دار أم كلثوم.. الحلم الذى فشلت ثومة فى تحقيقه

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر



عثمان أحمد عثمان اقترح تحويله إلى يانصيب باسم كوكب الشرق ودعاية ومسرح 

أصدقاء ثومة اتهموا جيهان السادات بقتل المشروع 

محافظ القاهرة أخبر أم كلثوم أن التبرعات قليلة فتبرعت بـ20 ألف جنيه

حلقت أم كلثوم فى سماء الفن كيفما شاء لها الهوى، حققت كل أحلامها فى الفن والحياة ورفعت شعار «إنما تأخذ الدنيا غلابا» دانت لها الدنيا، وتحدث بصوتها وعبقريتها ووطنيتها حدود الزمان والمكان، لم تعرف الفشل طوال حياتها، فرضت الذوق الرفيع فى الغناء بعدما كانت الخلاعة فى أوج مجدها، فكانت القصيدة بصوت ثومة، ثم عادت إلى الأغانى حتى اعتادت الأذن العربية الأغانى، فإذا بها تعود إلى القصائد، فيتقبلها الجمهور بنفس الحماس، كانت الدنيا تحت قدميها، الشهرة الاحترام التقدير المال، كيف يمكن لهذه الملكة المتوجة أن تفشل فى تحقيق حلم بسيط يمكن لأى مواطن أو مواطنة أن يحققوه فى عدة أسابيع أو حتى أشهر؟ كيف يمكن لسيدة الغناء العربى وسيدة مصر والعرب الأولى، وأول مطربة فى العالم العربى تحمل جواز سفر دبلوماسى، كيف لهذه القامة الرفيعة أن تفشل فى إقامة دار خيرية أو جمعية خيرية للفتيات المعوزات؟ لابد إذن لقوة جبارة خارقة ذات سلطة لا ترد منعت هذا المشروع، أو قتلت هذا الحلم الجميل والنبيل والأخير لأم كلثوم، صحيح أن جمعية أم كلثوم الخيرية رأت النور بعد وفاة أم كلثوم بأكثر من ربع قرن، ولكنها لم تكن على قدر الحلم والأموال التى دفعتها أم كلثوم لترى حلمها الأخير حقيقة.

1- صدام حتمى

كل من عاصروا قصة دار أم كلثوم يؤكدون أن كلمة السر وراء فشل إقامة المشروع هى السيدة جيهان السادات زوجة الرئيس الراحل أنور السادات، والرواية شبه الرسمية لأصدقاء ثومة واضحة، فمشروع أم كلثوم اصطدم برغبة جيهان بإقامة مشروع خيرى آخر هو جمعية الوفاء والأمل ولم تشأ جيهان أن ينافس مشروعها مشروع أم كلثوم بما لها من حب وتقدير وثقل، ولكن هناك رواية أخرى عن نشوب الخلاف بين كوكب الشرق وجيهان السادات، وقد وقعت القصة فى منزل المهندس سيد مرعى رئيس مجلس الشعب ونسيب أنور السادات، فقد وجه مرعى الدعوة على عشاء لكل من الرئيس السادات وزوجته جيهان وأم كلثوم وعدد آخر من الأصدقاء، وصلت أم كلثوم متأخرة وعندما قامت بالسلام على السادات نادته باللقب المعتاد (أبو الأناور) فغضبت جيهان وقالت لأم كلثوم (ازاى تقوليله كده اسمه الرئيس) فغضبت أم كلثوم وأصرت على المغادرة لولا رجاء مرعى والأصدقاء لها بالبقاء وترضيتهم لها، المثير أن السادات نفسه لم يتدخل، ولم ينحز للطرفين، ولكن الجميع اعتبروا صمته تأييدا لموقف زوجته، وهكذا أرادت جيهان الانتقام من أم كلثوم.

