الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني يكتب: صرخة حياة

ركن القراء

الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني
الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني


"ماذا فعلت صوت دم أخيك صارخ إلىَّ من الأرض" (تك 4).سؤال طرحُه الله على الإنسانية منذ القدم، فى سؤاله لقايين أين أخوك هابيل؟ وكان رد الإنسان "لا اعلم أحارس  أنا لأخي؟".

يقول الكاردينال الأفريقي "روبرت سارا" : أن هدف وجود الإنسان هو العيش وفقـاً لقوانين الله. إذا فقد الإنسان هذا السبب يتحول مثل سفينة بلا دفة، وسرعان ما سيصطدم بصخور الأنانية واللامبالاة"  من هذا التصادم ترتفع الصرخات.

الصرخة: قد تنبع من التعذيب، والظلم، الاتهامات الباطلة، التزوير، الافتراء وقد تكون صرخة إنسان مريض متألم، فقير، مهمش من المجتمع ومتروك في البيت.

صرخة المهجرين والمطرودين، والذين بلا مأوى. صرخة طفل مُلقى في صناديق القمامة، نتيجة  شر الآخرين. صرخة جنين يُقتل وليس له القدرة على انقاذ نفسه (الإجهاض) يقول جبران خليل جبران " أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة.

وباء فيروس كورونا يؤذي الجسد، وهناك وباء آخر يؤذي القلب، هو الكراهية، والحقد، والبغض، وعدم قبول الآخر، أين أخوك؟ هذا السؤال طرحُه الله ومازال يطرحُه علينا اليوم؟ يطرحُه في ضمائرنا ولم نعطى له الأهمية فى حياتنا اليومية ولكن هدفنا هو السيطرة على الآخرين بكل معانى الكلمة إذ هي الأنانية سياسياً ، اجتماعياً واقتصادياً وشخصياً. 

فى هذا الزمن المعاصر فقد الكثير منا الحس الأخوى والنضوج فى التعامل مع الأخرين بالسلوكيات التى تليق بمجتمع متحضر وبالمبادئ الإنسانية، ماذا فعلت ؟ صوت أخيك صارخ.

سبب هذه الصرخة هو الإنسان الذي ليس له علاقة مع الله تعالى وأيضًا مع الأخرين. مما يفسر النزاع الدائم بين الدول، والأفراد بالمجتمع، ونتائج ذلك مزيد من الأنانية، حب الذات، حب التظاهر، عدم غفران، السيطرة على الأخرين الضعفاء، وعدم احترام قوانين الطبيعة، و تسود ثقافة الحرب والسلاح والعنف. 

 " دم أخيك صارخ إلىَّ" 
 الدم رمز للحياة والحياة مصدرها الله وسيدها، والحياة هى دعوة مجانية من الله للإنسان لكى يبنى  معه الخليقة. الإنسان  ليس له السيطرة على قتل الحياة.

صرخة الدم وهى تدل على أن الحياة مقدسة ومصدرها هو الله القدوس، وكل ما له علاقة بالحياة له علاقة وثيقة مع الله لأنه سيد الحياة الأوحد، لذلك أوصانا فى الوصايا العشر "لا تقتل".

أين أخوك؟ كيف نجاوب على هذا السؤال؟ 
من خلال علاقتى بالله تعالى، وأن اُكون إنسان أعيش معنى الإنسانية . واحترام كرامة الإنسان منذ تكوينه جنيناً في البطن والأسرة هى المسؤله عن حماية الجنين.

اُدعوك أن تعيش حياتك بالمعاملات الإنسانية وهى التى تميز الإنسان عن الكائنات الحية باحترام الإنسان لأخيه لأن الآخر هو عطية الله لنا.

يدعونا  البابا القديس يوحنا بولس الثاني في رسالته كرامة الشخص البشرى يقول: " إن احترام كرامة الشخص البشرى أمر واجب تجاه كل إنسان لأنه يحظى بكرامة خاصة من الله ويتمتع بقيمة خاصة. الإنسان هو مقياس الأشياء والأفعال وان الله هو مقياس الإنسان وعليه أن يعود إلى النبع والأصل أى إلى الله المحب والعطوف والقادر على كل شيء". معاني الإنسانية ليست مجرد كلمة مجاملة تقال للأخرين،  إنما هى تفهم لقدراتهم وكرامتهم. 

"لا تقتل" الكلمة هى كالسيف قد تجرح وقد تقتل أخرين يبقى له أثار إلى مدى الحياة. ويقول لنا الكتاب المقدس" وكل من يبغض أخاه فهو قاتل". 

قدمت الكاتبة/ زكية ابراهيم الحجى في جريدة الجزيرة بالسعودية بتاريخ 1/ 12/ 2017 م . تساؤلات حول المعاملة الإنسانية "هل نحن بحاجة إلى ثورة مفاهيم إنسانية لندرك أننا لنتمي إلى دائرة الإنسان الذى وهبه الله أداة تعمير الأرض؟ . وهل نحن بحاجة إلى ثقافة تستند على المعاني الإيجابية لفن المعاملات الإنسانية؟".

الله يدعونا إلى السلام الحقيقي الذى هو مصدره. فالسلام هو بالتأكيد توق نجاة من الدماء والعنف، لا سلام بدون محبة ولا محبة بدون غفران، أنا أصلى إذا أنا موجود في الحياة، فالصلاة هى الجواب الاسمى للدعوة إلى الوجود. الله يدعونا إلى الحياة وعلينا ان نحافظ عليها وعلى الطبيعة.

الله يدعونا إلى المحبة لكى تنتصر الحياة على الموت. وأختم بكلمات جبران خليل جبران "المحبة لا تعرف عمقها إلا ساعة الفراق، إذا المحبة أتت إليكم فاتبعوها إذا ضمتكم بجناحيها فاطيعوها إذا المحبة خاطبتكم فصدقوها، المحبة تضمكم إلى قلبها كأغمار حنطة" نطلب من الله تعالى ان يعطينا أن نرفع صوت المحبة والغفران والتسامح بدل صوت الدم و العنف.