عادل حمودة يكتب: لعنة الضعف الجنسى أسقطت عرش بوتشى فاروق سابقًا

مقالات الرأي



من هى السيدة المتساهلة أخلاقيًا التى هددتها فريدة بإطلاق النار عليها؟

اشترى قصر الطاهرة بـ«أربعين ألف جنيه» واستولى على جهاز إرسال لملك يوغسلافيا ثمنه 100 ألف دولار ونقل ممتلكات الألمان إلى قصوره

أبلغ عشيقاته بكلمة السر حتى يصلن إلى الجناح الملكى دون اعتراض من الحرس 

الوثائق البريطانية: لم يكن يصل مع النساء إلى آخر المطاف 

رفض إجراء جراحة لتنشيط الغدد الخاملة واسترداد حياته الجنسية 

خطابات عشيقته اليهودية الإيطالية: أقصى ما فعل قبلة لم تتكرر! 

فريدة بعد عزلتها عنه: لو جاء الملك إلى جناحى سأعتبره متطفلاً وربما أطلقت النار عليه 

شراهة الطعام وزيادة الوزن ولعب القمار والاستيلاء على ممتلكات الآخرين مظاهر العقد النفسية التى سيطرت على الملك 

تحرش فاروق بملكة اليونان بحضور زوجها والجالية اليونانية تطلب منها عدم انتقاد الملك خوفاً على مصالح أفرادها

لا الليل يخفى لو أرد نجومه.

ولا البحر يستر لو شاء أمواجه.

ولا الفاجر مهما تأدب يدارى عوراته.

بعد منتصف ليل يوم 12 إبريل 1945 شهد قصر الحكم فى عابدين فضيحة لم يستطع أحد التستر عليها كما حدث من قبل فى الفضائح التى وقعت فى القصر منذ انتهى الخديو إسماعيل من تشييده عام 1874.

بطلة الفضيحة سيدة تحت الثلاثين.. ممتلئة دون ترهل.. زائغة النظرات.. تفتقد التركيز.. تتلعثم فى النطق.. يتفجر العرق من جبينها ورقبتها وصدرها بلا توقف.. تكشف ملابس السهرة عن صلات ما بالطبقة الأرستقراطية.. ولكن.. فيما بعد وصفتها تقارير السفير البريطانى فى القاهرة سير مايلز لامبسون بأنها سيدة متسامحة فى الفضيلة.

ضبطت تلك المرأة فى الصالون المجاور للملك فاروق.. كانت وصيفة الملكة فريدة تتجه نحو هاتف فى الممر لتتصل بأسرتها عندما وجدتها هناك.. وكان يكفى أن تصرخ فزعة حتى تستيقظ الملكة.

وكان السؤال الأهم: ما الذى جاء بهذه المرأة إلى جناح الملك فاروق؟..أما السؤال الأخطر فكان: كيف عبرت البوابات وكتائب الحراسة ومبانى الحاشية دون أن يمسكوا بها؟.

حسب الوثائق البريطانية التى اعتمد عليها محمد حسنين هيكل فى سرد التفاصيل على صفحات كتابه: سقوط نظام فإن تلك السيدة اسمها ليلى شيرين.. وصلت بسهولة إلى الجناح الملكى لأنها كانت تعرف كلمة السر فى تلك الليلة (المنتزه).. أطلعها عليها سكرتير الملك للشئون الخاصة (أنطوان بوللى) بعد أن حدد فاروق موعدا معها.. ولكن فاروق نسى الموعد وسافر إلى الفيوم لحضور مأدبة على شرف مجموعة أمريكيين جاءوا من سان فرانسيسكو.. وكان ما كان.

ما أن رأتها الملكة فريدة حتى صرخت طالبة مسدسًا من جناحها لتقتلها وأمام حالة الغضب الصاخب الذى كانت عليه الملكة لم تجد ليلى شيرين مفرًا من الاعتراف بأنها على علاقة بالملك وسبق أن زارته أكثر من مرة فى جناحه.

ووجدت فريدة فى يدها خاتما عليه صورة الملك واعترفت ليلى بأنه هدية منه واعترفت بأنها حامل من الملك أيضا.

