عبدالحفيظ سعد يكتب: اختطاف تونس الخضراء لصالح التنظيم الأردوغانى

مقالات الرأي



النهضة تؤمم موقف البلاد لصالح تركيا فى ليبيا

يثير موقف تونس الخضراء فى التعامل مع التدخلات التركية والتى تستهدف السيطرة على ليبيا وخيراتها وبسط نفوذها على شمال إفريقيا، عدة علامات استفهام، وذلك على الرغم من وجود حركة النهضة الإخوانية على رأس السلطة، وتحريكها للتحالف الحكومى، والذى تتشكل منه الحكومة حاليا.

علامات الريبة تظهر فى ظل التماهى فى المواقف بين الحكومة التونسية والمواقف التركية، بشأن ليبيا، وذلك على الرغم من حركة الاحتجاجات التى تقودها الأحزاب الليبيرالية والقومية ضد تلك التحركات، لكن يبدو أن حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشى تسير بالبلاد نحو ما يحقق أغراض تنظيمه الأم الإخوان، والعمل على تنفيذ استراتيجيته والتى تحركها تركيا فى خدمة أغراضها.

ويعد ما تقوم به النهضة محاولة لاختطاف تونس بعد أن كانت تحتل البلد الخضراء وضعا عربيا خاصا سواء ثقافيا وحضاريا حتى قبل ثورات الربيع العربى، فهذا البلد العربى، والذى لعبت الإصلاحات التى قام بها رئيسها الأسبق الحبيب بورقيبة، دورا مهما فى أن تدخل تونس فى مصاف الدول المتقدمة، سواء فى تمتعها بمستوى تعليمى وثقافى مختلف، قائم على التعدد وقبول الآخر، مما يؤهلها أن تكون دولة مدنية حقيقية.

صحيح أن ما حدث فى تونس فى فترة حكم رئيسها المخلوع على زين العابدين، والذى جاء للحكم عقب وفاة الحبيب بورقيبة، دفع تونس للتأخر كثيرا فى تطورها السياسى، خاصة أنه رغم استمرار اهتمام بن على بالعملية التعليمية وتحديث تونس، لكن عجز عن تحقيق معادلة الإصلاح السياسى، بالإضافة للفساد والذى ضرب فى المؤسسات التونسية، مما مهد الطريق لثورة الياسمين، والتى أطاحت بـ«بن على» من الحكم بعد صرخة بوعزيزى فى سيدى بوزيد.

1- القفز على المدنية

لذلك كان مسار الثورة فى تونس مختلفا، باعتبار أن تونس من أكثر البلدان العربية تهيئة لعملية تحول ديمقراطى نتيجة ارتفاع نسبة التعليم فيها والثقافة العامة والقدرة على التعامل مع الآخر، وكلها عوامل تسهم بلا شك فى عملية تحول ديمقراطى حقيقى، وبالفعل دخلت تونس عملية التغيير بعد نظام بن على بطريقة سلسة، حتى الأحزاب والقوى المتطرفة فيها مثل حركة النهضة والتابعة لتنظيم الإخوان، اتخذت شكلا مختلفا، فى بدايتها وعدم تصديها لقضايا خلافية، حول حقوق المرأة أو الحياة الخاصة، خاصة فى دولة تعد السياحة أحد أهم مصادر الدخل فيها.

لكن يظهر أن عدم قدرة الإخوان وحلفائهم من المتعصبين فى تونس، على ضرب فكرة الدولة المدنية، ومكتسبات الحرية، خاصة حقوق المرأة، دفعهم فى اتجاه آخر، وهو العمل على اختطاف تونس سياسيا لما يخدم أهداف التنظيم والذى يتحرك من إسطنبول، وصار هناك ما يعرف بأخونة المواقف التونسية السياسية، وهو ما ظهر جليا فى التعامل مع ملف ليبيا والتى تجمعها مع تونس حدودها الغربية.

والغريب أن نجد أن تحركات النهضة الإخوانى فى تونس لا تخجل فى إعلان تماهيها التام فى السير فى الركاب التركى، باعتبارهما حلفاء، وذلك بداية من إعلان راشد الغنوشى رئيس البرلمان، مباركته لتقدم ميليشيات حكومة الوفاق فى المعارك القتالية، وصولا لسفره لتركيا للاستشارة فى التحرك فى ليبيا، والتى تصل لحد محاولة التأثير على موقف الدولة التونسية والجيش التونسى لفتح الحدود بشكل مباشر ودخول تونس فى صالح حكومة الوفاق، وهى الحكومة التى يسيطر عليها ويحركها تنظيم الإخوان.

