عادل حمودة يكتب: يوم من عمر أحمد زكى بألف عام مما تحسبون

مقالات الرأي



دعوت هيكل لزيارته واتجهنا إلى مستشفى دار الفؤاد فقدم نصائحه إلى أحمد زكى بصفته أصيب بالسرطان فى الكلى والبروستاتا 

هيكل طالبه بالابتعاد عن الناس فى مكان معزول لتلقى العلاج وتفادى الفتاوى الطبية 

رفع مرتبة السرير وأخرج مظروفا يحتوى على خطابات فنانة بادلها مشاعر الحب وطلب نشرها بعد وفاته بخمس سنوات

أسامة الباز أخبرنى أن الرئيس مبارك وضع طائرة نقل عسكرية تحت تصرف أحمد زكى لو أراد السفر للعلاج فى الخارج 

رغدة طالبتنى بالاتصال بوزير الصحة الدكتور عوض تاج الدين ليسمح لمجموعة أطباء من الصين بعلاجه على طريقتهم الخاصة 

حرص على تصوير تجربة علاجه بالطريقة الصينية وترك المستشفى وعاد إلى فندق رمسيس هيلتون حتى لايشعر بالوحدة فى شقة المهندسين 

ماجدة الرومى جاءت لزيارته رغم كل أزماتها واستقبلتها معه فى كافيتريا المستشفى

كان اليوم مليئا بمفاجآت يصعب توقعها ولكنها ساهمت فى رواية سيرة نجم من طراز فريد لن يتكرر.

فى صباح ذلك اليوم استجاب هيكل لدعوتى واتجهنا معا إلى مستشفى دار الفؤاد لنفاجئ أحمد زكى المصاب بسرطان الرئة فى جناحه رقم (2229).

لم يتردد هيكل بصفته مريض سرطان سابق أصيب به فى الكلى والبروستاتا فى تقديم نصائحه إلى أحمد زكى الذى كان مشغولا بالنظر إليه منبهرا غير مصدق أنه يجلس فى حضرته.

طالبه هيكل بالابتعاد عن الناس فى مكان معزول يتلقى فيه العلاج ليتجنب تعدد الفتاوى الطبية ممن يفهم وممن لا يفهم حتى يشفى تماما.

النصيحة نفسها سبق أن سمعها أحمد زكى من الدكتور أسامة الباز الذى أصيب باللوكيميا (سرطان الدم) وكان يعزل نفسه فى إحدى غرف فندق ميريديان القاهرة أثناء علاجه بالكيماوى والتزم ببروتوكول واحد وضعه أطباء مايو كلينك فى مدينة روتشيستر (ولاية مينسوتا) لم ينفذ سواه.

لكن أحمد زكى لم يعمل بالنصيحة وكان يستقبل زواره من الصباح إلى ما بعد منتصف الليل رغم الخوف من تعرضه لعدوى فيروسية أو بكتيرية بسبب ضعف المناعة.

لم يصدق أن سنترال المستشفى توقف عن العمل من ضغط مكالمات الناس التى تسأل عنه داخل وخارج مصر وسدت الطرقات بالزهور وجندت هيئة البريد ثلاثة سعاة لتوصيل الرسائل إليه وامتدت زيارات النجوم إلى ما بعد منتصف الليل.

إن الفتى اليتيم الذى لم ير والده وجد نفسه وسط كنز من العواطف الإنسانية لكنه سألنى : لم تأت الأشياء الثمينة فى غير موعدها ؟.

وابتسم ساخرا وهو يضيف : طوال حياتى وأنا أكره المرض ولا أطيق سيرته ولكن شاء القدر أن يكون سببا لكل الحب الذى يغمرنى.

قبل أن ينصرف هيكل جاءت رغدة لتشكره على زيارته.. كانت رغدة متوارية فى مطبخ الجناح تغسل أوانى الطعام الذى تحضره يوميا إلى أحمد زكى من بيتها لرفع نسبة الحديد فى الدم لمواجهة الآثار السيئة للعلاج بالكيماوى.

إن رعاية رغدة له تجاوزت كل ما يعرفه الأصدقاء من حدود إنسانية حتى أشيع أنها زوجته ولم يكن ذلك صحيحا.

لكن ذلك لم يمنع شعور ممثلات ما بالغيرة من رغدة فرحن ينسجن حولها نميمة وهمية أسوأها أنها منعتهن من زيارة أحمد زكى.