وقام القصر ولم يقعد.. وأصرت فريدة على إبلاغ النائب العام بعد تسليم المرأة إلى قسم عابدين.. بل أصرت فريدة ليلتها على الطلاق.. ولكن رئيس الحكومة محمود فهمى النقراشى أقنعها بالاكتفاء مؤقتا بإحالة الأمر إلى الجهات المختصة حتى يأتى الملك.

وجاءت التحقيقات مرضية للجميع فقد قيل إن ليلى شيرين مصابة باضطرابات عصبية عولجت بسببها فى مستشفى الدكتور جيلات للأمراض النفسية فى المعادى وأمكن فيما بعد الحصول على شهادة بعلاجها أنقذتها من السجن ورفعت الحرج عن كل من فى القصر.

وحسب لطيفة سالم فى كتابها: فاروق من الميلاد إلى الرحيل فإن تلك السيدة غير مصرية متزوجة من شخصية مصرية كما أنها سهلة المنال ودائمة التردد على فندق شبرد وتصدر عنها تصرفات غير طبيعية عندما ترى رجلا.

ولكن الملابسات جميعها ألصقت التهمة بالملك وطلبت فريدة الطلاق أو الانزواء مع بناتها بعيدا عن الأنظار واشتد غضب فاروق ومال إلى الموافقة على الطلاق ولكن تدخل الديوان والحكومة لرفض تلك الخطوة أو تأجيلها.

وما أن نفذ فاروق طلب فريدة وطلقها حتى شعر بالتحرر فى حياته الخاصة رغم أنها لم تقيده بل إنه وهو فى ذروة سعادته الزوجية للمرة الثانية مع ناريمان تورط حسب هيكل فى مشكلة تحرش جنسى مع فردريكا ملكة اليونان (زوجة الملك بول).

كانت فردريكا امرأة جميلة وجذابة ويظهر أن فاروق نسى نفسه لحظة كانت فيها الملكة تزور مصر وحاول معها بطريقة فجة إذ إنه عندما قبل خدها كما هى العادة حاول أن يصل بالقبلة إلى شفتيها فأزاحته وإذا هو يحاول احتضانها فكان أن اضطرت للتعامل معه بحزم وتطورت الفضيحة لأن الملكة التى سارعت بمغادرة القاهرة تحدثت إلى بعض الدبلوماسيين الأمريكيين وتسرب الخبر وسئلت فيه الملكة نفسها فى حديث مع ويليام آتوود كبير محررى مجلة لايف الأمريكية وإذا هى تؤكده.

ولكن الحكومة اليونانية رجت الملكة أن تصدر بيانا يقلل حجم الإساءة إلى ملك مصر حرصا على مصالح الرعايا اليونانيين فى مصر بعد أن طار كبيرهم المليونير جورج كوتسيكا إلى أثينا ليشرح للمسئولين هناك خطر غضب ملك مصر على الرعايا اليونانيين فى مملكته.

مثل هذه الروايات التى نشرت متأخرة بعد 55 سنة من وفاة فاروق و68 سنة على سقوط عرشه تشير إلى أن فضائحه النسائية أكثر مما كشفت من قبل رغم أن ما كشف من قبل لم يكن قليلا.

على أن ذلك لا يمنع أن العديد من الفضائح التى نشرت فور رحيله من مصر لم تكن كلها صحيحة حسب ما ذكر حلمى سلام رئيس تحرير مجلة التحرير المعبرة عن العهد الثورى الجديد وكان مديرها العام أنور السادات.

أنكر سلام بعد شهور قليلة من ثورة يوليو صحة كل ما كتب عن غراميات فاروق مؤكدا أن الخيال لعب فى بعضها دورا أفسدها وأبعدها عن نطاق الحقائق التى يمكن الاعتماد عليها عند دراسة حياة هذا الملك الماجن أو دراسة عصره.

وأضاف: نشر بعضهم من غراميات فاروق ما لا يمكن أن يطمئن إلى تصديقه إنسان بالغا ما بلغ من السذاجة أو حسن الظن فقد تضمن ما نشر حوارا بين الملك السابق وعشيقاته.. حوارا لا يمكن أن يقال على مسمع من إنسان ثالث.. وتضمن ما نشر حوادث دقيقة لا يفعلها إنسان إلا إذا خلا بنفسه أو بإنسانة فى خلوة كاملة.