ونجد أن الخطط التركية فى تأميم القرار التونسى، لم تكن وليدة التطورات الأخيرة فى ليبيا، بل هناك خطط تركية للسيطرة على قرار الجيش التونسى، خاصة أنه رغم نفوذ حركة النهضة الإخوانية وشبه سيطرتها على الحكومة، إلا أن منصب وزير الدفاع ووزير الخارجية لا يتم اختياره، إلا بموافقة رئيس الجمهورية طبقا المادة «89» من الدستور التونسى.

ومن هنا كانت الخطط التركية تسعى للسيطرة على منصب الرئيس التونسى، عبر حزب النهضة بعد أن قدمت الحركة مرشحا لها فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومع فشل مرشح النهضة عبدالفتاح مورا فى الفوز فى الانتخابات، تغيرت التكتيكات للنهضة، ولم تتغير الاستراتيجية، فى العمل على السيطرة على مؤسسة الرئاسة والجيش، من خلال التقرب من الرئيس قيس سعيد، بعد دعمه فى الجولة الثانية للانتخابات على أمل السيطرة عليه بعد وصوله للرئاسة، للعمل على ضمان وجود قائد للجيش تابع لها.

كما غيرت حركة النهضة فى تحالفاتها السياسية بما يمكنها من السيطرة على رئاسة البرلمان، بعد دخولها فى تحالف مع حزب «نداء تونس» برئاسة نبيل القروى، وذلك على الرغم من الخلافات الشديدة بينهما فى السابق، ويبدو أن هناك صفقة عقدت بين النهضة والقروى، لدخوله فى التحالف معها ، مقابل عدم فتح ملف الفساد المالى والذى حبس بسببه قبل الانتخابات الرئاسية والتى حل فيها وصيفا.

2- تصفية القوى المدنية

لكن يبدو أن مصالح النهضة الموجهة من تركيا والإخوان جعلت التنظيم يتغاضى عن العداء مع نبيل القروى، حتى يتفرغ لضرب الأحزاب الليبرالية واليسارية، وعلى رأسهم عبير موسى، والتى تقف ضد خطط النهضة التدخل التركى فى توجيه القرار التونسى، وتسخيره لخدمة أهداف أردوغان، ومطامعه التوسعية فى شمال إفريقيا بعد فشل محاولة سيطرته على شمال سوريا.

ورغم تخوفات القوى السياسية المعارضة فى تونس من تحركات النهضة وتدعيم الميليشيات فى ليبيا، والتى غالبيتها تحمل إيديولوجية متطرفة، باعتبار أن ذلك يضر تونس، لإمكانية نقل خطر الإرهاب إليها كما حدث مع سوريا، ووجد أن عددًا كبيرًا من التونسيين كان ضمن تنظيم داعش فى سوريا، بعد تفكك التنظيم، بدأوا يتحولون لخطر ضدها عقب عودتهم لبلدهم، وهو ما دلت عليه عدة عمليات إرهابية نفذت فى تونس كان وراءها عناصر من داعش سافرت لسوريا والعراق، نتيجة التشجيع على سفرها للمشاركة فى القتال فى سوريا عقب سيطرة حركة النهضة على الحكومة عقب سقوط نظام بن على.

وتأتى تخوفات القوى المدنية التونسية من إدخال بلدهم طرفا غير محايد لصالح المجموعات المدعومة تركيا فى ليبيا، مما يفقدها علاقاتها بباقى مكونات الشعب الليبى، ويضعها فى طور الانحياز للصراع فى ليبيا لصالح مجموعات تضم ميليشيات إرهابية، كما يمهد ذلك إلى مزيد من التوغل الإخوانى على القرار التونسى السياسى، والذى لن يقف فقط عند الحدود السياسية، بل سيمتد أيضا للسيطرة على الخطاب الثقافى والاجتماعى فى تونس والذى كان يميزها عن باقى البلاد العربية، نتيجة قطعها شوطا كبيرا فى الحياة المدنية، لكن ذلك لن يرضى الإخوان مستقبلا، لأنه يعد العائق أمام سيطرته على تونس الخضرة المتحضرة.