منال لاشين تكتب: نجوم الصحافة فى سماء أم كلثوم

مقالات الرأي



أهدت التابعى منديلها فى قصة غرام عابر

قالت لهيكل: روح أنت يا محمد بعد الوصلة الأولى

واجهت الموت مع رجاء النقاش على متن طائرة.. والحماس لفلسطين جمع بينها وبين أحمد بهاء الدين فى صداقة ممتدة

كان صوت أم كلثوم مدينة لكن لهذه المدينة سحر ليالى القاهرة ورقى باريس، وسهرات بيروت، عبق دمشق الشام، وروحانية مكة المكرمة، ولكن ستظل بعض شوارع هذه المدينة خافية، إنها الشوارع الخلفية فى حياة أم كلثوم، فرغم عشرات الكتب التى تناولت سيرتها، ورغم مئات بل آلاف المقالات التى كتبت عنها، رغم هذا وذاك إلا أن بعض أسرارها تتسلل من حين إلى آخر كاشفا عن دقة قلب هنا أو علاقة صداقة هناك، لقد أفادت علاقات أم كلثوم القوية والعميقة بكبار الكتاب فى إغلاق بئر أسرارها دون أن يسعى أحدهم للبوح بأسرار ثومة حتى بعد وفاتها، قابلت وتعلمت على يد بعض أصدقاء الست وهم من كبار الكتاب، وحاولت أن أعرف بعض الخفايا عن حياتها، ولكنهم لم ولن يخضعوا لغواية الصحافة، فيبدو أن قوة وعمق الصداقة والاحترام لأم كلثوم غلب على هوى المهنة وغوايتها.

ومع ذلك لم أيأس وظللت أبحث فى الشوارع الخلفية لسيرتها مع الجيل الثانى من تلامذة وأبناء أصدقاء الست من كبار الكتاب، علاقاتها بأحمد بهاء الدين وهيكل والتابعى وفتحى غانم وبالطبع مصطفى أمين ومن الجيل الثانى محمود عوض ورجاء النقاش.

1- غرام عابر

طوال حياة أم كلثوم بعد الشهرة وحتى بعد وفاتها، كانت هناك شكوك تحيط بعلاقة عاطفية ربطت بين ثومة ومصطفى أمين، حتى نفى الأخير نفسه لم يكن قادرا على نزع فكرة العواطف التى ربطت بينهما، فمن البديهى لأى رجل جنتلمان أن يحرص على إخفاء الزواج أو الحب التى حرصت الطرف الآخر على نفيه، ولكن أمين نفسه يعترف أنه عرف أم كلثوم بصورة لم يعرفها أحد، ولذلك كانت المفاجأة أن يكشف الستار عن علاقة غرام عابرة بين ثومة وأستاذ مصطفى أمين وهو الكاتب الكبير محمد التابعى الملقب بأمير الصحافة، التابعى لا يعرفه الكثيرون الآن إلا من خلال قصة حبه الكبرى للمطربة اسمهان، ولكن دونجوان الصحافة ارتبط لفترة بقصة حب مع ثومة، وظلت القصة فى الخفاء حتى مات الاثنان، فقد قامت زوجته هدى التابعى بتسليم الكاتب الصحفى الراحل محمود صلاح ظرفا ينبض بقصة حب وعشق لم تكتمل وتحولت إلى علاقة صداقة أسرية.

فى المظروف قصاصة من الشعر ومنديل لأم كلثوم، وخطابات مرسلة من التابعى لثومة ورد منها فى صورة برقية، وعلى المظروف كتب التابعى كلمة واحدة هى أم كلثوم، وكان أمير الصحافة فى رحلة لإيطاليا وبالتحديد إلى ميلانو فى عام 1936.

وتحمل كلمات الخطاب دليلا دامغا على قصة الحب العابرة، يقول التابعى فى خطابه: (لست أطمع فى أن يبعث مرأى هذا الخطاب الدم إلى خديك، أو يزيد من سرعة دقات قلبك، أو أن يعقد لسانك لحظة أو لحظتين، أو أن تقرأيه وراء أبواب مغلقة وأنت غارقة فى بحر الذكريات).

وخلافا لكلمات العشق الساخنة للتابعى، ترد أم كلثوم على خطاب الغرام ببرقية عادية تخلو من أى إشارة للحب، وربما يرجع هذا لطبيعة أم كلثوم المحافظة، بينما يرى بعض المهتمين بسيرتها أن الحب من طرف التابعى فقط، لم يعجبنى هذا التحليل، فقد أهدته ثومة منديلها، وإهداء المنديل كان من تقاليد المحبين فى ذلك الوقت، فأمير الصحافة جمع بين غرام ثومة وأسهمان، ويبدو أن أم كلثوم لم تصده ولم تشجعه، فتحولت عاطفة العشق إلى صداقة شخصية وأسرية، فقد كانت ثومة وزوجة التابعى صديقتين، كما أن التابعى أصبح من المدافعين عن ثومة أو كتيبتها فى الصحافة.