شكك سلام فى كثير مما نشر قبل أن ينشر ما لديه من فضائح يوثقها برسائل من عشيقات فاروق إليه.

ويبرر سلام نشر ما لديه قائلا: إن التاريخ الجنسى للحكام يكشف عن أسباب غير معلنة لانهيار نظمهم.

وبالنسبة لفاروق فإن غرامياته جزء من تاريخه وعاملا من عوامل انهيار عرشه.

فى صباح يوم 14 نوفمبر 1943 دخلت محكمة عابدين الشرعية سيدة فاتنة رقيقة أنيقة تعلقت بها الأبصار حتى وقفت أمام فضيلة القاضى ترجوه إشهار إسلامها متنازلة عن ديانتها اليهودية التى ولدت عليها وبعد أن نطقت الشهادتين خرجت من المحكمة تحمل اسم فتحية الذى يبدأ بحرف الفاء مثل اسم فاروق وأسماء زوجته وبناته.

كانت تلك المرأة إيطالية الجنسية تسمى إيرين قدمها بوللى للملك وطلب منها إشهار إسلامها لتطلق من زوجها الضابط فى الجيش البريطانى.

شوهدت الإيطالية الحسناء أكثر من مرة مع فاروق.. لفتت بجمالها الأنظار.. انهالت عليها هدايا كبار ضباط الجيشين البريطانى والمصرى حتى أطلق عليها لقب صديقة القيادة المشتركة وفى السر كانت تبيع ما يقدم إليها من حلى لتنفق بثمنها على معيشتها فقد كان فاروق بخيلا وكثيرا ما كان يردد: الملوك تأخذ ولا تعطى.

وفى الرسائل الغرامية التى بعثت بها إليه (إلى الملك فاروق) تسميه بوتشى:

الاثنين 25 أكتوبر 1943

حبيبى بوتشى

أين أنت يا حبيبى؟ فى القاهرة؟ أم فى الإسكندرية؟ أشعر أنك هنا فهل تفضلت بالاتصال بى تليفونيا غدا؟ سأصلى هذا المساء ليتحقق حلمى.

إنك لا تتصور روعة المكان المحيط بى فى هذه الساعة فالهدوء شامل ولا أسمع إلا أصواتا غريبة خافتة لعلها أصوات طيور أو قطط أو صوت غصون الأشجار.

إن الجو يميل إلى البرودة قليلا ولكن لا بأس فبجانبى زجاجة الويسكى فأنا كما تقول دائما عنى صاحبة كيف.

كم يكون رائعا لو أنك كنت بجانبى على هذا المقعد المريح تدخن غليونك وأنا أقص عليك الكثير من الطرائف التى تحبها وأجعلك تشعر بالراحة.

إنى أتخيلك وأنت ممسك بغليونك فى يد بينما يدك الأخرى تعبث بشعرى وأنا جالسة على البساط ورأسى بين ركبتيك أحكى لك القصص الحشاشى التى تفضلها فانتزع بها ضحكاتك الرائعة فأحس أنى أسعد امرأة فى العالم.

الحمد لله عندى المقدرة على التخيل وربما كان للويسكى الفضل الأكبر فى ذلك.. إنى أشعر بأن روحى عالية وليس فى ذلك بغريب فالويسكى مشروب روحى.

كيف حال صديقتك الفرنسية هل تمتعت بتمثيلها؟ لو أنك سألتنى رأيى لأشرت بإرسال من ينوب عنك خصوصا بعد التصرف الأحمق الذى تجرأت وتصرفته معك.. وعلى كل فلا تهتم كثيرا بما أقول.. إنى أشعر بأنى أتدخل فى خصوصياتك كثيرا.. ولكن عندما تحب المرأة فلا نهاية لفضولها.. وأنا أحب بوتشى.

لقد قلت لى إنك أحببت يوما ولذا فأنت تفهم حقيقة شعورى أما أنت فلست إلا معجبا.. إنى سعيدة بحبى.. وهو وإن كان مؤلما إلا أنه جميل.

