دكتور خالد صلاح يكتب: عصر الفِتوات

مقالات الرأي

بوابة الفجر


لقد توالت على مصر مراحل وعصور تاريخية مختلفة حملت في طياتها كثير من المظاهر التي كانت مرآة للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت تمر بها مصر.

ولقد كانت ظاهرة الفتوات من تلك المظاهر الاجتماعية التي كانت إنعكاس لبعض الظروف في فترة من الفترات حيث غاب الأمن عن البلاد نتيجة لتعاقب الحكام ووجود فراغ سياسي وأمني في بعض الفترات, الأمر الذي كان من نتاجه ظهور الفتوات كمطلب هام وضروري لحماية الناس من بعضهم البعض وخاصة حماية الضعيف من بطش القوي, وحقناً للدماء وحماية للثروات والأعراض ورد الحقوق لأصحابها.

والفتوات في مصر مثلوا وعبروا عن مرحلة تاريخية من تاريخ مصر حيث نشأت وبدأت في الظهور عندما أنعدم الأمن وغاب النظام عمداً أو سهواً, وكان للفتوات سطوة في كل حي يعيشون فيه وكان لكل منطقة من مناطق مصر فتوة مثل فتوة الجمالية وفتوة الناصرية وفتوة بولاق وفتوات الحسينية, حتى اصبحت عرفاً لكل حي ومنطقة بمصر.

وأمتدت ظاهرة الفتوات إلى مناطق خارج القاهرة حتى وصلت إلى الإسكندرية والتي كان لها فتوة وكان يٌطلق عليه أبو أحمد.

وكان لهؤلاء الفتوات قوة وصولة وكانوا حكومة داخل الحكومة والدولة, حيث كان الفتوة في كل حي يعتبر نفسه مسؤولاً عن الحي الذي يحميه وصاحب الكلمة فيه ولا يصبح فتوة إلا بعد إعتراف أهل الحي به ويجب أن يعترف به شيخ الحارة ويتم بذلك تأكيد مكانته كفتوة للحي الذي يعيش فيه.

 وكان للفتوة رجاله الذين يعينوه على حماية الحارة وحفظ النظام بها مقابل بعض المال لاعاشته هو ورجاله, والفتوة لا يكون فتوة إلا عندما يحقق العدل ويكون عادلاً ويأخذ الحق من الظالم ليعطيه للمظلوم, ويحكم بين الناس ويرد المظالم وكان يخصص يوم لذلك اسمه يوم المظلمة, وبهذه الأعمال كان الفتوة محبوباً من أهل حيه ويدافعون عنه إذا غدر به الزمان أو أنقلب عليه أحد رجاله وصبيته.

وعندما يتغير منهج وسلوك الفتوة, ويكون الذي يحمي الحي ظالم ولا ينصر الحق ويأخذ المال من الضعيف ويبتز الناس ولا يحكم بالعدل ويطمع في أموال الآخرين وفي أعراضهم؛ في هذه الحالة يكون بلطجيًا ويكرهه الناس وعادة كان يموت مقتولاً, وقد ورد ذلك في كتاب تاريخ الفتوات في مصر للمؤلف سيد صديق.

ولقد كان أديبنا الكبير نجيب محفوظ مغرماً بظاهرة الفتوات في مصر وبحياتهم وبسيرتهم الذاتية خاصة أنه من حي الجمالية الذي كان له تاريخ معروف في الفتوات الذين ظهروا فيه, ومن شدة إعجاب نجيب محفوظ بالفتوات فقد كتب روايات كاملة عنهم, فمن ينسى رواية الحرافيش وأولاد حارتنا والشيطان يعظ, وزاد الأمر أكثر من ذلك عندما كتب سيناريو فيلم فتوات الحسينية الذين كان لهم دور بارز في الجهاد ضد الإنجليز.

وقد كتب نجيب محفوظ نهايات سعيدة جعلت القراء يمجدون أبطال روياته مثلما كتب عن أسرة عاشور الناجي وأمجادها وتسلسل الأجداد وبطولاتهم حتى وصل إلى أحفادهم.

