الأنبا كيرلس يرأس احتفال عيد تذكار استشهاد القديس بضابا في نجع حمادي

أقباط وكنائس

الأنبا كيرلس
الأنبا كيرلس


ترأس الأنبا كيرلس، أسقف إيبارشية نجع حمادي وتوابعها للأقباط الأرثوذكس، اليوم الأحد، القداس الإلهي من دير الأنبا بضابا للراهبان غرب مدينة نجع حمادي.

جاء ذلك بمناسبة تذكار استشهاد القديس بضابا، وبدون حضور شعبي، بمشاركة عدد من الاباء كهنة الايبارشية والشمامسة ومجمع راهبات الدير.

وحرص الدير على تطبيق الإجراءات الاحترازية والوقائية المشددة، للحد من إنتشار جائحة فيروس كورونا المستجد.

وتُحيي الكنيسة القبطية تذكار استشهاده بحسب ما جاء في كتابها التاريخي (السنكسار)، 19 ابيب من كل عام قبطي.


ولد القديس بضابا في مدينة أرمنت مركز الأقصر بمحافظة قنا، من أبوين مسيحيين ربياه التربية المسيحية منذ نعومة أظفاره.

وكانت لوالدته شقيقة رزقت بغلام أسمته إندراوس، وقد تربي هذا الغلام التربية المسيحية الحسنة فتألقت نفسه مع ابن خالته بضابا وتحالفا علي ترك العالم، فعكفا على مطالعة الكتب الدينية التي شغفًا بها فاتسعت مداركها وأصبح كل منهما حجة زمانه في الورع والتقوى.

وعندما بلغ بضابا العاشرة من عمره، كان حافظًا لأكثر الكتب الدينية والتعاليم الروحية وكان اندراوس يعف معه على قراءة الكتاب المقدس ومطالعة كتب الوعظ والتعليم، وبذلك كان الروح القدس ينطق على فمهما وكانا يصومان يومين أسبوعًا بلا طعام ولا شراب وإذا أكلا فانهما لا يتناولان سوي الخبز والملح مع مداومة الصلاة ليلا ونهارًا.


فذهبا القديسن إلى الجبل الشرقي فوجدا هناك القديس أنبا إيساك في الموضع الذي تعبد فيه بعده القديس أنبا بلامون، فعزاهما هذا القديس وقواهما على احتمال المتاعب لينالا الحياة الأبدية ثم باركهما وأمرهما أن ينفردا في مكان آخر يستطيعان فيه أن يقضيا كل الوقت في العبادة ثم قال للأنبا بضابا: "سوف يا بني ترعي قطيع المسيح وتحل بك أتعاب وشدة واضطهادات عظيمة"، وقال لاندراوس " وأنت أيضا ستنال إكليلا معدا لك بعد الجهاد " ثم فارقاه وذهبا إلى الجهة الغربية حيث بنيا لهما صومعة للعبادة والنسك، وكانت لهما دراية تامة ومهارة فائقة بنسخ الكتب المقدسة نظير مبالغ قليلة ليقضيا منها حاجاتهما ويوزعا الباقي علي البؤساء والمساكين.


فسمع بخبرهما أسقف تلك البلاد فحضر إليهما ورسم القديس الأنبا بضابا قسًا، والقديس إندراوس شماسًا وكانا يذهبان إلى كنيسة في إحدى المدن القريبة منهما مرة كل أربعين يومًا لأداء الخدمة الكهنوتية.

وفي أحد الأيام دخلا الكنيسة ووقف القديس الأنبا بضابا إجلالًا واحترامًا، وفي أثناء ذلك كان الأسقف جالسًا على كرسيه ينظر إلى القديس بضابا وكم كانت دهشته إذ رأي وجه القديس يلمع كالبدر والنور يسطع منه وعلى رأسه شبه إكليل من الذهب المرصع بالجواهر الثمينة فأمر الأسقف أن يؤتي بهذا القديس ورفيقه إندراوس وعندما قدما إليه حبب إليهما أن يمكثا عنده فرفض أنبا بضابا مفضلا حياة الصحراء الجرداء عن الإقامة تحت رعاية الأسقف، وأما القديس إندراوس فقد قبل الإقامة تحت رعاية الأسقف، وعاد القديس بضابا إلى قلايته وهو يبكي بكاءً مرًا ويقول: "أطلب إليك يا سيدي يسوع المسيح أن تجعل هذا الموضع مكرسًا لك يذكر فيه اسمك إلى الأبد".

ثم ترك هذا المكان وذهب إلى جهة أخري بعيدة عنه وبعد أيام أرسل الأسقف رسولًا إلى القلاية في طلب القديس فلم يجده فبني الأسقف كنيسة علي اسم هذا القديس وكرسها في اليوم الثالث عشر من شهر كيهك، وأما القديس فكان يحضر إلى الكنيسة من طريق آخر ضيق في الصحراء لأداء الصلاة، وكانت تتم علي يديه أثناء ذلك آيات ومعجزات كثيرة ويزداد نعمة وبركة.