استمع إلى يا بوتشى.. إنى أحبك.. أما الأخريات فهن لسن أكثر من أصفياء.. وسترى حقيقة ما أقول بنفسك.. ستبرهن لك الأيام.. إنك إنسان كثير الشك.. إنك لا تثق فى أحد.. وهذا ما يجعلك تحس بربع السعادة التى يمكنك أن تحسها لولا شكوكك.. ها أنا لك: صغيرة موفورة الصحة مغرية وأحبك بجنون ولكنك تعاملنى بحذر كما لو أنى غير مخلصة لك.

كم تمنيت لو أنك كنت شخصا عاديا ولست بملك ولكن لسوء حظى أنك كذلك.

لماذا أتكلم عن هذا الآن وما فائدته؟.. إنى أحبك.. فهل تحبنى؟.. هل ستنظم حياة تكفل لكلانا السعادة؟.. وهل أنت ترغب فى هذا؟.. إننى لست إحدى العابرات فى حياتك.. لا.. إننى أهبك حبى وهذا أثمن ما عندى.. فهل تريده؟.. وهل تعرف قيمته فتبقى عليه دائما؟ أم تلقى به من النافذة بعد أن تزهده؟.

إنى أحبك وإنى أعنى ما أقول فإن قلبى هو الذى يتكلم.

إيرين

الأحد 17 أكتوبر 1943

حبيبى بوتشى

لو لم أعرفك لما استحقت الحياة أن أعيشها.. إنى متعبة والمشاكل تحوطنى من كل جانب والسعادة تأبى أن تلازمنى إلا لفترات متقطعة.. لماذا كتب على الشقاء وإلى متى سأستمر فى هذا الكفاح المضنى؟.

أواه يا حبيبى.. لو أنك كنت بجانبى لأسندت رأسى على كتفك ونسيت كل شىء.. إنى استحق العطف وفى حاجة إلى شخص يكون رحيما بى.

أرجو أن لا أكون قد أزعجتك بأخبارى ولكن لا تقلق فكفانى أنت أما أنا فقد تعودت على ذلك منذ كنت فى السابعة عشرة من عمرى.. إلا أن مشكلتى الكبرى الآن هى: ماذا أفعل فى مسألة مسكنى فالشقة التى أشغلها حاليا سيأتى أصحابها أول الشهر من جنوب إفريقيا والبحث عن شقة أخرى صار الآن من أعقد المشاكل وهذا معناه أننى سأضطر إلى العودة إلى منزل أهلى وهو ما لا يمكن عمله.

إننى لم أذق طعم الراحة طوال العام الماضى إنى أتنقل من مكان إلى آخر دون أن أعرف لى مستقرا.. أعيش لأنى من الأحياء.. أواه يا حبيبى.. لقد حصلت عليك أخيرا.. شكرا لله.. لقد كانت حياتى فارغة لا طعم لها ولكننى عوضت عن ذلك كله بك وهذا خير عزاء.

عندما أفكر فيك تملأنى السعادة وهذا يغير كثيرا من حالتى النفسية خصوصا عندما أستقبل بعض الأصدقاء الأعزاء.. وقد حضر أمس بعضهم.. وتناولنا بعض الخمر ثم ذهبنا إلى الأوبرج للعشاء ورقصنا وفى صباح السبت بينما كنت أرتب الأزهار إذا برسولك يحضر لاستلام الخطاب فسررت جدا.. والحقيقة أننى لم أكن أتوقع حضوره بهذه السرعة.

وبعد انصرافه تناولت غدائى مع بات (الكلبة التى تربيها) ثم ذهبت لأنام وأحلم بحبيبى بوتشى وفى السابعة مساء بدأ بعض الأصدقاء فى الحضور وبقوا حتى منتصف الليل بعد أن قطعوا أوتار البيانو ولو كنت أعرف ما للويسكى من تأثير وما ينتج عنه من خسائر لما سمحت لهم بالإفراط فى شربه.

وفى صباح اليوم التالى حضرت ابنتى فأخذتها إلى سيدى بشر ولكنى لم أستحم.. وكنت أحس بضيق طوال الوقت وبعد الظهر حضر والدها فأكثر من ثرثرته الفارغة وكاد أن يحطم رأسى بخزعبلاته عن الطلاق والعودة إليه مرة ثانية.. أما بخصوص ابنتى فأنا أقدر أن أهيئ لها حياة مريحة ولذا فقد قررت أن أتركها عند جدتها فهى غنية وسوف تعطيها كل شىء.

