دكتور خالد صلاح يكتب: صمود وغموض

مقالات الرأي

بوابة الفجر


هاتان كلمتان ليس بهما تضاد لغوياً, أوصرفياً, أو نحوياً.

وإنما التضاد في حال أصحاب كل كلمة من الكلمتين السابقتين.

الصمود المشار به هنا هو صمود أبطالنا من ابناءنا وشهداءنا في كل مكان على أرض مصر أو ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن مصر سواء كانوا مدنيين شرفاء لا ينتمون إلا لمصر فقط, أو من الشرطة أو القوات المسلحة.

والغموض هو غموض الفعل من تلك الفئة الضالة الذين سمحوا لأنفسهم أن يكونوا أسنة لرماح أعداءنا وأبواق يصدح بها من لا يريدون بنا وبمصرنا خيراً.

ففئة الصمود هم ابناءنا الذين تركوا وراءهم أباءهم وأمهاتهم وأخوانهم وأخواتهم وزوجاتهم وارتضوا بالتضحية والشهادة في سبيل وطنهم مصر.

وكل واحد منهم له قصة تٌروى وتٌحكى, فمنهم من ترك والد عجوز كان هو عصاه التي يتكأ عليها.

 ومنهم من كان وحيداً لاباه وأمه.

 ومنهم من كان عونا لأخوات فقط. 

ومنهم من ترك زوجته وهي تحمل في أحشاءها أول مولود له وتركه وهو لا يعرف أكان ابناً أم بنتاً.

 ومنهم من ترك طفل أو طفلة لا تعرف شئ غير أنه أو أنها فقدت أباها.

فكل هولاء الأبطال كان متاح لهم الإختيار بأن يختاروا أهلهم وأزواجهم وأبناءهم وبناتهم؛ ولكن أختاروا وطنهم وأن يضحوا من أجله وتراق دمائهم على أرض وطنهم مدافعين عنه وملبين لنداء الواجب واستشهدوا على أرضها وشهدت لهم مصر كلها بذلك إبتداء من حرب 1967, وحرب أكتوبر 1973, وشهداء 25 يناير من غير المنتمين إلى حزب أو من المنتفعين, وإنما خرجوا لرغبتهم في تحسين أوضاعهم المعيشية، وشهداء 30 يونية 2013, من الذين رفضوا أن تُسرق مصر منهم,  وشهداء العمليات الأرهابية التي قامت على أرض مصر من سيناء إلى الواحات إلى معهد الأورام, وجميع العمليات التي راح ضحيتها الأبرياء على يد الخونة من التكفيريين والمرتزقة وكان ورائهم أما حاقد أو مضلل أو منتفع.

فتحية إجلال لشهداءنا من أبناءنا المدنيين غير المنتمين إلا لمصر ومن الشرطة والقوات المسلحة.

أما الغموض فهو المتمثل في أفعال وردود هؤلاء الذين يحملون جنسيتنا وشربوا من نيلها وقويت عظامهم ونمت لحومهم من أرض مصر.

وبالرغم من ذلك يرتمون في أحضان أعداءنا بهدف الحصول على مأوى أو تحصيلاً للليرة والدولار, وسمحوا لأنفسهم أن يهاجموا  بلادهم ويقللوا من انتصاراتها ويفرحوا لانكساراتها ومحنها؛ مبررين في ذلك أنهم معارضين للقادة في مصر ومعارضين للاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وهنا أقول لهم أنتم لستم معارضين لقادتها وإنما أعداء  لنا ولمصرنا.

من يتمنى نصر عدونا علينا فهو عدونا.

من يتمنى أن يقتل ابناءنا في سيناء من القوات المسلحة على يد فئة تكفيرية ضالة؛ فهو عدونا.

من يتمنى أن تهزمنا تركيا ويحاصرنا ويهددنا التكفيريين في ليبيا؛ فهو عدونا.

من يتمنى أن نُحرم من حقنا من نهر النيل وتنتصر أثيوبيا علينا؛ فهو عدونا.

من يشمت في موتانا؛ فهو عدونا.

وإذا كنتم تعارضون النظام مبررين كما تدعون سوء الأوضاع وغياب الحريات.

فاقول لهم:  أين أنتم من الحرية  في الأوطان التي لجأتم إليها وهي لا تعرف عن الحرية شئ وقد استقبلتكم ليس حباً فيكم؛ وإنما نكاية في مصر وأن تكونوا الأسنة للرماح المسمومة التي يطلقوها علينا.

وإذا كنتم تبررون خيانتكم لوطنكم بأنكم غير راضيين على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.

فاقول لهم: أين أنتم من المحتاجين والفقراء الذين يعيشون محرومين من بعض الضروريات وبالرغم من ذلك بحبون وطنهم ويضحون من أجلها بكل ما يملكون, وقد ملاتم بطونكم وتنعمتم بخيرات مصر قديما وحديثاً وأكلتم على موائد جميع الرؤساء والحكام والمسئولين قبل أن تهربوا من مصر.

أين أنتم من المٌعلّم الذي يأخذ راتباً لا يكفيه هو وابناءه, وبالرغم من ذلك يحمد ربه ويعلم التلاميذ في المدارس معنى الوطنية والتضحية وحب الوطن؛ فيخرج على يديه إبراهيم الرفاعي وأبو شقرا ومحمد مبروك ورامي حسنين والمغربي  والشبراوي وأحمد المنسي, فهؤلاء ضحوا بأنفسهم من أجل وطنهم.

أين أنتم من فلاح بسيط أو عامل عادي لا يملك إلا قوت يومه, وعندما تطلبه مصر؛ يضحي بنفسه من أجلها, ويموت وهو يدافع عنها وعن أخوانه حياً وميتاً مثل المجند علي علي في كمين البرث.

فكلنا نتمنى جميعاً قادة وشعباً وما زلنا نتمنى أن نصل إلى ما يرضينا من العيش الكريم وتحسين الأوضاع في كل المجالات تعليمياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً؛ ولكن لا يجعلنا هذا نهرب من وطننا ونهاجمه ونقف مع من يهاجمه, بل نكون سنداً لوطننا وعوننا له في الشدائد في أي وقت يطلبنا فيه وطننا.

لأن هذا وطننا ومنها حيينا وعليها نعيش وإن شاء الله نموت على أرضها وندفن في ترابها.

عاش الشرفاء والشهداء أهل الصمود.
وتَعِس وخاب أهل الغموض