لكن ثمة تحليل أوسع للعلاقة أو بالأحرى للصدام بين ثومة وجيهان، تحليل يرى أن الصدام بينهما كان حتميا بعيدا عن واقعتى حرب الجمعيات الخيرية أو لقب أبو الأناور، إنه صدام بين قوة راسخة وأخرى ناشئة، فأيام جمال عبد الناصر لم تسع زوجته السيدة الفاضلة الراحلة، إلى أى دور اجتماعى أو سياسى، وظلت زوجة وأمًا فقط، وكانت أم كلثوم هى السيدة الأولى لمصر وللوطن العربى كله، وخلافا لزوجة عبد الناصر فإن جيهان كانت مفتونة ومسكونة بالسلطة، تروى جيهان أن عرافة قرأت لها الكف فى سنوات زواجها الأولى من السادات، فقالت لها العرافة أنتى تبقى ملكة مصر، داعبت هى النبوءة شخصيتها القوية وميلها للعمل العام وأن تصبح سيدة مصر الأولى، وهو عرف أمريكى لا وجود له حتى فى عدد كبير من دول أوروبا، وقد استطاعت جيهان بقوة تأثيرها على الرئيس الراحل المفتون بالنمط الأمريكى أن تفرض هذا اللقب فى مصر، وذلك على الرغم من عدم وجود أى سند أو دور دستورى أو قانونى للسيدة الأولى، ولذلك كان من الطبيعى أن ترفض جيهان المكانة الرفيعة لأم كلثوم أو تعترف لها بموقع السيدة الأولى، ولهذا كان الصدام بينهما حتميًا، وتبلورت معركة استعراض القوى فى المشروع الخيرى لأم كلثوم.

2- كان حلم وراح

فى الطبعة الرابعة من كتاب «أم كلثوم التى لا يعرفها أحد» روى الكاتب الراحل محمود عوض القصة الكاملة لدار أم كلثوم، فقد قامت أم كلثوم بدعوة عدد من الأصدقاء والخبراء فى فيلتها، وعرضت ثومة فكرة إنشاء دار للفتيات اليتيمات، وكانت الفكرة أن تتبرع أم كلثوم بإقامة مقر للجمعية وتشرع فى إنشاء الجمعية، ثم يفتح بعد ذلك باب التبرع للمواطنين، وكان من بين الحضور محافظ القاهرة فى ذلك الوقت حمدى عاشور، ورجل الأعمال الشهير الراحل عثمان أحمد عثمان، واعترض عثمان على بساطة الفكرة، رافضا فكرة تبرع أم كلثوم المالى، وعرض عليها إطلاق حملة تسويق للمشروع، والاعتماد على ما يشبه اليانصيب، وطلب تبرع من الأثرياء والحكام العرب، ولكن الفكرة لم ترق لأم كلثوم وبدت بعيدة عن شخصيتها، ولذلك استمرت فى تنفيذ الفكرة الأولى، وتأخر تنفيذ المشروع كثيرا، فذهبت أم كلثوم لزيارة محافظ القاهرة حمدى عاشور، وسألته عن سبب التأخير، فرد المحافظ أن تبرعات المواطنين لا تكفى لإقامة الدار، فما كان من كوكب الشرق إلا أخرجت دفتر شيكاتها، وتبرعت للمشروع بـ20 ألف جنيه من مالها الخاص، وكان مبلغ الـ20 ألف جنيه مهولاً فى ذلك الوقت، ويكفى لإقامة الدار ويزيد، وعلى الرغم من ذلك لم يتحرك المشروع، ولم ير النور، فى نفس الوقت كان مشروع جيهان السادات الوفاء والأمل يسير بسرعة الصاروخ، وتعثر مشروع دار أم كلثوم حتى وفاتها، ورغم الحزن الذى داهم المصريين والعرب إثر وفاتها، فإن هذا الحزن لم يدفع مشروعها إلى النور، ومات إلى الأبد مثلما مات مشروع تحويل فيللتها لمتحف سنوات طويلة، وبعد أن انسحبت سجادة السلطة من تحت قدمى جيهان السادات جرى تكريم أم كلثوم على استحياء لا يناسب عظمة الست، أقيم متحف صغير لها، ودار مسنين وأيتام باسمها، مجرد نماذج لتبرئة النفس أمام التاريخ، تاريخ لم ولن يرحمنا لأننا فرطنا فى فيللتها وفى تحويلها لمتحف ولأننا أحبطنا آخر أحلام أم كلثوم، ولكن هذا التاريخ يثبت أن كل محاولات تشويه أو تهميش أم كلثوم باء الفشل الذريع، مات وسيموت كل من حاولوا قتل الصوت أو الروح، وعاش صوت وذكرى أم كلثوم فى القلوب والعقول وبين الضلوع، وتحت جلد وطن بأكمله، عشق تتناقله الأجيال، جيلاً بعد جيل.