إننى أشعر برغبة أكيدة فى شيئ واحد هو أن أكون وحدى لأحبك بطريقتى التى أرضاها وهى أن أعطيك كل شىء.. أريد أن أكون لك فتملأ على حياتى وهذه هى السعادة.

كم أفتقد حديثنا التليفونى ورنين ضحكاتك الرائعة.

إنى أعبدك وكم أتمنى أن أبرهن لك على ذلك لأنى أشعر أنك لا تقدر حقيقة عواطفى نحوك فقد فعلت من أجلك ما لم أفعله لمخلوق فى الدنيا.

يا بوتشى

فى استطاعتى أن أستمر فى الكتابة دون نهاية ولكن لا يصح أن أكون أنانية ولابد أن أفكر فى وقتك فإلى اللقاء.. ربما يكون خطابى مضايقا لك ولكنى تعمدت أن تعرف كل شىء عنى.

ضمنى بين ذراعيك يا بوتشى فإنى فى أشد الحاجة إلى قبلاتك.

إيرين

الأحد 12 نوفمبر 1943

حبيبى بوتشى

لقد تركتك وأنا فى غاية السعادة فقد كان قلبى فرحا بعد أن تأكدت بما يكنه كلانا للآخر من حب عميق.. وبدلا من أن تنتابنى الهواجس فإنى استسلم لحلم جميل.. أفكر فيك وحدك.. وهل هناك سعادة أكثر من هذا؟.

بوتشى: إنى جدًا سعيدة والفضل فى ذلك يرجع لك فشكرا.. عندما عدت اليوم إلى المنزل علمت أن هناك من اتصل بى تليفونيا فهل كنت أنت هذا الشخص؟.. على كل فإنى أحب أن أوهم نفسى أنك كنت هو حبيبى.

كم كانت الليلة التى قضيناها سويا رائعة وسأظل أذكرها ولن أنساها أبدا فقد كان كل شىء فيها جميلا.. إنى أكتب إليك وصورتك فى مخيلتى وذكرى الليلة مازال يؤنسنى.

سوف أكون مشغولة طوال الغد ولكننى لن أغفل التفكير فيك لحظة واحدة وذلك لأنى كلما انسقت وراء تفكيرى أتبين أنى عملت ما طلبت منى بل عملته بكل سرور وأنى أرجو أن تتمم الشىء الذى يهمك كثيرا فى المرة القادمة وتأكد أننى أفعل كل ذلك لأنى أريده مثلك ولأنك أنت الذى تطلبه.. فلو أنك طلبت منى أن ألقى بنفسى فى البحر لفعلت مسرورة.. وقد يبدو ذلك جنونا ولكن ألا تعرف من هو مرافق الحب؟ الذى يزامله دائما؟ إذا كنت تعرف فاسمع هذه الأقصوصة.

كان الحب والجنون يلعبان سويا فحدث بينهما حادث ما فاندفع الجنون فأصاب الحب بالعمى ولما عرض أمرهما على جوبيتير رأى أن الحل الوحيد لإصلاح ما حدث هو أن يقود الجنون الحب أينما ذهب بعد أن أصبح أعمى.

ولكن حبنا ليس أعمى إلى هذا الحد أرجو أن توافقنى على رأيى.

لست أدرى متى سأراك ثانية إلا أننى سأصبر هادئة لمدة أسبوع ولكننى سألقى بنفسى فى أول طائرة تبرح الإسكندرية بعد ذلك لأحضر إليك اللهم إلا إذا كنت ستتمكن من الحضور بعد يومين وتأكد أنك لن تندم إذا حضرت سأريك أين يكمن الحب جميعه.

أحس بشعور خفى أنك لن تقرأ خطابى حتى نهايته ولكنك إن فعلت فستجد فى آخره آلاف القبلات لك... يا حبيبى.

إيرين

ملحوظة: لا أعتقد أنك تسلمت خطابى الأول فإن كنت لم تتسلمه فذلك لأنى وضعت عليه طابع بريد من فئة الستة مليمات ونسيت أن السعر قد ارتفع إلى قرش صاغ.