وقد ظن أديبنا الكبير بهذه الخاتمة السعيدة أن عصر الفتوات أنتهى ويجب أن نأخذ عبرة وعظة من سيرتهم وحياتهم المليئة بالبطولات وعاقبة الفتوة العادل والنهاية المؤلمة للفتوة الظالم.

ولم يدور بخلد أديبنا الكبير عند كتابته لنهايات روياته عن الفتوات أن عصرنا الحالي سيشهد عصر لفتوات من نوع خاص بعيدين كل البعد من فتوات الحسينية وبولاق والجمالية والإسكندرية وأقرب من أن يكونوا بلطجية ومشابهين لدور عادل أدهم في رواية الشيطان يعظ والظلم والشر الذي أداه حتى أكتسب ممثلنا العظيم عادل أدهم عداوة كبيرة من الجمهور.. في الفيلم بالطبع.

وبلطجية هذا العصر تشابهوا في الأفعال مع الشيطان يعظ واختلفوا في الاسماء, فنراهم الآن الفتوة العم سام والفتوة عذرا والفتوة وليم الكبير الذي كانت الشمس لا تغيب عن ممتلكاته, والقتوة أبولؤلؤة وفتوة حريم السلطان, والأصح بلطجية.

فالفتوات أو البلطجية العم سام ووليم الكبير وعذرا؛ نراهم يصرحون بأقوال غير ما يسرون ويكنون العداوة وتظهر عداوتهم وظلمهم في تواطئهم مع صبيانهم من البلطجية وخاصة البلطجيان أبو لؤلؤة وبلطجي حريم السلطان.

فالبلطجي أبولؤلؤة يطمع منذ زمن بعيد في خيرات الخليج وعداءه المستمر لأهلنا في الخليج ومؤامراته عليهم المستمرة في ذلك سواء كان بنفسه أو أن يطلق اتباعه في تحقيق عداواته ومؤامراته في اليمن وما يصدر عن صبيته الحوثيين في انقلابهم على الشرعية ومهاجمة الحدود السعودية من حين لأخر, وتهديد الامن والسلم في منطقة الخليج.

ولم يكتف أبو لؤلؤة في ذلك بل راح يطلق صبيته في تخريب لبنان والعراق وزعزعة الأمن في باقي بلادنا العربية.
أما بلطجي حريم السلطان فنراه يحلم بارث أجداده الاستعماري في أراضي الدول العربية.

فتارة يهاجم الحدود العراقية ويتوغل في أراضيها لمسافة سبعين كيلو متر وينزل آلياته العسكرية بها ويعتدي كل يوم بطائراته على حدودها.

وتارة يحتل الشمال السوري ويفرض على المواطنين عملته التي سقطت اقتصادياً.

والآن يحاول أن يسيطر على ليبيا ويرسل تكفيريين العالم إليها ويرسل نصف جيشه لكي يستولى على الهلال النفطي راغباً في أن ينهب ثروات ليبيا وخيراتها ليحقق أهداف البلطجية الكبار الذين غضوا الطرف عنهما وجعلوا العالم كله في حالة ثبات عميق لما يقومان به في الأراضي العربية.

وعليه أقول لهولاء البلطجية هيهات هيهات أن تصلوا إلى مرادكم وأهدافكم أنتم ومن وراءكم فما أنتم إلا صبية تساق لتحقيق أهداف أكبر من أهدافكم.

وإذا كان عصر الفتوات الحقيقين أنتهى فلن نسمح لعصر البلطجية أن يبدأ.

وسوف نسطر لعصر فتوات جديد نكتبه بايدينا مدافعين عن عروبتنا وديننا في كل مكان سواء في ليبيا أو لبنان أو العراق أو الخليج.

وسوف نكتب من جديد عودة عصر الفتوات الحقيقين الذين يقهرون الظلم والبلطجية، فلا لعصر البلطجية ونعم لعصرنا نحن الفتوات.