دكتور خالد صلاح يكتب: يد تسبِّح ويد تقتل

مقالات الرأي

بوابة الفجر



 ليس هذان اليدين لشخصين مختلفين. 
وإنما اليدان لشخص واحد.
وهذا ليس بفصام عند هذا الشخص.
والمقصود بهذين اليدين هو الخداع السياسي والاستعماري الذي استخدمه بعض القادة على مر التاريخ بهدف كسب تأييد أو تعاطف من بعض الناس وإظهار أفعال مختلفة عمّا يكنون بداخلهم.
وهذه الخدعة السياسية فعلها هتلر آبان الحرب العالمية الثانية عندما جعل أتباعه يشيعون أنه قد أسلم وأطلق على نفسه محمد هتلر وذلك كان بهدف كسب تأييد الشعوب الإسلامية التي كانت تحت مظلة واحتلال الدول الأعداء له في الحرب مثل إنجلترا وفرنسا.
وهذه الخدعة السياسية لم تكن بجديدة على مائدة المستعمرين وكأحدى خداعات المحتلين والغزاة.
فقد ظهرت هذه الخدعة السياسية بوضوح عند أحد السلاطين العثمانيين سليم الأول.
فقد فرح بعض الناس بحروبهم ضد أوربا وأنهم ممثلين للإسلام ورافعين لواء الراية المحمدية وجاءوا مخلصون للعالم من الكفر والإلحاد وناشرين للإسلام وتعاليمه في جميع أرجاء أوربا.
وكان من الطبيعي أن أيده العالم الإسلامي بما فيهم العرب وفرحوا بانتصاراتهم وحزنوا بانكساراتهم.
وفجأة وبدون مقدمات تبدّلت خطط هؤلاء العثمانيون وخاصة السلطان سليم الاول الذي تحولت وجهته ناحية الشرق وخاصة الشرق الأوسط.
ففرح الناس وقالوا لابد أن هذا السلطان أراد أن يزور المزارات والأماكن المقدسة أو أنه سوف يملأ بيوت المسلمين العرب بالذهب والفضة وسوف يجلس معهم ويناقشهم ويقوم بحل مشاكلهم. 
(باعتباره  سلطان مسلم )!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
ولم يكن المماليك الذين كانوا يحكمون مصر في هذه الفترة ينظرون إلى العثمانيين في أول الأمر بمنظار العداوة أو المنافسين لهم في السيطرة والنفوذ في العالم الإسلامي, على أساس أنهم لم يعادوهم بعد ولأنهم في نظرهم لا يرقون إلى مرتبتهم : وحتى وإن كانوا قد أحرزوا إنتصارات هائلة في آسيا الصغرى وأوربا؛ إلا أنهم لا يقيمون مثلهم في قلب العالم الإسلامي العربي وإنما في آسيا الصغرى وأوربا.
وأن المماليك اعتبروا أنفسهم حماة الإسلام والعروبة معاً وخاصة بسبب حكمهم لمصر وأن سياستهم مثل سياسة الفاطميين والأيوبيين, وأنهم ليسوا بكفرة ولم يكن الناس بمصر على غير الإسلام وإنما كانوا مسلمين الاب والجد.
 وكان رصيد المماليك لدى العرب والمسلمين كبير بسبب تصديهم للتتار والصليبيين وحمايتهم للعرب والمسلمين من شرورهم.
 ولم يكن العالم العربي والإسلامي وحده الذي يدين بالفضل للمماليك وإنما العالم كله بسبب انتصارهم على التتار الذين كانوا يطمعون في العالم كله بعد مصر, ولكن شوكتهم انكسرت في عين جالوت على يد المصريين وتحت قيادة المماليك.
ولكن العثمانيين بقيادة سليم الأول جحد فضل المماليك وطمع بما في أيديهم والسيطرة على بلاد المشرق الإسلامي وخاصة أن هذا السلطان سليم الأول الذي عرُف بغلظة القلب والشدة ولم يكن في قلبه ذرة للرحمة ولم يكن يهمه غير شخصه فتآمر سليم الأول ضد والده وأجبره على التنازل له عن السلطنة وحارب أخوته الذين هربوا إلى مصر.
