محمد مسعود يكتب: أساطير الدراما «5» امرأة من زمن الحب

مقالات الرأي



سميرة أحمد تروى حكايات خاصة جداً عن أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ وكريم وياسمين عبدالعزيز

ميزانية المسلسل 7 ملايين جنيه وأجر سميرة أحمد 450 ألف جنيه وكريم عبد العزيز 8 آلاف وياسمين 4 آلاف فقط

سميرة قابلت أسامة أنور عكاشة على سبيل الصدفة فطلبت منه مسلسلاً فقال: «عندى لكن للأسف موقع مع شركة إنتاج أخرى» 

المنتج صفوت غطاس اشترى السيناريو من شركة الإنتاج وسميرة أحمد رشحت أحمد السقا فاعتذر.. وإسماعيل عبدالحافظ ينسحب من العمل لرفض المنتج والبطلة إسناد الدور لابنه وترشيح كريم عبد العزيز بدلاً منه

أسامة أنور عكاشة لـ«إسماعيل عبد الحافظ»: «الموضوع مش شخصى.. وابنك مينفعش فى الدور» 

كريم لم يصدق نفسه حينما قالت والدته سميرة أحمد عيزاك فى مسلسل.. وقرأ الـ30 حلقة فى ليلة واحدة ووقع العقد فى الثامنة صباحاً 

مساعد المخرج والريجيسير نفذا طلب بطلة المسلسل وأحضرا ياسمين «بتاعة الإعلانات» وسميرة أحمد «مش دى اللى أنا عيزاها».. فأحضرا ياسمين عبد العزيز


كان طفلا يتيما.. يائسا.. حبيسا، بين أسوار الحرمان.. وجدران الوحدة.. ماتت الأم.. فارتدت أحلامه السواد، فى نهار عمره.. وربيع أيامه. فى ذلك الحين، لم تعد الأرض أرضا.. ولا السماءُ سماءً.. فسواد اليتم.. ومرارة الفقد.. كست كل شىء.. فلم يجد ملاذا ولا متعة.. سوى فى دفن رأسه بين طيات الكتب.. ينهل منها كيفما يشاء.. وكأن الحروف ترتب ما بعثرته الأيام.. والكلمات تلملم جروح الحزن.. وشتات الروح.


فرضت الظروف.. أن يقول عنه المقربون.. إنه منطو، وزاد بعضهم فى وصفه بأنه «براوى»، وهم لا يعلمون.. وربما هو أيضا كان لا يعلم.. أن القراءة والانطواء.. يشرعان فى بناء هذا الصرح.. ووضع حجر الأساس.. لكاتب فذ.

أسامة أنور عكاشة شكلت المرارات أسطورته.. وجعلته أعظم من كتب السيناريو للتليفزيون.. فهو حقا.. وصدقا.. ويقينا.. سيد الدراما التليفزيونية.. و«عميد الأدب التليفزيونى».. على مر العصور.

عاش حائرا محبطا.. مثل «على البدرى» فى ليالى الحلمية.. على حد تعبيره فى تسجيل تليفزيونى.. منذ عشرات السنين، وربما ظل لسنوات.. يبحث بداخله عن ذلك الطيف البعيد.. وتلك المرأة المفقودة.. الأم.. امرأة من زمن الحب.. امرأة تملك.. قوة الأيام.. وصبر الزمن.. وعزيمة البقاء.

لم يكن المشوار سهلا.. ولا الطريق مفروشا بالورود.. لذا كان على يقين.. وعلم.. ومعرفة.. بمدى موهبته.. ونما بداخله كبرياء كاتبًا.. رفض التنازل.. أمام سطوة النجوم.. وإغراءات المال.. ودوامة الثروة.. فالثروة الحقيقية.. هى أعماله التى يرثها أبناؤه فقط.. بينما أورثها للشعب المصرى.. والشعوب العربية بالكامل.

ربما لا تكفى الكلمات.. كاتبا فى حجم وموهبة أسامة أنور عكاشة، أحد أهم أساطير الدراما على الإطلاق.. وفى هذه الحلقة نستعرض إحدى روائعه «امرأة من زمن الحب».

1- صدفة سعيدة

من خلال معرفتى بالفنانة الكبيرة سميرة أحمد، أعلم علم اليقين أنها لا تقدم عملا، لا تحبه.. وتكون مقتنعة تمام الاقتناع به.. والحقيقة أن مجرد وضع اسم سميرة أحمد على عمل فنى، يجعلك تضمن جودة التنفيذ.. وروعة القيم.. ونقاء الأفكار.. لذا لم يكن غريبا أن تلتقى النجمة الكبيرة بالكاتب الفذ.

