوارع حتى الصباح..وهم القنبلة الموقوتة التى لا أحد يدرى متى ستنفجر فى وجوهنا؟!.

إنها دعوة لإيجاد حل حقيقى وسريع لهذه المشكلة والتى أعلم أنها اليوم باتت أكثر تعقيدا بسبب ما أصاب العالم، هذا لا ينفى أن هناك شبابا لا يستحق حتى الرثاء، وهناك شباب يستحق فدعونا نُعيد حساباتنا.