د. نصار عبدالله يكتب: متى ستنحسر الكورونا؟

مقالات الرأي




إذا تأملنا سلوك الأوبئة التى كثيرا ما أصابت الجنس البشرى على مدى التاريخ، فإننا يمكن أن نخرج بنتيجة مؤداها أنه بوسعنا أن ننظر إلى الوباء أى وباء وبغض النظر عن مسبباته سواء كانت بكتيرية أوفيروسية أو فطرية أو غير ذلك من الكائنات الدقيقة الممرضة، بوسعنا أن ننظر إلى الوباء ككل باعتباره كائنا فى حد ذاته، يمر بما يمر به الكائن الحى أى كائن حى من مراحل متميزة تتمثل فى مرحلة النمو، ثم مرحلة النضج والعنفوان التى يصل فيها إلى نقطة الذروة، ثم يبدأ بعد ذلك فى المرور بمرحلة الشيخوخة والضعف، وبعدها يصل إلى مرحلة الهمود!، ومهما حاول الإنسان أن يقاوم الوباء فإن الوباء لايستسلم للمقاومة، بل إنه يواجهها دائما بما يمكن أن نطلق عليه: «مقاومة المقاومة!» حيث تعمد مكوناته أحيانا إلى تغيير جيناتها كيلا تتأثر بما قد يستخدمه الإنسان من مضادات، أو قد يعمد المسبب إلى إحاطة نفسه بغلاف واق جاهز للذوبان ثم العودة إلى النشاط بمجرد الشعور باضمحلال أو بزوال الخطر الخارجى (الذى هو من صنع الإنسان).. صحيح أن مقاومة الإنسان للوباء كثيرا ما تنجح فى تغيير تفاصيل السيناريو أو على الأقل فى إبطاء إيقاعه لكنها لا تنجح قط فى إلغاء الصورة العامة للمشهد والتى تتمثل كما ذكرنا فى مرحلة من النمو يعقبها مرحلة من الشدة والعنفوان التى تصل عند نقطة معينة إلى الذروة وبعدها يبدأ الانحسار الذى يصل فى النهاية إلى التلاشى، والتلاشى المقصود هنا هو التلاشى الذى ينصب على ما هو فوق السطح إذ يبقى دائما شىء ما تحت الرماد يتحين الفرصة للعودة، ولو بعد عقود عديدة، لكى يبدأ الوباء من جديد فى النمو والانتشار وإهلاك من يستطيع إهلاكهم من البشر قبل أن يخبو وينطفئ.. وفى جميع الحالات لا تختلف النتيجة النهائية كثيرا، سواء اتبع البشر استراتيجية الحظر والحجر الصحى والتضييق على حرية الحركة والتنقل للأفراد والسلع ورؤوس الأموال، أو اتبع البشر استراتيجية حرية الحركة مع استخدام معدات الوقاية والتطهير وعقاقير العلاج وقت اللزوم، وإذا كان لنا أن نستشهد بمثال تاريخى يؤكد المقولة السابقة فإننا نستشهد بما عمدت إليه بعض الولايات الأمريكية فى مواجهتها لوباء الأنفلونزا الإسبانية عام 1918 حين اعتمدت تلك الولايات ومن بينها كاليفورنيا استراتيجية الحرية والانفتاح فى حين اعتمدت ولايات أخرى مثل سانت لويس لاستراتيجية الحظر والتقييد، وفى بداية الأمر كانت معدلات الإصابة والوفيات فى الولايات التى اتبعت استراتيجية الانفتاح أعلى بكثير جدا من الولايات التى اتبعت استراتيجية التقييد والإغلاق، حيث بلغت أعداد الوفيات فى كاليفورنيا مثلا عشرة آلاف وفاة فى الشهر الأول من أشهر تفشى الوباء فى حين لم تزد الوفيات فى سان لويس عن سبعمائة وفاة فقط فى نفس الشهر، غير أنه كان من الغريب جدا أنه فى نهاية الجائحة كان معدل الإصابة والوفيات متقاربا جدا فى الولايات المختلفة فى المحصلة النهائية بغض النظر عن الاستراتيجية التى اتبعتها هذه الولاية أو تلك، حيث كان الفارق الوحيد بين الولايات التى اتبعت استراتيجية الانفتاح وتلك التى اتبعت استراتيجية التقييد متمثلا فى معدل سرعة انتشار الوفاة فحسب، إذ انتشر فى الولايات التى اتبعت استراتيجية الانفتاح بمعدل أسرع من الولايات التى اتبعت استراتيجية التقييد، ورغم ذلك فإنه مر بنفس المراحل وأصاب نفس الأعداد وخلف وراءه نفس العدد من الوفيات تقريبا وإن يكن ذلك قد حدث على مدى زمنى أطول.. ولعل السؤال الذى يطرح الآن نفسه هو: لماذا ينشط فيروس معين فى وقت معين مسببا جائحة معينة؟ ولماذا يظل متفشيا على مدى فترة قد تطول أحيانا إلى عدة أعوام إلى أن يصيبه الهمود؟ ولماذا يحدث نفس الأمر بالنسبة للبكتيريا الممرضة، على سبيل المثال بكتيريا اليرسينيا بستس التى تسببت فى القرن السادس الميلادى فى إهلاك خمسة وعشرين فى المائة من سكان العالم وكانت من أهم الأسباب التى عجلت بانهيار الإمبراطورية الرومانية (انظر كتاب: ويليام روزين، « براغيث جستانيان، ترجمة د. أسامة عبدالحق محمد، مراجعة د نصار عبدالله، دار الوفاء، الإسكندرية، 2020)..وهل هو قدر من أقدار الجيل الحالى من البشر أن يظل منتظرا إلى أن يتم الكوفيد 19 دورة الحياة المعهودة فى أى وباء أو إلى أن ينجح الإنسان فى التوصل إلى لقاح ناجع؟ وأقرب الأجلين فى كلا الاحتمالين لن يقل بحال من الأحوال عن عام أو عامين.