عند انصراف هيكل تلقيت اتصالا هاتفيا من الدكتور أسامة الباز أكد فيه أن الرئيس (مبارك) وضع طائرة نقل عسكرية طراز (سى 130) تحت تصرف أحمد زكى ليل نهار لو شاء السفر للعلاج فى الخارج كما أنه أمر بأن يكون علاجه فى الداخل على نفقة الدولة.

كان مبارك يتابع حالته ويأمل فى شفائه وفى يوم الجرعة الأولى من الكيماوى (وكانت فى الساعة الثالثة ظهرا) اتصل به تليفونيا وكنت فى الجناح أنا ومحمود سلطان الذى كان يجرى فحوصات ما على قلبه فى المستشفى.

وما إن أوصلت هيكل إلى سيارته وعدت إلى الجناح حتى وجدت رغدة تنتظرنى على بابه.. طلبت منى الحصول على موافقة وزير الصحة الدكتور عوض تاج الدين ليسمح لمجموعة أطباء من الصين لعلاج أحمد زكى بطريقتهم الخاصة.

كان صاحب الفكرة هانى يان وهو صينى مصرى تخرج فى معهد السينما ولكنه فضل كسب العيش من المطاعم الصينية التى تمتلكها عائلته.

لم يتردد الدكتور عوض تاج الدين فى الموافقة بل أكثر من ذلك أعفى الأطباء الصينيين من رسوم العمل فى مصر فلم يشأ أن يترك فرصة لعلاج أحمد زكى دون استغلالها رغم أنه كان متأكدا أنه سيرحل عن دنيانا بعد نحو العام من اكتشاف السرطان بل لم يكن متحمسا للعلاج الكيماوى ويرى أنه سيؤلمه ويزيد من جلطات الدم فى جسمه ولكنه لم يكن ليحرمه من الأمل فى استرداد صحته.

حرص أحمد زكى على تصوير لحظات علاجه بالطريقة الصينية بل حرص على أن يتحدث عن مرضه أمام كاميرات التليفزيون المصرى معلنا أنه سيتحدى السرطان وسيهزمه ولكن ما إن بدأ العلاج بالكيماوى حتى تكاثرت الجلطات على أوعيته الدموية فلم يعد يحتمل ألم النفس قبل ألم الجسم.

وفجأة ودون مقدمات ترك المستشفى وعاد إلى فندق هيلتون رمسيس الذى كان يفضل الإقامة فيه.

كان يمتلك شقة فى حى المهندسين ولكنه أراد ونسة فى حياته فتركها مغلقة وعاش فى الفندق متحملا فواتير عالية دفعه سدادها للعمل فى أكثر من فيلم معا وبعضها لم يكن راضيا عنه.

يومها لحقت به لإقناعه بالعودة إلى المستشفى لمواصلة العلاج ولكنه طلب أن نسجل حوارا معا فلم أمانع وقام ليحضر جهاز تسجيل أصر على أن أحمله معى تذكارا منه.

لم أضع الوقت فى السؤال عن أعماله فأنا أعرف تفاصيلها وظروفها بحكم علاقتنا الممتدة منذ أيام البوهيمية فى وسط القاهرة ونحن نحلم بمستقبل يضعنا فى المقدمة.. سألته عما أخفاه عنى من حياته العاطفية.

أجاب : عرفت نجمات اقتربن منى.. تصورت أننى أحبهن.. لكننى.. فى الحقيقة كنت أحب حبهن.. أحب الحالة التى أجد نفسى فيها.. إلا واحدة أحببتها وأحبتنى.. لم نبخل على بعضنا البعض بشىء.. ولكن.. لم أغفر لها ماضيها.. ظللت أشك فيها حتى ابتعدت عنها.. لم تتردد فى أن ترسل لى خطابا يوميا.. لكننى لم اقرأها.

وقطع كلامه وهب من مكانه ورفع مرتبة السرير وجاء بمظروف كبير منتفخا بأوراق وضعه أمامى قائلا:

ــ تفضل هنا خطاباتها لم أقرأها احتفظ بها خمس سنوات بعد وفاتى انشرها.. خمس سنوات سينسانى الناس بعدها.

