وليد سليمان.. حاوي "القلوب" الحمراء

الفجر الرياضي

وليد سليمان
وليد سليمان




أن تكون حاويًا يعني أنك قادر على إبهار الجميع، لا يتعلق الإبهار بما تقدمه لكن بـ"الشو" الذي يسبقه، والتأكيد أن ما ستأتي به معجزة من الخيال لا يمكن أن تتكرر كثيرًا، من هنا تستطيع جلب الأنظار وتصبح قادرًا على إخضاع القلوب لأي سحر تقدمه، لكن هذا نوع مبتذل من الحواة الذين يفعلون كل هذا من أجل جلب المال لا أكثر، أما الحاوي الحقيقي هو الصامت القادر بأفعاله فقط أن يخضع القلوب، بل ويجعل من حوله يعرفون جيدًا أن الحل لن يكون سوى عنده.

في 1984 لم تكن المنيا التي كانت عروس الصعيد سوى مرتع للجماعات الإرهابية، سبق ذلك اغتيال الرئيس أنور السادات ثم بدأت موجة الإرهاب الثانية التي كان مقرها الصعيد بجباله التي احتوت تلك الجماعات وبات الكل في خوف شديد من الحملات الأمنية التي تطرق كل باب بحثًا عن إرهابي مختبيء، في ذلك المناخ الذي لا يبشر بخير كان الطفل وليد سليمان يحبو خطواته الأولى في شوارع بلدته "بني مزار"، يحاول أن يتلمس طريقه، وللتحايل على المدينة الخالية من أي ترفيه مقارنة بالقاهرة، لم تكن سوى كرة القدم هي التسلية التي يمكن من خلالها إضاعة الوقت، وفي تلك الشوارع الضيقة وغير الممهدة بدأ "وليد" يتعلم "حركات الحواة" مجبرًا حتى لا تُكسر قدميه في أي تصرف طائش!

ما حدث سابقًا كان مؤهلًا أن يذهب الطفل إلى مركز شباب بني مزار لتكون البداية جنبًا إلى جنب مع التعليم، لكن لا يمكن لحاوي أن يتقيد بواجب ووظيفة فسرعان ما استطاع أن يبزغ نجمه كرويًا وسرعان ما انتقل إلى فريق شباب حرس الحدود بوابته للأضواء بعد ذلك.

في 2005 كان وليد سليمان البالغ من العمر 21 عامًا وقتها هو أمل فريق الجونة للصعود إلى الدوري الممتاز، ولأن كل حاوي يلزمه أن يُدرك جيدًا الطرق الوعرة قبل الممهدة كان هذا الموسم في دوري الدرجة الثانية هي آخر التجارب قبل أن يصعد وليد سليمان بعدها، واستطاع أن يصعد مع فريقه بالفعل بعد أن أثبت نفسه كفاءة في الجانب الأيمن من خط الوسط.

وسط تلك المسيرة لم يكن لوليد سليمان حلم سوى الانتقال للأهلي، لكن أين يذهب وسط الجيل الذهبي الذي يستطيع حسم الدوري في منتصفه، وكيف له وهو بالكاد قد وصل إلى الدوري الممتاز، وبأسلوب الحواة ترك نفسه للمياه تتولى توصيله وكان أول من نظر إليه المدرب مختار مختار الذي ضمه إلى بتروجيت بعد صراع مع الإسماعيلي ووقتها فقط كان استطاع "وليد" أن يقول إنه موجود خاصة أن فريقه الجديد ضمن أقوى الفرق في تلك الفترة.

4 سنوات مرت على وليد سليمان في بتروجيت، سجل في أول مبارياته فكان بشرة خير لكن رغم ذلك لم يفز بأي بطولة، لم يرفع كأس ليحقق ذاته، كل ما يحصده هي إشادات وتجربة تُثقل خبراته أكثر فأكثر، ومع غياب العروض قرر أن يجرب تجربة احترافية في 2009 مع نادي أهلى جدة وبعد عام واحد لم يحقق فيه الكثير عاد لبتروجيت ليسجل هدفه الأقرب إلى قلبه أمام الصفاقسي في بطولة الكونفدرالية الإفريقية وبعدها وبشكل غريب انتقل لإنبي موسم واحد قبل أن تأتي صفقة النادي الأهلي.