وعندما ذاع صيته وعظم اسمه حضر إليه الناس من كل فج وصوب فكان يشفيهم من أمراضهم الجسدية والروحية، وطلب الشعب من الأسقف الأنبا تادرس قائلين: "نسألك يا أبانا أن تحضر لنا القديس بضابا لنتبارك منه، وليمكث عندنا مدة من الزمان " فأجاب طلبهم وذهب إلى بلدة بهجورة مركز نجع حمادي، وعندما وصل إلى البلدة إذا برجل اسمه يوحنا كانت له أبنه وحيدة جميلة المنظر فاغتاظ جيرانها من أبيها، واستعملوا ضدها السحر لأنهم طلبوا من أبيها أن يزوجها لابن لهم فلم يقبل ولكن القديس الأب بضابا صلي عليها فرجعت إلى حالتها وأبطل الله السحر عنها وعندما رأي أهلها شفاء ابنتهم علي يدي هذا القديس أتوا وسجدوا أمامه وقبلوا يديه شاكرين له صنيعه، فقال لهم القديس: "سبحوا الله واشكروه لأن النعمة التي شفت ابنتكم ليست مني لأني ضعيف من ذاتي " وأما هم فمضوا متهللين فرحين.

وكان يوم الأحد والشعب مجتمع في الكنيسة قدموا القديس إلى الأسقف فرقاه قمصا، ثم مكث عند الأسقف في ضيافته مدة تسعة أيام ورجع إلى الجبل وصارت تتم علي يديه العجائب والمعجزات حتى ذاع خبره في جميع أنحاء الوجه القبلي، وبعد ذلك تنيح أسقف فقط فاجتمع أهل البلاد وقرروا تذكية الأب بضابا أسقفًا مكانه وتقدموا للبابا بطرس الأول خاتم الشهداء والبطريرك السابع عشر ليرسمه أسقفًا عليهم فظهر للبابا ملاك الرب في رؤيا قائلا له: "اذهب إلى الصعيد الأعلى واحضر القمص بضابا وارسمه أسقفًا علي مدينة فقط لأن الرب قد أختاره " وما كاد يطلع الفجر حتى جاءت إلى البابا وفود المؤمنين طالبين منه أن يعين الأب المكرم بضابا أسقفًا فأرسل البابا أربعة من الكهنة بخطاب للقديس فلما وصلوا تسلم منهم الخطاب وقرأ فيه ما نصه: "يقول الإنجيل المقدس من سمع منكم فكأنه سمع مني ومن جحدكم فقد جحدني " فبكي القديس بضابا بكاء مرًا وقال " الويل لي أنا المسكين الخاطئ لان الشيطان يريد هلاكي " ثم صلي قائلا: "لتكن مشيئتك يارب لا مشيئتي فأنت تعلم أني ضعيف وإنسان عاجز وليس لي قدره علي هذا الأمر " فأخذه الرسل وأنزلوه في السفينة إلى البابا فقال البابا لرعيته: "من تختارون ليكون عليكم أسقفًا " فأجاب الجميع بصوت واحد قائلين " الأب بضابا لأنه مستحق هذه الخدمة الشريفة"، عندئذ أخذه البابا ورسمه أسقفًا علي كرسي قفط وفيما هو يضع عليه يده إذ صوت من السماء يقول: "مستحق مستحق أن تنال هذا المنصب ومكث الأنبا بضابا عند البابا عدة أيام، ناول في أثنائها الشعب من جسد المسيح ودمه وعندما وضع يده علي الكأس ليرشم الجسد بعلامة الصليب تحول الخمر دما، فتعجب البابا ونظر إلى القديس وقال له: "بالحقيقة أنت مختار من الله " وبعد أن أكمل الأنبا بضابا خدمة اليوم، استأذن للسفر إلى بلاده فركب سفينة شراعية بها رجل مقعد لا يستطيع المشي منذ اثنين وعشرين سنة واذا برجل القديس تنزلق وتدوس رجلي ذلك المقعد فتشددت ركبتاه ووثب في الحال وهو يسبح الله والذين كانوا في تلك السفينة طلبوا إليه أن يذكرهم في صلواته ويباركهم.

وعندما أثار دقلديانوس الإمبراطور الروماني الاضطهاد على المسيحيين حضر الوالي اريانوس إلى الصعيد وقبض عليهم وزجهم في أعماق السجون وأذاقهم من العذاب أشكالًا وألوانًا حتى وصل إلى اسنا، فعندما بلغ الخبر القديس أنبا بضابا غار غيرة روحية وقال: "أيصح لي أن أمكث في هذا المكان واخوتي المسيحيين يلاقون من العذاب ما لا يحتمل كلا، لابد لي أن أذهب هناك وأموت ضحية الإيمان " وبعد ذلك دعا الشعب وأقام قداسًا حبريًا حضره الجميع وبعد أن ناولهم من الأسرار المقدسة أخذ يعظهم قائلا: "يلزمكم أيها الأبناء أن تستشهدوا علي اسم المسيح ولا تخافوا من النيران الملتهبة وأسنة الرماح المفزعة ولمعان السيوف المسلولة علي رقابكم كما يلزمكم أيضًا أن ترحموا الفقير وتعزا الحزين وتواظبوا علي الصلاة والصوم لأنهما القوة التي بواسطتها يمكنكم أن تتغلبوا علي العقبات وتطاردوا الشيطان الذي يود أن يضعف إيمانكم بالسيد المسيح، وها أنا يا أبنائي أقول لكم ما حدث لي، لقد عذبني الشيطان عشرة أيام متتالية وقد تغلبت عليه بقوة الصلاة والصوم لقد قال السيد له المجد: "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة " واستمر هذا الأسقف بعظ شعبه ويقويه مستعينا بآيات الكتاب وتعاليم الرسل، ثم رشمهم بعلامة الصليب المقدس وباركهم وودعهم قائلا: "سوف أذهب للاستشهاد علي يد اريانوس الوالي" فبكي الشعب وناحوا علي فراقه فعزاهم وقواهم وبعد ذلك تركهم ومضي إلى مدينة اسنا.