لكن فيما بعد مرت سنوات وسنوات ولم ينس أحد أحمد زكى بل على العكس بدا أكثر حضورا بمرور الزمن فلم أجد مبررا لنشر الخطابات بل إننى لم أفتحها وإن كنت أسرح فى بطلتها كلما وجدت صورتها فى فيلم أو مسلسل أو صحيفة.

حكمت علاقة أحمد زكى بأمه على علاقته بالمرأة.. بسبب ظروف المعيشة الصعبة تزوجت أمه وتركته ليتربى بعيدا عنها فلم يغفر لها.. وامتدت الحالة لكل ما عرف من نساء.. غيرة شديدة.. فقدان ثقة.. وتوقع بالهجر يدفعه للمبادرة بالهجر.

عاش يوسف إدريس الحالة نفسها بعد وفاة والده وزواج أمه ولكن زوجته رجاء نجحت فى استيعابه كما أنه عبر عن معاناته فى قصصه القصيرة حيث اعتبر الأم الملاذ من صفعات الدنيا ولكن ما العمل إذا كانت الصفعة من الأم ذاتها؟.

فيما بعد عندما أصبحت أيام أحمد زكى معدودة جاءت أمه إلى المستشفى وكان علىَّ إقناعه بقبولها فى ذلك الوقت الحرج من حياته وأمام تعنته قلت له:

ــ أحمد لم يبق لك كثيرا فى الدنيا وفرصتك الوحيدة للتخفيف من ذنوبك أن تصلى لك أمك.

وانهمرت دموعى وعجزت عن استكمال كلماتى وحمدت الله على أن أمه دخلت فى تلك اللحظة واحتضنته وراحت تصلى وتدعو له.

كان أحمد زكى قد عاد إلى المستشفى من الفندق بسيارة إسعاف بعد أن تكاثرت الجلطات عليه وإن لم يمنع الأطباء خروجه لبعض الوقت لرفع معنوياته.

وكثيرا ما رحنا هو ورغدة وأنا لتناول الطعام الهندى فى فندق ميناهاوس جلوسا بالقرب من حمام السباحة حتى يظهر القمر متوجا هرم خوفو بهالة فضية.

على أن ذلك المشهد الرومانسى لم يمنعه من الحديث عن الألم النفسى الذى سببه له كثير من الممثلين فى حياته الفنية خاصة فى بدايتها.

لم يكف سعيد صالح وعادل إمام عن التباهى بأموالهما فى وقت كان فيه أحمد زكى لا يقدر على دفع إيجار حجرته فى البنسيون المتواضع.

كان الثلاثة يقدمون مسرحية مدرسة المشاغبين ولكن منتجها سمير خفاجى كان يميز عادل إمام وسعيد صالح عن أحمد زكى فى المعاملة إلى حد أنه كان يحمل لهما من بيروت ملابس سينيه بينما يلقى فى حجر أحمد زكى بملابس متواضعه من سوق شعبية.

وعندما وضعت الدولة نجوم الفن على موائد نجوم السياسة فى مناسبات عامة وخاصة لم ينل أحمد زكى من زملائه الكبار معاملة أفضل والمؤكد أن الغيرة الفنية السبب فأعمال أحمد زكى لها مكانة خاصة وموهبته اعترف بها عمر الشريف قائلا: لو كان أحمد زكى يجيد الإنجليزية لأصبح نجما عالميا يفوقنا جميعًا شهرة وثروة.

ولو كان ذلك اليوم بدأ بهيكل فإنه انتهى بماجدة الرومى.

نزلت مع أحمد زكى إلى كافيتريا المستشفى لاستقبالها ولكننى ما إن رأيتها حتى صدمت.. كانت باهتة شاحبة حتى إننى رغم صلتى الوثيقة بها لم أعرفها.

كانت تعانى من جراح سببها ما فعل زوجها بها وبأموالها وبأسرتها ولكنها أصرت على أن تطمئن على أحمد زكى فى هدوء ثم تعود إلى بيروت.

وطلب أحمد زكى منى الاحتفاظ بالسر ولم أبح به إلا بعد أن وافقت ماجدة الرومى.

هذا يوم واحد فى حياة أحمد زكى بكل تداعياته فما بالنا بحياته كلها.

يوم يحتاج مسلسلا فكم مسلسلا تحتاجه حياته؟.

والأهم هل هناك من يعرفها؟.

والأكثر أهمية من يقدر على إقناعنا بها؟.