2- محامى العرب

بينما كان مصطفى أمين الصديق الأقرب لثومة فى السجن توطدت الصداقة بين ثومة واثنين من كبار الكتاب فى مصر والوطن العربى، الراحلين الكبيرين أحمد بهاء الدين ومحمد حسنين هيكل، ولكن هذه الصداقة لم ترق فى قوتها إلى صداقتها مع مصطفى أمين والتى استمرت رغم سجنه سواء به أو بأسرته، كان أحمد بهاء الدين ضيفا وصديقا عزيزا فى جلسات صالون منزلها يتحدث فى السياسة خاصة السياسة العربية، فلاشك أن الإيمان القوى والعميق بالقضية الفلطسينية وبالعروبة جمع بين ثومة وبهاء، ولاشك أنها استفادت كثيرا من صداقتها ببهاء، فأحمد بهاء الدين هو أكبر وأهم كاتب مصرى اهتم بالعرب وكان أهم سفير للقضية الفلسطينية، وكان أكبر الكتاب تحمسا للوحدة العربية، وقد كان السادات يطلق عليه اسم محامى العرب.

وكانت جلسات ثومة وبهاء تجمع أيضا الكاتب والروائى الكبير فتحى غانم والكاتب رجاء النقاش، والأخير تقرب منها كثيرا وألف عنها كتاباً، وكاد النقاش أن يلقى حتفه هو وثومة خلال رحلتها لليبيا، فقد حدثت مشكلة فى الطائرة مع المطبات الهوائية وظل الاثنان ينتظران الموت لمدة نصف ساعة، وقد شهد رجاء النقاش على قوة وهدوء أعصاب أم كلثوم فى مواجهة شبح الموت.

3- أيام مع هيكل

الكاتب الراحل هيكل هو الآخر ممن حافظوا على أسرار فى حياة الست حتى بعد وفاتها، وقد أصر هيكل على حذف بعض الحكايات عن ثومة التى حكاها للكاتب الكبير يوسف القعيد من بروفة كتاب القعيد عن الأستاذ هيكل، واعتبر القعيد كلام هيكل يرقى إلى الوصية الواجب اتباعها، فالتزم الصمت هو الآخر، علاقة ثومة بهيكل كانت صداقة واحتراماً من جانب الاثنين، فقد كانت أم كلثوم تعرف أن هيكل لا يستطيع تحمل الجلوس فى حفلة لعدة ساعات، وفى مرة يتيمة ذهب هيكل وزوجته السيدة هدايت إلى حفل لثومة، وبعد انتهاء الوصلة الأولى ذهب هيكل وزوجته لغرفة ثومة للسلام عليها، فقالت له أم كلثوم: امشى يامحمد أنا عارفة إنك مش هتقدر تكمل الحفلة، وذلك لترفع عنه الحرج.

وعندما مرض ابن هيكل أحمد ودخل مستشفى الكاتب لإجراء عملية الزائدة زارته أم كلثوم، وحكى لى أحمد أنه كان يعامل بعد زيارتها له كنجم.

ولكن بحسب أكثر من صديق مقرب من الراحل هيكل فإن علاقة الصداقة بين هيكل وثومة لم تأخذ شكلاً عائلياً، إلا من خلال أصدقاء مشتركين بين أسرة هيكل وثومة، وقد أجرت ثومة حوارا صحفيا مع هيكل فى الصحافة، كما أجرت حواراً إذاعيا مع إحسان عبدالقدوس، فإن أم كلثوم كانت تهوى لعبة تبادل الأدوار، ولذلك لعبت دور الصحفية المحاورة لكل من هيكل وإحسان. وكان هيكل ينفرد بالرأى بأن علاقة أم كلثوم بالتابعى كانت أقوى من علاقتها بمصطفى أمين، ولكننا يجب أن نأخذ هذه الآراء فى إطار ما عرف من منافسة بين هيكل ومصطفى أمين فى مجال المهنة، ولكن ورغم هذا التحفظ فقد كان لدى هيكل أو أبنائه الفرصة للكشف عن بعض التفاصيل بين ثومة والتابعى، لأن شريفة التابعى ابنة الكاتب الكبير الراحل سلمت الأستاذ هيكل ملفات عديدة من أوراق والدها الكاتب الكبير، وقد كانت هذه الأوراق موجودة فى مكتبة الكاتب الكبير بعزبته ببرقاش، والتى قام الإخوان بحرقها، ولا أعلم إذا كانت هذه الأوراق أو بالأحرى الأسرار قد نجت من الحريق أم لا.