كانت سميرة أحمد فى إحدى المناسبات.. غالبا كانت دعوة على العشاء.. وكانت متابعة جيدة لما يقدمه أسامة أنور عكاشة من فن راق فى الشهد والدموع وليالى الحلمية وغيرهما من الأعمال.. وفى تلك المناسبة وهذه الليلة.. لعبت الصدفة دورها فى لقاء العملاقين.. الكاتب الكبير.. والنجمة القديرة.

سميرة أحمد روت لى تفاصيل اللقاء الأول.. حينما التقت به وأخبرته عن رأيها الصريح فى أعماله الرائعة.. وهو الأمر الذى أسعده، كونها نجمة كبيرة وعملت مع عمالقة السينما المصرية وصاحبة تاريخ كبير ومشرف.. قالت: «أحنا لازم نشتغل مع بعض يا أستاذ أسامة».. فرد قائلا: «يشرفنى يا سميرة هانم عندى موضوع حلو هبعتهولك لكن فى مشكلة إنى متعاقد بشأنه مع شركة إنتاج أخرى ولا أعلم هل سيتركونه لتنتجيه أم لا».. فقالت سميرة «ابعته بس وربنا يسهل».

انتهى اللقاء.. ومرت بعض الأيام.. ولم يتصل أسامة أنور عكاشة.. فقام المنتج الكبير صفوت غطاس بالاتصال به.. سائلا عن النص الذى كان من المفترض أن يرسله.. وبرر أسامة انشغاله هذه الأيام.. وأرسل بالفعل معالجة درامية بعنوان «امرأة من زمن الحب» تلعب من خلالها سميرة أحمد دور السيدة «وفية».

وما إن حازت المعالجة الدرامية على إعجاب سميرة أحمد.. تواصل المنتج الكبير صفوت غطاس، مع شركة الإنتاج التى تعاقدت على العمل.. وتوصل مع المسئولين عنها لتسوية تئول من خلالها ملكية النص إلى شركة المنتج صفوت غطاس والفنانة سميرة أحمد.

بعدها بأيام أرسل الكاتب الكبير ثلاث حلقات من العمل الذى حاز على إعجاب ورضا سميرة أحمد من القراءة الأولى، وهنا سألت السيدة سميرة: «ألم يكن لديك أية ملاحظات على العمل؟.. أم أن سطوة كاتب فى حجم أسامة أنور عكاشة يجعلك تترددين فى طلب أية تعديلات؟».

قالت: «إذا قرأت النص الذى كتبه الأستاذ أسامة الله يرحمه ستقتنع بكلامى.. وللعلم لم يكن متشبثا أبدا برأيه.. ففى مرات طلبت منه اختصار حوار المشهد.. فقال لى ساعتين وأبعتهولك.. لكن عندما اختصره وجدت أنه كان أفضل قبل اختصاره.. فقلت خلاص هعمله زى ما أنت كتبته الأول».

عبقرية أسامة أنور عكاشة، لم يكن ليتفاخر بها أو يقول إنها نابعة من داخله بينما كان يعترف أنها موهبة منحها الله له ويقول «كل خلق لما يُسر له»، فعندما يعيش فى جو العمل ويجلس للكتابة.. يشعر وكأنه يُملى عليه ما يكتبه.. وربما كانت بكارة وعمق الكتابة الأولى هى ما جعلت من السيدة سميرة أحمد تتراجع عن التعديل وتطلب عمل المشهد كما هو.

2شريك النجاح

بعد قراءة الحلقات كان الكاتب الكبير ضيفا مستمرا على منزل المنتج صفوت غطاس والفنانة سميرة أحمد بحى الزمالك، وكانت الجلسة المفضلة لهم فى بلكونة الشقة.. وخلال إحدى الزيارات طلب الكاتب الكبير من الفنانة القديرة طلبا خاصا بأن يختار مخرج العمل.. ورشح صديقه وشريك نجاحه المخرج الكبير إسماعيل عبد الحافظ لإخراجه.

سميرة أحمد كنجمة سينمائية لم تكن تعتبر أن الدراما التليفزيونية بيتها.. فبيتها الأساسى هو السينما.. لذا كان يجب أن يكون هناك مغريات لجذبها للدراما التليفزيونية.. وكانت المغريات خاصة بالأطفال الذين تعشقهم سميرة.. لتوافق على مشاركة الفنان الكبير محمود ياسين بطولة مسلسل «غدا تتفتح الزهور» الذى كتبه يوسف عوف وأخرجه إبراهيم الشقنقيرى سنة 1984.. ورغم النجاح الكبير الذى حققه المسلسل لكنها ابتعدت عن الدراما التليفزيونية 13 سنة كاملة.. ولم تعد إلا بمسلسل «ضد التيار» الذى كتبه الأستاذ الراحل محمد صفاء عامر.. وأخرجه إسماعيل عبد الحافظ سنة 1997.