في 2011 أمور كثيرة تغيرت، الأهلي يعرف أن جيله الذهبي على وشك الأفول بعد مسيرة غير مسبوقة، ومن ناحية أخرى وليد سليمان أصبح أحد أقوى لاعبين الدوري الممتاز، "عجنته التجارب" وعرف خط الوسط جيدًا وأين يقف وكيف يراوغ، يفعل كل ذلك بهدوء فلا شائعات تطارده، ولا سهرات تتواتر اخبارها، حتى الزواج غير موجود فهوة للكرة وهي له وهذا لاعب مثالي للأهلي الذي يقيم المسيرة الأخلاقية للاعبيه تماما كالمسيرة الكروية.

حين وقف وليد سليمان لأول مرة في ملعب التتش وهو يرتدي قميصه جديد، ربما لم يدر في خلده سوى شيء واحد، أن الحلم تحقق بل وربما بكى للمرة الرابعة بسبب الأهلي لكن تلك المرة بكاء فرح تذكر فيه حين كان طفلًا في تسعينيات القرن الماضي وفاز الأهلي على الزمالك بهدف أيمن شوقي وقت كان الزمالك فريق قويًا، بكى لأن فريقه المفضل فاز، أما الثانية فحين ناداه جمهور الأهلي وهو يرتدي قميص أنبي في إشارة أن مكانه الحقيقي في القلعة الحمراء وهو ما تسبب في بكاءه للمرة الثالثة حين وعده مسؤولي إنبي بانتقاله للأحمر في نهاية 2010 وهو ما جعله يبذل الكثير ثم تأخر الانتقال فأصيب باكتئاب دفعه للتفكير في الانتحار، وبالفعل تعرض لوعكة صحية دخل على إثرها للمستشفى، هكذا لم يكن من الغريب أن يقول وليد سليمان بعد مسيرته في الأهلي "لو لم اكن لاعب أهلاوي لكنت مشجع أهلاوي".

ولأن الجمهور يعشق اللاعب "الراجل في الملعب"، فإن الرجولة جزء لا يتجزأ من حياة ومواقف وليد سليمان الذي اتخذ قراره الفوري بإلغاء مراسم الاحتفال بخطوبته، فور علمه وهو في "الكوشة" بسقوط شهداء في مجزرة استاد الدفاع الجوي، والتي سقط بها 22 مشجعا من ألتراس «وايت نايتس».

لكن "الحاوي" كان يعلم أيضًا إنه في مدرسة "حواتها" كثر، وأن خط الوسط الهجومي يملكه لاعب يسمى "أبو تريكة" وهو "ملك الحواة"، فكان عليه أولًا أن يتشرب المنهج الأهلاوي الذي طالب هو به لاحقًا أن يتم تدريسه للطلاب في المدارس لتعليمهم كيفية الصبر والقتال، كما أدرك وليد سليمان أن ما مضى يشبه عربته الأولى الـ"بيجو" والآن ينتقل لـ"مرسيدس" لا تعرف الرحمة، وإن كان لاعبه المفضل هو "ميسى" فهو في مكان يمكنه أن يُصبح "ميسى آخر"، وهكذا بدأ اللعب وفاز بالبطولات وتكلل بالنجاح حتى الآن وكلما انتهى عقده تم تجديده في هدوء جعله يأسر قلوب الجماهير الأهلاوية قبل الإدارة وزملائه من اللاعبين".

ورغم أن العند إحدى صفاته الأساسية لكنه لم يستطع أن يحقق مسيرة قوية مع المنتخب رغم تمثيله لمصر في عدد من المباريات وكان أحد الأسباب في فوز المنتخب في بعضها، لكن "كوبر" حرمه من اللحاق بكأس العالم كما يؤكد هو.

لم يبقى من مسيرة الحاوي سوى القول أنه يفضل "فيس بوك" ويعشق اللون الأحمر ويكره "الصيف"، أما سبب هدوئه فربما يعود إلى استقراره الزوجي مع شريكة حياته "ياسمين" التي تزوجها في 2015 وسط حفل حضره نجوم الكرة والمجتمع، وأنجنب منها سليم الذي سماه تيمنا بأسطورة الأهلي صالح سليم وكذلك سلمى وهي آخر عنقوده.