وهناك خطابات أخرى.. ولكن.. لا تضيف شيئا لما سبقها.. قصة مملة تدور حول نفسها.. امرأة تركت دينها وزوجها وابنتها متصورة أن الملك يبادلها المشاعر ذاتها.. تعلقت بحبال الهوى الدايبة فلم تجد أمامها سوى استجداء الحب فى خطابات ترسلها بالبوستة.. تتصور أنها لا تصل إلى فاروق بسبب تغير سعر طابع البريد.

لكن الأهم أنها تعتبر نفسها جميلة مثيرة يقدر جسدها على منح السعادة لمن يلمسه ولكن الملك على ما يبدو يكتفى باللعب فى شعرها أو يضع رأسه بين ركبتيها ويوم نالت منه قبلة أشرقت الشمس عليها قبل موعدها.

على أن تجنب فاروق للعلاقة الحميمة معها لم يكن لعيب فيها وإنما كان لعيب فيه.. كان يقف فى منتصف الطريق.. لا يستطيع الاقتراب.. ولا يستطيع الابتعاد.. لو تقدم قليلا تراجع إلى الأبد.

إن فاروق بنص كلمات الملكة فريدة (حبه الأول والأخير وأكثر امرأة عاشرته) رجل غير طبيعى.. نطقتها بعد أن فاض بها.. همست بها إلى بعض صديقاتها.. ولكن.. الهمس فى مثل هذه الأمور الملكية الخاصة المثيرة سرعان ما يصبح صخبا.. والمؤكد أن الصدى رجع إلى فاروق نفسه فانفجر غضبا وشعر بالخجل وسب فريدة وقرر تطليقها بعد أن طلبت منه ذلك أكثر من مرة.

كان فاروق يعرف مشكلته الجنسية جيدا لكنه لم يستدع طبيبا يساعده على تجاوزها مكتفيا بوصفات شائعة.. تصور أن علاجها يمكن بتناول كميات كبيرة من الطعام تكفى عشرة أشخاص حتى أصبح برميلا يمشى على قدمين.. أو زيرا سمينا كما أطلق عليه رجل المخابرات المركزية (الأمريكية) كيرميت روزفلت.

كانت قائمة الطعام اليومية تضم لحومًا وعصائر وفطائر وأسماكًا ومحارًا يأتى إليه خصيصا من كوبنهاجن بالطائرة حسب ما نشرت لطيفة سالم لارتباط المحار بتوليد قوة جنسية كان فاروق فى أشد الحاجة إليها.

ويبدو أن شراهة فاروق لتلك الأطعمة المنشطة للجنس أصبحت حديث القصر ثم خرجت من القصر إلى الشارع لتصبح حديث الناس جميعا بعد أن أضيف إليها من المبالغات ما لا يمكن حدوثه وأتذكر أننا ونحن صغارا كنا نحكى عن الخراف التى يحولها مطابخ القصر بكثرة الغليان إلى خلاصة من الحساء يتناولها فاروق مكثفة فى كوب صغير ليصبح قويا.

لكن لم نكن نعرف بالقطع أن فاروق كان عاجزا عن تذوق النساء وأن البديل الوحيد الذى كان متاحا أمامه التهام الطعام بشراهة مرضية.. كما أن كل النساء اللاتى حرص على الظهور معهن فى أماكن السهر كن ديكورا يخفى مشاكله الجنسية.. كانت الجميلات يحطن به فى ملهى الأوبرج ونادى السيارات والحفلات الخاصة ولكن زورقه لم يكن قادرا على الإبحار وخنجره يخذله عند القتال وجسده لا يستجيب إليه فى الوقت المناسب.

كان السبب فسيولوجيا.. بعضا من غدده لا تؤدى وظائفها بكفاءة.. حتى أنه كانت هناك فكرة لإجراء جراحة لتنشيط الغدد الخاملة.. والكلام ليس استنتاجا وإنما أباحت به وثائق رسمية بريطانية.

لقد اهتمت سلطات الاحتلال بالنصف السفلى للملك بدعوى أن إصابة ملك بالضعف فى الفراش سيهز من ثقته فى نفسه وسيؤثر فى قراراته المصيرية وربما حطم شخصيته بل ربما حطم بلاده.. وكأن من لا يقدر أن يسيطر على امرأة لا يقدر على حكم أمة.