وفى أثناء التحضير لمسلسل « امرأة من زمن الحب» سنة 1998 طلب منها أسامة أنور عكاشة أن تستعين بالمخرج إسماعيل عبد الحافظ للسنة الثانية على التوالى.. لم تبد سميرة انزعاجا من طرح اسم المخرج الكبير.. لكن يبدو أن ثمة إحساساً بداخلها يؤكد أن التجربة سيشوبها نوع من الخلاف.

وهل حدث خلاف فعلا؟.. الإجابة قالتها لى الفنانة سميرة أحمد: كان هناك دور فى العمل لابن السفير «هانى» وكنت قد رشحت أحمد السقا للعب الدور لكنه اعتذر لارتباطه وتفرغه للمسرح.. فقال المخرج إسماعيل عبد الحافظ « أنا عندى ممثل كويس».. تساءلت سميرة أحمد: مين ؟، فقال المخرج الكبير الراحل: «محمدعبدالحافظ».. نظرت سميرة إلى صفوت غطاس الذى يكمل الواقعة : قلت له مينفعش يا أستاذ إسماعيل.. ابنك محمد مينفعش فى دور زى ده.. وأضافت سميرة: دور ابن السفير لا يليق على محمد.. فقال إسماعيل عبد الحافظ «يبقى بلاش»!.

المنتج صفوت غطاس يستكمل ما حدث قائلا: «الحقيقة لم أكن أعلم ما فى ضميره.. وماذا يعنى بكلمة بلاش.. هل هى بلاش محمد؟.. أم بلاش المسلسل كله؟.. فرددت: خلاص بلاش بلاش».. وهنا قام إسماعيل عبد الحافظ منسحبا من الجلسة.

3ضمير الكاتب

ما إن خرج المخرج إسماعيل عبدالحافظ من منزل السيدة سميرة أحمد والمنتج صفوت غطاس، حتى قامت سميرة بالاتصال بأسامة أنور عكاشة وقالت فور أن رد: «بص يا أستاذ أسامة يرضيك ما فعله إسماعيل».. وحكت له الحكاية كاملة.. الأمر الذى أغضب أسامة أنور عكاشة.. من موقف صديقه المخرج الكبير إسماعيل عبد الحافظ.

وتحدث الكاتب الكبير إلى المخرج وأقنعه أن الخلاف غير شخصى على الإطلاق، وأن صفوت وسميرة على حق.. واقتنع عم إسماعيل بطيبته المعهودة.. وعاد إلى العمل من جديد.

سميرة أحمد فى أى عمل يكون لها حق فى اختيار النجوم.. بوصفها البطلة والمنتجة (أنا لازم اشتغل مع الممثلين اللى بحبهم بشرط يكونوا مناسبين للأدوار.. لأن ده بيخلق جو حب فى البلاتوه وبينعكس على العمل الفنى.. لكن لو طاقم التمثيل مبيحبش بعض.. أنا مش هكون مرتاحة وهو ما سينعكس على العمل أيضا).

سميرة أحمد لا تنسى أبدا إنصاف أسامة أنور عكاشة لوجهة نظرها فى أزمتها المختلقة مع المخرج إسماعيل عبدالحافظ.. ولا تنسى أيضا وقوفه إلى جانب الحق فى أزمتها مع المخرج الكبير محمد فاضل والخاصة بمسلسل «أميرة فى عابدين» الذى كتبه أسامة أيضا.

4المواجهة

فى سنة 2001 بدأ التحضير الفعلى لتصوير مسلسل «أميرة فى عابدين» فور انتهاء الكاتب من النص، وفى إحدى الجلسات طلب أسامة أنور عكاشة من الفنانة سميرة أحمد ترشيح المخرج محمد فاضل لإخراج العمل.. وقتها تخوفت سميرة أحمد من قبول الترشيح وقالت له: «قد يقول لك إن فردوس عبد الحميد أنسب للشخصية من سميرة أحمد»، فقال أسامة: «لو حدث ذلك سأسحب العمل منه على الفور»، وفى ظل ثقة سميرة أحمد فى أسامة أنور عكاشة وافقت على ترشيح محمد فاضل.. الذى سرعان ما اختلف مع سميرة أحمد التى رشحت حنان ترك لأحد الأدوار لكن فاضل رفض الأمر.. واتفق معه فى الرأى هذه المرة مؤلف العمل.

بعدها فاجأ فاضل الجميع بطلب قدمه إلى المهندس عبدالرحمن حافظ رئيس مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامى –آنذاك- مطالبا باستبعاد سميرة أحمد من العمل كونها غير مناسبة للشخصية من وجهة نظر المخرج والاستعانة بالفنانة الكبيرة فردوس عبدالحميد.