وأخذ السلطان سليم الاول يتحرش بالمناطق المحيطة بالمماليك بهدف التخطيط للدخول إلى مصر.
وقد واجه السلطان قانصوه الغوري أطماع سليم الأول وخرج له وتواجها في موقعة مرج دابق عام 1516, وقد أحاطت بالسلطان قانصوه الغوري الخيانة !!!!!!!!
قفد خانه بعض أمراء المماليك وهو خاير باشا الذي أشاع بين أمراء المماليك أن السلطان الغوري سوف يقضي على بعضهم ففروا هاربين ومنهم هذا الخاير باشا والذي أرتمى في حضن السلطان العثماني وخلع ملابس المماليك وأرتدى ملابس العثمانيين كما فعل من قبله الوزير بن العلقمي عندما خان الخليفة العباسي وأتفق مع هولاكو التتار.
 وانتصر السلطان العثماني على السلطان الغوري بسبب الخيانة وسوء تقدير السلطان الغوري لقوة وأسلحة السلطان العثماني, بالإضافة إلى الشائعات التي أطلقها العثمانيين بين صفوف المماليك!!!!!.
وتولى طومان باي حكم مصر بعد مقتل قانصوه الغوري في فترة حرجة وخاصة بعد ظهور أطماع خليفة المسلمين سليم الأول !!!!!!!!!!!!!!!! تجاه الشرق الأوسط وخاصة مصر.
وظهرت الخدعة السياسية لدى السلطان العثماني في رسالته التي أرسلها إلى طومان باي 
" بأن الله قد أوحى إليه بأن يملكه البلاد شرقاً وغرباً كما ملكها الإسكندر ذي القرنين من قبل ويعتبر نفسه بسبب انتصاره على الغوري سلطاناً في أملاكه ويدعوه أن يكون نائباً له من غزة إلى مصر وأن تكون له فيها الخُطبة وسك العملة "
 وهذا ما ورد في كتاب طومان باي للمؤلف أسامة حسن.
ولكن طومان باي رفض هذه الرسالة والاتفاق وأعلن الحرب على السلطان سليم الأول.
وبالرغم من الصعاب التي واجهها طومان باي في تجهيز الجيش وخاصة أطماع بعض الأمراء وقلة الإمكانيات؛ إلا أنه أستطاع أن يجهز بعض القوات وواجه العثمانيين في الريدانية عام 1517 م.
ولكنه لم يوفق طومان باي في نهاية المعركة بسبب قلة الأعداد بالمقارنة بكثرة عدد العدو وحرب الشائعات التي أطلقها العثمانيون بين صفوف المماليك والمصريين!!!!!!!!!
 بالإضافة كالعادة إلى بعض الخونة الذين تآمروا ضد طومان باي مثل جان بردي الغزال الخائن.
ولم يستسلم طومان باي بعد هذه المعركة وأخذ يهاجم العثمانيين في أكثر من موقعة ولكن الإمكانات لم تساعده حتى سقط أسيراً بين يدي العثمانيين.
ولم يتردد السلطان المحب لسفك الدماء في أن ينفذ حكم الإعدام في القائد البطل طومان باي وتم شنقه على باب زويلة.
وبذلك أستطاع السلطان سليم الأول أن يفرض سيطرته وألقى المسبحة وأمسك بالسيف واعمله في رقاب المصريين وقتل خلقاً كثيرً ولم يكتف بذلك بل نهب خيرات وممتلكات مصر حتى الأعمدة أخذها من القلعة, وأخذ المهرة والفنانيين والحرفين معه من المصريين ليشيدوا له ملك كاذب قام على الخيانة ودماء الأبرياء.
ليتأكد لدينا من هذا كله أن لا تغرنا الشعارات الكاذبة التي يرفعها السياسيون في هذا الزمان حتى لو جعلوا المتاحف مساجد.
وإنما هم غزاة ومستعمرون يخفون السيوف وراء المسبحة
فيد تسبٍّح ويد تقتل.