وفى إحدى هذه الوثائق نجد حوارا بين رئيس الوزراء حسين سرى باشا والسفير البريطانى مايلز لامبسون:

سرى: لقد تأكد من مصادرى الخاصة أن الملك لا يذهب مع النساء إلى آخر المطاف.

لامبسون: أعرف ذلك وأعرف أن الملكة فريدة أخطرته بعد عيد ميلاد الأميرة فادية (صغرى بناته) أنه إذا اقترب منها كزوج فإنها ستستقبله كمتطفل.

سرى: وقبل الولادة لفظته.

لامبسون: ولكن كيف أنجب بناته؟.

سرى: إنه ليس عقيما وإنما يفتقد مقومات الشباب.

لامبسون: هذا التركيب غير طبيعى ولا يستبعد أن يؤثر على عقله.

سرى: والحل؟.

لامبسون: سأطلب من حكومتى الاتصال بالدكتور ب. هنرى الذى سبق أن أجرى الكشف عليه عندما كان فى لندن لتعرف حالته بدقة.

سرى: إن دكتور هنرى يرى أن الخلل ليس طارئا ولكنه يعود إلى ما قبل الزواج.

لم يجرؤ السفير البريطانى أن يطلب من فاروق عرض نفسه على أطباء للعلاج.. ولم يسع فاروق إلى ذلك.. بل اندفع معبرا عن عقده النفسية والجنسية إلى اصطياد النساء حتى يدارى ما به ليصبح مثل النهر: عطشان والكأس فى يديه.

وتولت حاشيته إيهامه بأنه أكثر الرجال فحولة بإسماعه شهادات كاذبة على لسان نساء جئن إليه.

وضمت الحاشية أنطوان بوللى سكرتيره للشئون الخاصة الذى التحق بالقصر ليعمل كهربائيا ومحمد حسن خادمه الشخصى والشماشرجى المقرب منه وأرنستو فيروتشى مهندس القصور الملكية وجيو رجيو جارو حلاقه الخاص ومساعده بترو دولا فالى الذى كان صبى قهوة فى الإسكندرية وقد منحهم فاروق الجنسية المصرية وأصر على أن تجرى لهم عملية الختان حتى يفهموا على حد قوله الطبيعة المصرية.

وانضمت إليهم قوادة يهودية معروفة هى هيلين موصيرى عرفته على كومبارس يهودية أيضا تدعى ليليان كوهين أصبحت فيما بعد نجمة سينمائية هى كاميليا.. كانت فى السادسة عشرة من عمرها عندما اكتشفت بذكاء عيبه وتجاوزته ونجحت فى إقناعه بأنه أشد الرجال فحولة فكان يزهو بنفسه عندما يسمع صوتها وكانت تجد نفسها عندما تأمره ويطيع.

وكان الملك لا يثق إلا فى حاشيته أما السبب فهو أن تربيته كانت مغلقة عليه بسبب قسوة مربيته الإنجليزية مسز تايلور التى وضعته حسب أحمد بهاء الدين فى كتاب: فاروق ملكا فى عزلة تامة وحرمته من اللعب مع أطفال فى سنه ما عدا إخوته وأيد والده ذلك السلوك وشجعه بتشديد الرقابة عليه ولم يسمح بأن يكون له أصدقاء من أولاد الأمراء والباشوات بل أحاطه بطائفة من الأتباع فشب دون أن يعرف صداقات الند للند ومجالسة الذين يخدمون أنفسهم وعليه اعتاد أن يجالس الخدم الذين يتسابقون إلى إرضائه بأى ثمن.

وهكذا رفع فاروق حاشيته إلى مرتبة عالية لم يمنحها لكثير من الأمراء والباشوات بل أكثر من ذلك دافع عنها دفاعا مستميتا بدا معه مستعدا لتغيير الحكومة إذا ما أصرت على التخلص من الحاشية أو اتهامها بالفساد.

ومن جانبها ردت الحاشية الجميل له فتسابق كل شخص فيها لإرضاء الملك بإحضار النساء إليه وترويج القصص الوهمية عن غزواته الجنسية ولياليه الحمراء التى لم تكن لتنتهى رغم شروق الشمس.