حدث ما توقعته سميرة أحمد، فما كان من رئيس مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامى إلا عقد جلسة منفصلة تجمعه بسميرة أحمد ومحمد فاضل.. وفى بداية الجلسة قال حافظ:» اتفضل يا أستاذ فاضل قول اللى أنت عايزه»، فقال: إن سميرة لا تتناسب مع الشخصية، فردت سميرة: «إذا كنت غير مقتنع ببطلة العمل وصاحبة النص وشريكة فى الإنتاج فعليك أن تترك العمل أنت لا أنا».. ووافق عبدالرحمن حافظ على هذا الاقتراح وقدم محمد فاضل تنازلا كتابيا عن حقه فى إخراج العمل لمدينة الإنتاج الإعلامى التى كانت تشارك فى الإنتاج.. وكانت وجهة نظر أسامة أنور عكاشة هى نفس وجهة نظر سميرة أحمد.. وآلت مسئولية إخراج العمل للمخرج أحمد صقر.

5كريم عبد العزيز

فى مسلسل «امرأة من زمن الحب» وبعد الأزمة التى حدثت بين المخرج إسماعيل عبد الحافظ والفنانة سميرة أحمد بسبب رفضها لترشيح محمد عبد الحافظ لدور «هانى»، طلبت سميرة أحمد إسناد الدور للفنان الشاب كريم عبد العزيز.. بعد أن شاهدته فى فيلم «اضحك الصورة تطلع حلوة» الذى كتبه الكاتب الكبير وحيد حامد ولعب بطولته الفنان العظيم الراحل أحمد زكى.

اتصلت سميرة أحمد بوالدة كريم عبدالعزيز التى أكدت لها أنه فى رحلة مع أصدقائه فى مدينة الإسكندرية، فقالت لها: « أنا عوزاه يجيلى».. فقالت والدته هكلمه على طول دلوقتى.. وعندما اتصلت به هاتفيا لم يصدق كريم نفسه عندما قالت له والدته: «سميرة أحمد بتدور عليك وعيزاك تشتغل معاها فى مسلسلها الجديد».

كريم ترك الأصدقاء وعاد إلى القاهرة فى نفس الليلة وذهب على الفور للقاء الفنانة سميرة أحمد والمنتج صفوت غطاس وكان فى منتهى السعادة وقد خرج من منزلها حاملا بين يديه 30 حلقة كتبها العظيم أسامة أنور عكاشة.. وليلتها لم ينم.. قرأ الـ30 حلقة كاملة فى نفس الليلة.. وفى الثامنة من صباح اليوم التالى ذهب إلى المكتب ووقع عقود المسلسل مع المنتج صفوت غطاس الذى سألته عن أجر كريم عبد العزيز فقال «8 آلاف جنيه».

6- ياسمين عبدالعزيز

أما دور «هايدى» الذى قدمته فتاة الإعلانات حين ذاك والنجمة حاليا ياسمين عبدالعزيز، فكانت ترشيحها أيضا من الفنانة الكبيرة سميرة أحمد: (قلت لهم عايزة البنت بتاعة الإعلانات اللى اسمها ياسمين وبعد أيام قالوا تواصلنا معها وستأتى غدا.. قلت أشوفها.. وعندما دخلت علىَّ وجدت أنهم أرسلوا فتاة إعلانات أخرى اسمها ياسمين أيضا.. والحقيقة الموقف آلمنى كونها عقدت آمالاً فى المشاركة فى المسلسل لكننى قابلتها بترحاب وقلت لها أحنا لسه بنشوف وهنختار.. وكان الخطأ إما من مساعد المخرج أو الريجيسير وبعد أيام جاءت ياسمين عبد العزيز). 

وما نصيحتك لها؟.. وما أجرها عن المسلسل؟.. السؤال الأول أجابته سميرة أحمد: (نصحتها بعدم اللعب بعينيها وتحريكها كثيرا).. أما السؤال الثانى فأجابه المنتج الكبير صفوت غطاس: (ياسمين حصلت على 4 آلاف جنيه كأجر عن دورها كاملا وحضرت لتوقيع العقد بصحبة والدتها فقد كانت صغيرة السن).

أما الفنانة سميرة أحمد فحصلت على 450 ألف جنيه نظير بطولة المسلسل الذى بلغت ميزانية إنتاجه نحو 7 ملايين جنيه بحسب المنتج صفوت غطاس الذى قال: (الميزانية مرتفعة لأننا قضينا 25 يوما للتصوير فى لبنان علاوة على الاستعانة بنجوم لبنان).