عبده الزرّاع يكتب: نادر أبو الفتوح.. وعوالمه الثرية للأطفال!

الفجر الفني

عبده الزرّاع
عبده الزرّاع


مرت الذكرى الحادية عشر على رحيل كاتب الأطفال الكبير نادر أبو الفتوح فى هدوء شديد دون أن يتذكره أحد، والذى رحل عن دنيانا صيف 2009، ويوم رحيله كنت فى مدينة رأس البر بدمياط فى زيارة لمنزل الصديق سمير الفيل، الذى دعانى لتناول الغداء، فقد كنت موفدا من قبل إدارة الثقافة العامة بهيئة قصور الثقافة كباحث ورئيس مجموعة دمياط لجمع مواد فلكلورية فى مشروع "وصف مصر الآن" التى تبنته–وقتها- الهيئة، تلقيت خبر وفاته عبر محادثة تليفونية من رسامة الأطفال رشا منير، صدمنى الخبر وحزنت حزنا شديدا وكدت لا أصدق، فقد كان معنا قبلها بأيام قليلة مشاركا بإحدى ندوات شعبة أدب الأطفال باتحاد الكتاب بالزمالك، وكان -رحمه الله- فى آخر لقاءاته يبدو أكثر حمساً وحيوية وإقبالا على الحياة.

 

يا ولاد يا ولاد

 

حينما كنت طفلا صغيراً بقريتي النائية بشمال دلتا مصر بكفر الشيخ، تلك القرية التى كانت لا تعرف من وسائل الترفيه فى ذلك الوقت سوى الراديو، وكنت مداوما على سماع برنامج "غنوه وحدوتة" الذى كان يبهرنا نحن الصغار بأغنيته الخفيفة الجميلة التى كانت تقول على ما أذكر: "ياولاد.. ياولاد.. قولوا معانا.. هتغني لنا وهتحكي لنا.. أبله فضيلة.. أبله أبله.. أبله فضيلة" والتى كانت هى الأخرى أعني "أبله فضيلة" تبهرنا بصوتها الساحر، وقدرتها الفائقة على الحكى بأسلوب مشوق وجذاب.. ظللت أستمع إلى هذا البرنامج وبرامج أخرى مثل برنامجي "للصغار فقط"، "عالم أطفال" سنوات وسنوات من العمر، وأنا لا أعرف من يكتب هذه البرامج الرائعة والمسلية والمثقفة على الرغم من ذكر اسمه، وكنت أتصور أن الذى يكتب ويحكى هى أبله فضيلة، فالطفل فى المراحل الأولى من عمره لا يهتم بمن يكتب الحكايات التى يستمع إليها، ولا يعنيه أيضا مؤلف القصص المنشورة فى كتب، إلا بعد أن يغادر مرحلة الطفولة.

 

فى مرحلة المراهقة بدأت تتسع مداركي وتتنوع قراءاتي، وقتها عرفت أن كاتب هذه الحلقات البديعة التى أمتعتنا سنوات وسنوات هو الكاتب نادر أبو الفتوح، ولم أكن أتوقع أو يدر بخلدي فى يوم من الأيام أن أكون صديقاً له، فهو الذى نذر جل عمره لكتابة الأطفال.

 

أول لقاء

 

كان أول لقاء جمعنى به فى صيف عام 2003 حينما تولي الفنان عبد الرحمن نور الدين، رئاسة تحرير مجلة قطر الندى، وكلفه وقتها بكتابة باب ثابت للمجلة، واستجاب على الفور، وبعدها بيوم أو اثنين أتى إلى مقر المجلة حاملاً بعض الحلقات التى كتبها للباب الذى أسماه "كلام عيال" ورشح الفنانة ريم هيبة لرسمه، وكان بابا جديداً فى مضمونه على صحافة الطفل، تعرفت عليه فى تلك الأثناء، وظلت تربطنا علاقة حب واحترام وتقدير، جرت فى النهر مياه كثيرة.. ولم يبق الحال على ما هو عليه، فقد حدث أن اختلفت مع الراحل ذات يوم فى إحدى الندوات التى أقامتها شعبة أدب الأطفال باتحاد الكتاب، وتوترت العلاقة بيني وبينه لأكثر من عامين، إلى أن جاء فى زيارة إلى مجلة قطر الندى التى كنت أدير تحريرها، لاستئناف بابه "كلام عيال" الذى كان قد توقف قبلها بفترة،  وعندما دخل المجلة ورأنى أجلس فى حجرة رئيس التحرير أقبل نحوى وهو يبتسم، وسلم على بحرارة متأسفا عما بدر منه تجاهي فى الاتحاد، وقتها خجلت من نفسي، وتمنيت لو كنت أنا الذى قد بدأت الصلح.. وظلت علاقتنا طيبة إلى أن علمت بخبر وفاته.. وقلت بيني وبين نفسي لعله كان يشعر بدنو أجله فأراد أن يتصالح مع الدنيا، ليقابل وجه كريم، وهو خالي الوفاض إلا من تاريخه المشرف وإبداعاته الثرية التى علمت وربت أجيالا متعاقبة من الأطفال، وأثرت مخيلتهم الإبداعية  ولا زالت حتى الآن.

 

رحم الله العم نادر أبو الفتوح وأسكنه فسيح جناته.. الذى رحل عن عمر يناهز الرابعة والسبعين، فهو من مواليد المنصورة عام 1935، وتدرج فى التعليم حتى حصل على ليسانس الآداب قسم صحافة من جامعة القاهرة عام 1964، وتدرج فى المناصب حتى رأس قسم الصحافة بالمجلس الأعلى لرعاية الشباب، وأشرف على البرامج الاجتماعية بتليفزيون دبي، وشارك فى العديد من المؤتمرات والندوات التى أقيمت عن الطفل منذ عام 1968 وحتى رحيله، وقد كرس حياته الإبداعية فى الكتابة الإذاعية والتليفزيونية للأطفال بدأها عام 1964 ببرنامج "للصغار فقط" بإذاعة الشرق الأوسط، وتبعه ببرنامج "غنوة وحدوتة" وبرنامج "فانتستيكا" والعديد من الأعمال التليفزيونية للأطفال مثل: عروسة المولد، مشمش وعرفان، بيب بوم، صاحب السعادة الطفل، على ورق الفل، ألوان، سبع سبعات، قشة فى عشة.. وغيرها الكثير، وقد حاز العديد من الجوائز فى مسابقة الإذاعة والتليفزيون، وحاز جائزة الدولة التشجيعية فى الآداب.