لكن فى الحقيقة كان فاروق بينه وبين نفسه يدرك جيدا مشكلته ولكن لأنه ملك جاهل لم يكمل تعليمه ترك المشكلة تتمكن منه وتفرض عليه تصرفات نفسية واجتماعية سيئة سهلت النيل منه وأسقطت نظامه فيما بعد.

بجانب شراهة الطعام تعنت فاروق فى استعمال سلطته الملكية ولو كانت مخالفة للقانون.. مارس الصيد فى مناطق محرمة.. وقتل ببندقيته حيوانات نادرة مثل الكباش البرية.. وسيطر عليه جنون الاقتناء.. اقتناء العملات والسيوف وطوابع البريد وأجهزة القمار واللوحات والتماثيل والحشرات النادرة ورؤوس الغزلان والتياتل والمجلات الجنسية (بلاى بوى وبنت هاوس) بل أكثر من ذلك لم يتردد فى اقتناء المخدرات رغم أنه لم يكن يدخنها.

لكن الكارثة أن جنون الاقتناء صاحبه إصرار على حصوله على ما يريد دون مقابل.. يحصل عليها غصبا.. أو يسرقها.

حسب لطيفة سالم (نقلا عن وثائق بريطانية) فإن فاروق نقل من قصر الوجيه محمد طاهر سريرا نزع من عليه فرشه وزهريات فاخرات من الفضة والرخام وتمثالا برونزيا وعندما عجز مالك القصر عن استرداد مقتنياته وخشية أن يؤذيه الملك قرر التنازل عن القصر مقابل 40 ألف جنيه عندما أعجبت به فريدة وأطلق عليه قصر الطاهرة وقبل شرائه بذلك السعر المغبون وبناء على توجيه ملكى استخدم القصر لنزول ولى عهد إيران وقام بوتشى وقتها بوضع الحرير على الحوائط وتركيب الرخام.

وهنا كتب السفير البريطانى لحكومته: إن فاروقا يعانى من مرض حب الاستيلاء على ما يريد وأن مثل تلك التصرفات تغضب الشعب.

كتب السفير البريطانى تلك الرسالة بعد أن تعددت تصرفات فاروق المشينة.

فض شمع نادى التجديف الألمانى فى الإسكندرية وفض أختامه واستولى على ما فيه من أجهزة ومعدات.

واستولى على الأدوية فى مخازن شركة باير الألمانية.

واستولى على سيوف وخناجر تاريخية كانت تمتلكها عائلة لطف الله فى الزمالك.

واستولى على جهاز إرسال (ثمنه 100 ألف دولار) 9 أحضره معه ملك يوغسلافيا (بطرس الثانى) عندما استضافته مصر هربا من النازييين وقبل سفره إلى بريطانيا.

واستولى على يخت هتلر بعد أن اشتراه المليونير أنطوان عريضة.

واستولى على عملات ذهبية نادرة كانت فى حوزة بنك مصر.

واستولى على آثار فرعونية من مناطق الحفريات واستولى على آثار إسلامية ويونانية من المتاحف المعروضة فيها.

ولمن يشاء المزيد من التفاصيل ليعود إلى كتاب لطيفة سالم.

وعوض فاروق غياب الإثارة الجنسية فى حياته بإثارة من نوع آخر وجدها فى لعب القمار وليس جديدا أن نقول: إن غالبية الأثرياء ورجال الأعمال كانوا يتعمدون الخسارة إذا ما جلسوا على مائدة خضراء معه.. كان يكفيهم القرب منه.. وحققوا من وراء ذلك مكاسب هائلة عوضتهم خسائر البوكر.

وذات مرة ظل يلعب القمار حتى الصباح فى نادى سيارات الإسكندرية ثم أرسل فى طلب الردنجوت (بدلة التشريفات) ليؤدى صلاة العيد.

المثير للدهشة أنه فى سنوات حكمه الأخيرة نصح بأن يعبر عن رغبته فى فرض الشريعة الإسلامية على البلاد فأطلق لحيته وقرب جماعة الإخوان من القصر وأكثر من حضور المناسبات الدينية.. ولكن.. تلك الحيلة لم تنطل على الشعب.. ولم تنقذ نظامه الذى سقط فى ساعات قليلة.. كان نظامه ملقى فى عرض الطريق فى انتظار من يلتقطه.