وكان يصحبه الأب المبارك القس إندراوس وقس اخر فالتفت إليهما الأب الأسقف وقال لهما: "إلى أين تمضيان؟ فقالا له أننا نمضي معك لنموت حبا في المسيح " فشخص الأسقف إليهما فرأي نعما الله قد حلت عليهما ووجههما يلمع كالبدر. فقواهما وأمرهما أن يثبتا على الإيمان بالمسيح وقال لهما: "أني في هذه الليلة نظرت وإذا بملاك معه ثلاثة أكاليل فقلت له هذه؟ فقال لك واحد ولابن خالتك واحد، والآن هلم بنا نمضي إلى اسنا".

وبعد ذلك التقي بهم القديس بنيامين فحياهم، وعندما وصلوا إسنا رأوا جموعًا من المسيحيين من أساقفة وقسوس وشمامسة ومؤمنين يعذبون وسمع الوالي بخبر قدومهم فاستحضرهم وأمرهم أن يبخروا للآلهة فغضبوا وصرخوا قائلين: "نحن مسيحيون ولا نخشاك أيها الملك الكافر، ولا نعبد تلك الآلهة النجسة التي صنعت بأيد بشرية وأما إلهنا الذي نعبده فهو في السماء خالق كل شيء بكلمة قدرته ما يري وما لا يري الذي له المجد والكرامة والسجود مع أبيه الصالح والروح القدس الآن وكل أوان والي دهر الداهرين آمين. "

وعندما سمع الوالي منهم هذا الكلام ورأي ثباتهم أمر أن تؤخذ رؤوسهم بحد السيف وفي ذاك الوقت وقف الأسقف بضابا ينظر إلى المسيحيين أثناء عذابهم وإذا به يري بعين الإيمان ملائكة تنزل من السماء وفي أيديهم أكاليل من نور يضعونها ويرفعونها إلى السماء بكرامة ومجد عظيمين، فتقدم الأسقف ومن معه وصاحوا قائلين: "نحن مسيحيون نؤمن بيسوع المسيح رب كل الخلائق واله كل قدرة " فقال لهم الوالي: "من أين أنتم " ثم سأل الأب الأسقف عن اسمه فأجابه قائلا: "أنا الحقير بضابا " فأجابه: "أظن أنك أسقف تلك البلاد ولكن أعجب كيف تجاسرت بهذا الكلام: ألم تخش بطشي وتهاب عظمتي وسلطاني؟ ألم تر العذاب المعد لأولئك الذين يعترفون بهذا الاسم؟ " عندئذ أجابه القديس بكل شجاعة قائلا: "ألم تسمع قول الكتاب علي لسان سيدي يسوع المسيح: كل من يعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضًا به قدام أبي الذي في السموات (مت 10: 32 و33)، فلآجل هذا الوعد نعترف بإلهنا يسوع المسيح إلى النفس الأخير "، ثم أخذه الوالي تارة باللين وأخري بالشدة فلم ينجح في أن يثنيه عن عزمه وعن إيمانه في أحد السجون فلما أبصره القديسون سلموا عليه وقالوا له: "أغلب لنا هذا الوالي لأنك أعطيت الغلبة من رب الجنود " وبينما هم كذلك يتحدثون بعظائم الله، إذا برئيس الملائكة ميخائيل يظهر للأسقف قائلًا: "السلام لك أيها الجليل لتفرح نفسك اليوم فقد قبل الله جميع أتعابك وزهدك وجهادك في سبيل الدين وسوف تنال ثلاثة أكاليل الأول لتعبدك ونسكك منذ صغرك، والثاني تكلل به بكل مجد وكرامة لتحظي بالأمجاد السماوية"، وصعد الملاك فقام القديس وصلي: "اسمعني أيها الآب ضابط الكل ولتصعد طلبتي أمامك، ولتشتمها رائحة بخور فترضي عنا، أسألك أيها الآب من أجل شعبك وقديسيك، الذين يصنعون رحمة مع المساكين أن تقبل نفسي كوديعة بين يديك لأحظى بأمجادك الأبدية لأن لك المجد والعز والإكرام والسجود مع أبيك، ونال اكيل الشهادة 284 م. وهي السنة الأولي للشهداء.